إسرائيل بعد “إلغاء ذريعة المعقولية”.. من الدولة الأكثر نجاحاً إلى خطر يهدد اقتصادها

حجم الخط
0

 حتى قبل نصف سنة، لا أحد من الجمهور الواسع عرف شركات التصنيف الائتماني الدولية، ولم يعرف مدى تأثيرها على اقتصادات الدول. أما الآن فكل ولد يميز بين “اس آند بي” و”موديس” و”بيتش” ويعرف كيف يقدر أن شركات التصنيف ستعاقب إسرائيل وحتى ستقلل تصنيفها الائتماني إذا تم المضي بتشريع إلغاء ذريعة المعقولية بدون أساس اتفاق واسع.

 ثمة تقدير واسع بأن شركة التصنيف الائتماني “بيتش”، التي يتوقع أن تنشر تحديثاً عن وضع إسرائيل في الأسابيع القريبة القادمة، ستفعل القليل، هذا إذا فعلت، وعلى الأكثر سترسل توبيخاً بسيطاً، نوعاً من “ماذا بعد”، حتى هذا غير مؤكد لحكومة إسرائيل.

التوقع بأن شركات التصنيف الائتماني ستخرج حبات الكستناء من النار وتنقذ دولة إسرائيل من نفسها، هو توقع غبي. ضيق هو عالم شركات التصنيف مثل عالم النمل، واعتبارات الأخلاق والديمقراطية تهمها كما تهمها قشرة الثوم. في الحقيقة، سنغافورة والسعودية أيضاً تحظيان بتصنيف ائتماني كامل تقريباً، رغم أنهما ليستا دولاً ديمقراطية.

 الأمر الوحيد الذي يهم شركات التصنيف هو مخاطر تسديد ديون الدولة (ما هي المخاطر في أن تقوم الدولة بإلغاء الدين). وحسب البيانات الجافة، فإن الأخطار في إسرائيل متدنية الآن. نملك فائضاً من العملة الأجنبية بحجم يساوي 40 في المئة تقريباً من الناتج. النمو مرتفع، وحتى إنه يواصل الارتفاع. البطالة في الحضيض، والعجز منخفض. للتو تم التوقيع على اتفاق أجور يضمن الاستقرار في مجالات علاقات العمل للسنوات القريبة القادمة.

 حتى البيانات بخصوص حجم الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، بعد اندلاع الانقلاب النظامي، هي بيانات غير قاطعة. في الواقع هناك أزمة في تدفق رؤوس الأموال للهايتيك، لكن في المقابل، وقعت “غوغل” و”آبل” على اتفاقات ضخمة مع الحكومة ستضخ أموال كثيرة لإسرائيل في إطارها. كما وافقت “انتل” أيضاً على إقامة مصنع جديد لها في إسرائيل باستثمار كبير يبلغ 15 مليار دولار؛ وفي مجال الأمن، في أعقاب الوضع في أوكرانيا هناك ازدهار.

 فقط بشائر جيدة

 أينما تنظر شركات التصنيف الائتماني، فإنها ترى في إسرائيل بشائر جيدة. المجال الوحيد الذي فيه عدم تحسن كبير هو في معايير الحوكمة التي تضعضعت في أعقاب الانقلاب النظامي، لكن من الجدير التذكير بأن إسرائيل حصلت دائماً على علامات متدنية في معايير الحوكمة لكونها دولة محتلة. لذلك، المس بهذه المعايير سيقلل بشكل ضئيل جداً العلامة الشاملة لإسرائيل في أوساط شركات التصنيف.

 باختصار، لا يوجد لشركات التصنيف الائتماني أي سبب منظور لتقليل التصنيف الائتماني لإسرائيل، أو حتى تقليل تنبؤ التصنيف. الانقلاب النظامي في النماذج المحافظة في شركات التصنيف يقتضي ثرثرة، ليس أكثر من ذلك. ومن أمل أن التحذير من الإضرار بالتصنيف الائتماني سيشكل الخطوة التي ستكبح حكومة الدمار اليمينية، سيخيب أمله. العالم لن ينقذ إسرائيل من نفسها، وبالتأكيد شركات التصنيف – المؤسسات المالية المحافظة جداً في العالم – لن تفعل ذلك.

 ليس هناك ما نحتج به لدى شركات التصنيف الائتماني من ذرائع أخلاقية. الأخلاق، في كل الحالات، ليست من شأنها. لكن نعم، يوجد مكان لطرح ذريعة مهنية أمامها. في التطرق المتوقع لإسرائيل، تكشف شركات التصنيف الائتماني مرة أخرى عن رؤيتها الضيقة والمحافظة: ترى فقط ما هو موضوع تحت أنفها، وهي غير قادرة على تحليل العمليات العميقة.

