الغرب لم يكن يوما إلى جانب فلسطين، ودعمه لسلوك جيش يتفنن في ارتكاب المجازر وقتل الأطفال والمسنين ليس وليد اليوم. فلسطين كانت دائما لوحدها تقاوم المحتل المتحصن بالأسلحة الأمريكية والمزود بأسباب البقاء عسكريا وسياسيا وفي منابر الدبلوماسية الدولية المتهالكة قيميا وأخلاقيا.
همّهم الوحيد درء أي تهديد حقيقي من شأنه الإضرار بإسرائيل، أو إنهاء أسباب وجودها، أو حتى تقليص قدرتها على التدمير وممارسة الإرهاب والقتل وافتكاك المنازل وتهجير أصحابها منها. بالتالي وكأن الغرب الأمريكي المشارك في الجريمة ينتشي بأعمال الإبادة، وبالمجازر المتكررة في منطقة مدمرة انعدمت فيها أسباب الحياة، وفضحت مقولات لطالما ادّعى أصحابها أنهم قائمون على حقوق الإنسان ومدافعون عنها. حجم النزوح الجماعي الذي تسبب فيه الجيش الإسرائيلي بفعل القصف العشوائي على المدنيين ليس له مثيل. حتى رفح التي لم يتبق فيها سوى 65.000 شخص بفعل النزوح وفقا للأمم المتحدة، لم يسلم الهاربون هناك من خطر القتل والقنابل وصواريخ الحقد والكراهية التي يحملها المتطرفون في حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين كبارا وصغارا.
لا توجد أي دولة صادقة بشأن تأمين أي نوع من التقدم في غزة وخارجها، والوفاء بمبادئ المعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي
والمخزي بالنسبة للهيئات الدولية تجاوز إسرائيل لكل الخطوط الحمر، وعدم التفاتها لأي جهة كانت بما في ذلك المحاكم الدولية. فبعد يومين فقط من إصدار محكمة العدل الدولية أمرا لإسرائيل بوقف هجومها على رفح، قصفت إسرائيل مخيمات للنازحين في رفح، ما أسفر عن مقتل 49 فلسطينيا على الأقل وإصابة أكثر من 180 آخرين، في ما أصبح يُعرف على الفور باسم «مجزرة الخيام». وفي الثامن من يونيو/حزيران، وفي سياق عملية لإنقاذ أربعة رهائن، قصفت القوات الإسرائيلية سوقا في النصيرات في وسط غزة وأطلقت النار فيه بشكل عشوائي، ما أسفر عن مقتل 274 فلسطينيا على الأقل، وإصابة أكثر من 700 آخرين، هذا إضافة إلى مجازر متتالية تستهدف المدارس وأي مكان يلجأ إليه المدنيون، الذين يعانون ويلات الحرب والجوع والعطش وفقدان أدنى ضروريات الحياة. ووفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن مليون فلسطيني في جنوب غزة أصبحوا منذ مدة محاصرين في منطقة مزدحمة للغاية على طول الشاطئ، في حرارة الصيف الحارقة دون مياه نظيفة أو صرف صحي. عار على الإنسانية كل هذا. المجاعة التي صنعها الصهاينة في المنطقة المحاصرة، التي تنبع من استمرار إسرائيل في عرقلة العمليات الإنسانية، تتسبب في مقتل المزيد من الفلسطينيين. في الأثناء، يتواصل الدعم الأمريكي الثابت لسلوك إسرائيل البشع في حربها على غزة، إلى جانب الاحتلال غير القانوني المتوسع في بقية الأراضي الفلسطينية، رغم تصاعد الغضب بين العديد من الأوساط التقدمية في الولايات المتحدة بشأن دعم إدارة بايدن غير المشروط لحرب إسرائيل في غزة، والصمت المخزي للبيت الأبيض بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، بما في ذلك حجب المساعدات الإنسانية على سكان هم في أمس الحاجة للغذاء والدواء والملجأ الآمن. ستكون هناك أصداء لهذا الاتجاه غير الإنساني والمتعجرف في الانتخابات الأمريكية المقبلة هذا الخريف، هذا مؤكد. تماما مثلما