اعترفت شخصيات رفيعة في إسرائيل مؤخراً بأن حملة إسرائيل التي هدفت إلى المس بالتمويل الدولي للوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فشلت. بعض الدول أعلنت مؤخراً بأنها ستستأنف تمويل الأونروا بعد تجميده في بداية الحرب في غزة عقب ادعاءات إسرائيل حول تعاون هذه المؤسسة مع حماس، بما في ذلك مشاركة موظفيها في هجوم 7 أكتوبر.
في الفترة الأخيرة، تعرضت الحملة الإسرائيلية لسلسلة من الضربات: فألمانيا، وهي إحدى الدول المهمة لإسرائيل في العالم، أعلنت نيتها استئناف تمويلها للوكالة، بعد أن جمدته برلين في كانون الثاني الماضي. في بيان لوزارة الخارجية الألمانية، كتب: “بعد أن فحصت ألمانيا ادعاءات إسرائيل، أصبحت على قناعة بأنه يجب تحسين الرقابة على نشاطات الوكالة وعلى المشاريع التي تنفذها، لكنها في موازاة ذلك تنوي استئناف دعم الأونروا في الوقت القريب”. قالت ألمانيا إن على الحكومات الأخرى التي جمدت تمويلها أن تفعل ذلك.
في البيان الألماني كتب أيضاً أن الوكالة تواصل لعب “دور حيوي لا بديل له” في معالجة الأزمة الإنسانية في القطاع، وأن مؤسسات دولية أخرى تعمل في غزة، تعتمد على البنية التحتية القائمة للأونروا. تعتقد ألمانيا أنه “على خلفية الكارثة الإنسانية المتواصلة في غزة، يبدو الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى” لدعم الوكالات الدولية المختلفة العاملة في القطاع، قبل أن يتم مس تمويل الأونروا بصورة لا تمكن من استمرار مشاريعها للتعليم والرفاه.
قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية رداً على ذلك، بأن قرار ألمانيا “مؤسف ومخيب للآمال”. وأن “إسرائيل تتشارك مع ألمانيا ودول مانحة أخرى في المعلومات حول مئات نشطاء حماس العسكريين ومئات النشطاء الآخرين الذين ينتمون لمنظمة حماس الإرهابية و”الجهاد الإسلامي”، بما في ذلك موظفون في الأونروا”، كتب، “هؤلاء ليسوا بضع حبات متعفنة من التفاح، بل شجرة متعفنة وسامة”. وكتب أيضاً أن إسرائيل ستستمر في التعاون مع الحكومة الألمانية لتوجيه المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بواسطة وكالات أخرى.
خلفية بيان ألمانيا تقرير نشرته كاترين كولونا، وزيرة خارجية فرنسا السابقة، التي عينتها الأمم المتحدة للتحقيق في نشاطات الأونروا. زارت كولونا إسرائيل قبل شهر تقريباً، والتقت جهات عليا في الحكومة والجيش للحصول على معلومات عن ادعاءات ضد هذه المؤسسة. ولكن كولونا كتبت في التقرير بأن إسرائيل لم تعرض أي أدلة على أن الكثيرين من موظفي الوكالة هم أعضاء في التنظيمات الإرهابية التي تعمل في غزة، ولم تتطرق إلى ادعاء إسرائيل حول مشاركة موظفي الأونروا في هجوم 7 أكتوبر.
ووجه التقرير بانتقاد إسرائيل كبير، وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية رداً رسمياً بأن الوثيقة “تتجاهل خطورة المشكلة وتقترح حلولاً تجميلية لا تتعامل مع حجم اختراق حماس للأونروا. وهكذا فإن التقرير لا يظهر كفحص حقيقي وجذري”. مع ذلك، اعترفت جهات إسرائيلية سياسية في محادثات مع دبلوماسيين أجانب في الفترة الأخيرة بأن إسرائيل لم تنجح في التأثير على التقرير كما أملت، وأنه من الواضح لها بأن دولاً أخرى في أعقاب نشره، ستنضم لألمانيا وتستأنف تمويل الوكالة. حسب تقارير نشرت في نهاية الأسبوع، بدأت بريطانيا أيضاً بفحص استئناف تمويلها للوكالة.
حتى الآن الدول الأهم التي قررت استئناف تمويل الأونروا، معظمها حتى قبل نشر تقرير كولونا، هي فرنسا وكندا وأستراليا والسويد والنرويج وإسبانيا واليابان. تخشى إسرائيل بالأساس من أن بريطانيا والولايات المتحدة، الدولتان الأكثر وضوحاً في دعمهما الآن في الساحة الدولية، ستغيران قرارهما حول وقف التمويل.
مصدر إسرائيلي مشارك في الجهود السياسية لوقف التمويل، قال للصحيفة بأن الحديث لا يدور عن فشل غير دعائي، بل ينبع من غياب بديل مقنع لنشاطات الأونروا. وحسب أقوال هذا المصدر، فإن إسرائيل نجحت في إثارة الشك لدى أصدقائها في العالم بخصوص الأونروا، لكنها لم تدعم هذه الخطوة بعرض أي بديل مناسب للوكالة. وقدر جهاز الأمن منذ كانون الثاني، بأن الصعوبة الأساسية في الحملة ضد الأونروا لم تكن لإقناع العالم بأن الوكالة إشكالية، بل الإقناع بالبديل.
دبلوماسي غربي من دولة استأنفت التمويل، قال إن قرار حكومته لفعل ذلك ينبع من سببين: “الدلائل التي عرضتها إسرائيل لم تكن حازمة بشكل كاف، ولم تقنع بأن الأمر يتعلق بظاهرة واسعة وليس بحالات منفردة”، وأضاف: “إضافة إلى ذلك، شاهدنا كيف يتدهور الوضع الإنساني في غزة إلى خطر الجوع، وأدركنا أنه ليس الوقت المناسب لإظهار الحكمة. ولو كانت هناك طريقة لتقديم الغذاء لمليوني شخص في غزة بدون الأونروا لكنا مستعدين لفحص ذلك. ولكن يبدو أنه لا يوجد. وفي أوساط الاتحاد الأوروبي إجماع بأن دعم الأونروا يجب أن يستمر في الوضع الحالي رغم ادعاءات إسرائيل”.
أمير تيفون
هآرتس 25/4/2024