ما العمل الآن؟ سؤال يحوم فوق الساحة السياسية. فقد صوت الجمهور بأغلبيته (65 مقعداً لليسار، وأزرق أبيض، وليبرمان، والمشتركة)، ضد ائتلاف اليمين – المتدينين. ولكنه صوت أيضاً ضد ائتلاف اليسار (63 مقعداً لأحزاب اليمين، والأصوليين وليبرمان)، وكذا ضد وحدة تضم نتنياهو (33 مقعداً لمصوتي أزرق أبيض)، وأيضاً ضد وحدة ترفض نتنياهو شخصياً (31 مقعداً صوتوا صراحة لبطاقة “الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء” يمنعون ذلك). كل واحد من الأحزاب يمكنه أن يخرق وعوده للناخب، ولكن لا يبدو في هذه اللحظة أن لها مصلحة أو اهتماماً بعمل ذلك، وكل واحد يريد للآخر أن يخرق وعوده، من أجل الشعب والوطن.
فما العمل إذن؟ يمكن بالطبع التوجه إلى انتخابات أخرى، وعندها إلى انتخابات أخرى، وعندها إلى أخرى، ولكن فضلاً عن إحساس الملل العام من انتخابات أخرى، ليس واضحاً ما المعنى منها، مثلما لم يكن واضحاً ما المعنى من الانتخابات الأخيرة وما الذي أضافته.
سيكون هناك من يقول بأن النقص في كنيست تؤدي مهامها ليس بالضرورة أمراً سيئاً، إذ ما فعله المشرعون والحكومة في السنوات الأخيرة كان مساً كبيراً بالاقتصاد والمواطنين بقوانين شعبوية وبزيادة عجز في الميزانية. ولكن العجز كبير منذ الآن، ونحتاج كي نتصدى له إلى حكومة تؤدي مهامها وتعرف كيف تقصقص كما ينبغي. والآن، حذرت شركة التصنيف الائتماني “موديس” من خطر التصنيف الائتماني لإسرائيل إذا لم تقم حكومة مستقرة. وأمامنا تصديات مهمة مع “صفقة القرن” والأحداث الأمنية – السياسية حولنا، فيما كل هذا يستوجب استقراراً سياسياً وليس فوضى انتخابية.
يخيل أن الوضع الذي علقنا به قد يكون فرصة بالذات. فانتخابات أخرى في الصيغة ذاتها ستحملنا إلى النتيجة ذاتها. ولكن ماذا إذا غيرنا الصيغة؟
إن “تغيير طريقة الحكم علم قديم رافقنا عشرات السنين. كان بشكل سيئ في مرات عديدة: اصطلاح الانتخاب المباشر، الذي جاء على خلفية الفوضى السياسية في الثمانينيات، أدى إلى مشاكل أكثر مما أدى إلى حلول، وليس هناك الكثير من الناس ممن يشتاقون له. أما رفع نسبة الحسم فلن يؤدي إلى زيادة الاستقرار، بل العكس. فالإصلاحات يجب أن تتم بحذر شديد وانطلاقاً من التفكير إلى الأمام بأكثر ما يكون ممكناً. ولكن هذا لا يعني أن التمسك بالوضع القائم مثالي. إذ إنه كما رأينا حملنا إلى متاهة سياسية.
أولاً، علينا أن نعرّف المشكلة: المشكلة ليست التمثيل، بل الاستقرار وقدرة الحكم. بمعنى، ما يتعين علينا أن نعمله قد يكون التقليص قليلاً من التمثيلية، كي نعزز قدرة الحكومة على الحكم. هذا ليس في السماء، ولدينا الآن نموذج على النحو التالي: الطريقة البريطانية والطريقة الأمريكية، اللتان تختلف إحداهما عن الأخرى في تفاصيل عديدة، ولكنهما متشابهتان في مبدأ واحد، يشجع وجود حزبين كبيرين ويدحر كل ما تبقى إلى الهوامش.
وهذا هو مبدأ “المنتصر يفوز بكل الصندوق”، ما يسمى “طريقة إقليمية – أغلبية”. الدولة تقسم إلى محافظات، وفي كل محافظة يفوز في الانتخابات مندوب واحد، وهو يمثل أناس المحافظة. والهدف المعلن للطريقة هو علاقة مباشرة أكثر، ومسؤولية واضحة أكثر بين منتخب الجمهور والجمهور الذي انتخبه، ولكن ثمة نتيجة مرافقة هي نشوء حزبين كبيرين، يفوز أحدهما بشكل عام بأغلبية مطلقة من الأصوات، دون حاجة إلى تشكيل ائتلاف. فالحاجة إلى تشكيل ائتلاف هو ما حملنا إلى الوضع المخايل الحالي.
إصلاح كهذا يمكنه أن يمس بالأحزاب الصغيرة، وبخاصة الأحزاب الأيديولوجية الصغيرة مثل ميرتس ويمينا، التي ستضطر بطريقة الأغلبية إلى الدخول إلى واحد من الأحزاب الكبرى والتأثير في داخلها. ولكن الوضع السياسي الحالي يسمح للحزبين الكبيرين، أزرق أبيض والليكود، بخلق ائتلاف وفرته الحالة الراهنة، كل هدفه هو تغيير الطريقة إلى طريقة إقليمية – أغلبية، وربما حتى تبنّي صيغة المجلسين، الأعلى والأدنى، اللذين يوازي أحدهما الآخر. كل هذا يجب -كما أسلفنا- أن نذكّر فيه بحذر، ولكن يحتمل ألا يكون هناك مخرج من مثل هذا الإصلاح. فها هي، سيدي الرئيس، مادة للبحث فيها في لقاءاتك مع قادة الأحزاب في الأسابيع المقبلة.
بقلم: هيلل غرشوني
إسرائيل اليوم 22/9/2019