هو الحال في بريطانيا، حيث خسر حزب العمال العديد من الناخبين بسبب موقفه من الحرب في غزة، وهي القضية التي لن تختفي بعد الانتخابات، والتي ولّدت قوة سياسية جديدة في السياسة البريطانية تدافع عن الفلسطينيين. وفي سلسلة من الاضطرابات السياسية، خسر حزب العمال أربعة مقاعد أمام نواب مستقلين مؤيدين للفلسطينيين، خاضوا حملات صريحة بشأن غزة. كما احتفظ زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين بمقعده، ما أضاف إلى كتلة صغيرة ولكنها صريحة في البرلمان تدفع باتجاه موقف بريطاني أكثر تقدمية بشأن القضية الفلسطينية. وكما قدّرت كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ستعتمد قدرة حزب العمال على الحفاظ على قاعدة دعم قوية بشكل كبير على كيفية تعامله مع إسرائيل وفلسطين. إذا كانت المملكة المتحدة تريد أن تكون صادقة بشأن تأمين أي نوع من التقدم في غزة وخارجها، والوفاء بمبادئ حزب العمال الخاصة بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي، فعليها أن تتصرف بشكل مستقل عن أكبر حلفائها. وفي حين قد يكون القيام بذلك أكثر صعوبة فيما يتعلق بالقضايا السياسية، فإن السياسة الإنسانية قد تكون مجالا يمكن لبريطانيا من خلاله إعادة تأكيد نفسها كلاعب عالمي. يتعيّن على من يدّعون الأنوار والقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان من الدول الأوروبية أن يواجهوا إسرائيل بشأن عرقلتها المتكررة لأي نوع من المساعدات الإنسانية المرسلة إلى غزة. وإعاقتها المستمرة لمفاوضات وقف إطلاق النار، واستهدافها المتعمد للعاملين في المجال الإنساني والمجتمع المدني المحلي والصحافيين في غزة. هل يفترض أن تبقى جنوب افريقيا بمفردها تقاضي إسرائيل في المحاكم الدولية؟ يتعين فعلا أن تخرج دول أخرى وبقوة لدعم الجهود المبذولة داخل محكمة العدل الدولية للنظر في ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة والعواقب القانونية المترتبة على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، مع أنهم يتعامون عن حقائق واضحة، وعن صورة ساطعة لا يحجبها إلا نفاقهم وتخاذلهم وازدواجية معاييرهم وتقلب مصالحهم.
لا توجد أي دولة صادقة بشأن تأمين أي نوع من التقدم في غزة وخارجها، والوفاء بمبادئ المعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي. لماذا لا يصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة توجيهات ملزمة لوقف إطلاق النار في غزة على الفور؟ إبادة جماعية وسياسة متعمدة للتجويع يمارسها كيان الاحتلال الصهيوني منذ أشهر، واستراتيجية في الهروب إلى الأمام من خلال توسيع الحرب لتشمل المنطقة بأكملها. وهذا واضح من خلال الاغتيالات الخارجية وانتهاك سيادة الدول. الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة منذ بداية الحرب التدميرية على غزة على انهائها، لو أوقفت سياسة «التصريح على بياض» المخزية في دعم الإبادة الجماعية والعدوان الذي ترتكبه إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة. واشنطن تتحول إلى مشارك في تعميق المعاناة في غزة، بدلا من أن تكون وسيطا للسلام كما كانت تدّعي منذ فترة طويلة. وهذا ليس بالغريب على من دمر العراق، وكرّس علنا وبشكل مباشر منذ ذلك الحين الإرهاب والفوضى في الشرق الأوسط.
كاتب تونسي