 عدم رؤية الوقائع

 إن الرؤية التي تقول بأن إسرائيل هي دولة مستقرة اقتصادياً الآن، وبعيدة كل البعد عن أزمة مالية، هي رؤية لا ترى الواقع. صحيح أن البيانات الجافة تواصل التحدث عن قصة نجاح إسرائيل اقتصادياً، لكنها قصة إسرائيل 2022، أما إسرائيل 2023 فهي دولة مختلفة كلياً، حتى لو لم يتم التعبير عن هذا ببيانات جافة حتى الآن.

 ما تغير في إسرائيل هو الثقة بالأمر الأساسي جداً في حياة الدولة: عقلانية من يمسكون بالدفة. في دولة تعين فيها وزيرة المواصلات مساعدها السياسي عديم التجربة في منصب المدير العام في وزارة المواصلات، ووزير في وزارة العدل يذكر بأن المستشارة القانونية للحكومة هي الشخص الأخطر في الدولة، ووزير اتصالات يقيل مدير بريد ممتازاً، ووزير شرطة يلقب معارضين بالفوضويين ويحرض الشرطة ضدهم؛ ووزير للمالية يعلن أنه يدير الاقتصاد “بعون الله” وأنه لا مانع من التعرض لأزمة اقتصادية مقابل المضي بالانقلاب النظامي؛ والائتلاف يدفع قدماً بقوانين تساعد شخصياً أصدقاء الوزراء – بالأساس الوزير المدان آريه درعي – وحتى لا يخفي ذلك؛ ورئيس الحكومة يفكر بأنه من غير الفظيع أن جيش الشعب يتفكك ما دامت حكومته على قيد الحياة – وفي مثل هذه الدولة لا يمكن الحديث عن استقرار اقتصادي.

 لا يوجد ولن يكون استقرار اقتصادي في الوقت الذي تزرع فيه الحكومة الدمار والخراب، وتعمل ذلك بشكل متعمد وعلني. التخلف النسبي لمعايير البورصة في إسرائيل وضعف الشيكل كلها ليست سوى علامات أولية على الشر الذي يجري تحت السطح. الخوف الكبير هو في أوساط جزء كبير من القطاع التجاري في إسرائيل ويكمن من فكرة عدم وجود مستقبل لإسرائيل وأن من يريد الحفاظ على نفسه فعليه الابتعاد عن الاستثمار في البلاد.

 لا يوجد حتى الآن فيضان لإخراج الأموال من إسرائيل وتحويل الاستثمارات منها أو الهجرة من البلاد. ولكن كل مستثمر وكل صاحب أموال في إسرائيل يقفز الآن عن هذه البنود الثلاثة ويتردد في شأن استمرار طريقه – جسدياً أو مالياً – في إسرائيل. بالنسبة لدولة أنهت العام 2022 بصفتها الدولة الأكثر نجاحاً في العالم، فمن غير المعقول أن تفحص المشاريع التجارية الهرب منها. ولكن إزاء حكومة مسيحانية، متعصبة وفاسدة إلى درجة التعفن، فإن فحص خفض الاستثمارات وإخراج الأموال من إسرائيل بات خطوة معقولة.

 يطبخ على نار هادئة

 إن طبيعة الأزمة المالية هي أن تطبخ على نار هادئة ولفترة طويلة، وأن تندلع في لحظة إزاء أي محفز. الدولة الآن في مرحلة النار الهادئة: الجميع يفحصون استمرار طريقهم، والجميع يؤمنون ويأملون بأن المعجزة التي ستمنعهم من اتخاذ قرارات صعبة ستأتي يوماً ما. وإذا لم تحدث المعجزة وحدث العكس، مثلاً إذا تمت المصادقة على إلغاء ذريعة المعقولية في الكنيست كما هو، وبهذا أثبت رئيس الحكومة بأنه مستعد للتضحية بالدولة من أجل مصالحه الشخصية، فإن كلمات أزمة مالية عندها لن تعود كلمة قاسية.

 شركات التصنيف الائتماني لا ترى كل ذلك، لأنها شركات محافظة ولأنها دائماً تخشى من استباق الأحداث. تقريباً شركات التصنيف الائتماني تتذكر تخفيض التصنيف بعد أن تكون الأسواق قد فعلت ذلك أمامها، وهذه المرة لا يبدو أنها تتمتع بقدرة على التنبؤ مسبقاً بتطور الأمور.

 لكن كل من يعيش في القطاع التجاري في إسرائيل يعرف كيف يشعر بهذه العمليات: الأرض تهتز تحت أقدامنا، و”إلغاء ذريعة المعقولية” يزيد خطر حدوث أزمة مالية بشكل كبير. وإذا حدث ذلك، فسيكون سخرية التاريخ من أن الشخص الذي سمى نفسه “سيد اقتصاد” هو الذي تسبب بدمار اقتصاد إسرائيل.

 ميراف أرلوزوروف

هآرتس/ ذي ماركر 24/7/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية