إسرائيل بعد “الاغتيال النموذجي”: هل “سكّرنا الحساب” وتفادينا حرباً شاملة؟

حجم الخط
0

عاموس هرئيل

اغتالت إسرائيل فؤاد شكر (الحاج محسن)، الذي يعتبر رقم 2 في حزب الله بعد حسن نصر الله. بعد العملية نشرت أنباء متناقضة بخصوص سؤال: هل تم قتل شكر نتيجة هجوم جوي في الضاحية- الحي الشيعي في بيروت؟ ولكن الجيش الإسرائيلي أصدر بعد ذلك بياناً رسمياً بأن عملية الاغتيال نُفذت. ونشر أيضاً عن قتيلين وعدد من المصابين في هذا الهجوم. إسرائيل مستعدة للرد من قبل حزب الله، لكنها تأمل أنه سيكون بالإمكان استيعاب المواجهة ومنع تصعيد يصل إلى حرب شاملة في الشمال. في حادث آخر أمس، قتل عضو “كيبوتس هغوشريم” في إصبع الجليل بإصابة صاروخ أطلقه حزب الله.

منذ موت الـ 12 طفلاً وفتى نتيجة إطلاق صاروخ لحزب الله في مجدل شمس في هضبة الجولان، جرت سلسلة مشاورات لقيادة إسرائيل السياسية والأمنية. وكان من الواضح في هذه المشاورات بأن المطلوب رد شديد على هذا الحادث، وهو الحادث الأخطر في الشمال منذ بداية الحرب. مع ذلك، كانت النية اختيار عملية تضع حزب الله في ورطة وتلزمه بخطوات لن تؤدي إلى حرب.

كانت عدة احتمالات على الأجندة. وفي النهاية، تقرر القيام بالنموذج المناسب: ضرب شخصية رفيعة جداً في حزب الله في بيروت، على أن يتم الأمر في عملية مركزة وليس من خلال قتل جماعي لنشطاء التنظيم والمواطنين. للعملية أهمية رمزية في الضاحية، فهي قلب نشاطات حزب الله. في حينه، تحدثت إسرائيل عن “عقيدة الضاحية” التي قد يجبي المس بها ثمناً باهظاً من حزب الله كما حدث في حرب لبنان الثانية في 2006.

حسن نصر الله من المؤيدين الكبار لمقاربة المعادلات، على الأقل منذ 2006 هو يصف خطواته ضد إسرائيل كجزء من المعركة التي تهدف إلى تحقيق التوازن، حتى بالعمليات نفسها وبالردع في الرد عليها. طوال الحرب الحالية ورئيس حزب الله يصرح بأنه سيهاجم “غوش دان” رداً على أي هجوم على بيروت. حتى أمس، عملت إسرائيل مرة واحدة أثناء الحرب في بيروت، في كانون الثاني الماضي عندما اغتالت القائد الرفيع في حماس صالح العاروري في الضاحية.

رفع الجيش الإسرائيلي أمس مستوى التـأهب إزاء احتمالية رد عسكري من حزب الله. كان يمكن ملاحظة في سماء أرجاء البلاد حركة يقظة للطائرات الحربية، في حالة حاول حزب الله إطلاق مسيرات هجومية رداً على ذلك، أو أن تكون حاجة لمهاجمة منظومات إطلاق الصواريخ لديه. مع ذلك، امتنعت قيادة الجبهة الداخلية عن تغيير التعليمات لاستعداد الجمهور.

شكر (62 سنة) هو أحد آخر القادة الكبار والمخضرمين في الذراع العسكرية، الذين بقوا على قيد الحياة. وقد بدأ العمل في صفوف حزب الله عام 1982، قريباً من موعد تأسيس الحزب، وبعد غزو إسرائيل للبنان في حرب لبنان الأولى. في تشرين الثاني من السنة نفسها، كان مشاركاً إلى جانب عماد مغنية (الذي اغتيل في العام 2008) في تخطيط العملية الانتحارية الأولى في صور، التي قتل فيها عشرات من جنود الجيش الإسرائيلي ورجال “الشاباك”. شارك شكر طول سنين في قتل عشرات الإسرائيليين. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي نسب لشكر في بيان صدر أمس أيضاً المسؤولية المباشرة عن إطلاق الصاروخ القاتل نحو مجدل شمس.

بعد مغنية، تمت تصفية مصطفى بدر الدين، وريثه في الذراع العسكرية، ولكنها لم تكن عملية إسرائيلية، بل عملية اغتيال مشتركة قررتها قيادة إيران وحسن نصر الله على خلفية توترات في قيادة حزب الله. في الحرب الحالية، قتل ثلاثة من قادة الوحدات الرئيسية في التنظيم. يقول جهاز الأمن إن قتل القادة هو الأمر الأساسي الذي يقلق حزب الله ويمس بقدرته العملياتية، رغم أن 380 من مقاتليه قتلوا في الهجمات الإسرائيلية. شكر كان المسؤول عن المنظومات الاستراتيجية في حزب الله، من بين ذلك الصواريخ بعيدة المدى ومنظومة الدفاع الجوي و”مشروع الدقة” الذي في إطاره تم تحسين قدرة دقة الصواريخ لدى حزب الله. في التسعينيات حيث كان الجيش الإسرائيلي ما زال يحتفظ بالمنطقة الأمنية في جنوب لبنان، قاد شكر قسم العمليات في حزب الله جنوبي لبنان.

أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة عن نواياها مسبقاً. كان شكر مطلوباً من الـ اف.بي.آي لدوره في عمليات إرهابية دولية والشك في أنه المتورط في العملية التي قتل فيها مدنيون أمريكيون. جرت في الفترة الأخيرة محادثات كثيرة بين جهات رفيعة في جهاز الأمن الإسرائيلي ونظرائهم الأمريكيين. وطلبت الولايات المتحدة التأكد من أن على إسرائيل الحذر من إشعال حرب شاملة في الشرق الأوسط، والاكتفاء برد محدد على إطلاق الصاروخ نحو مجدل شمس.

أعلن وزير الدفاع غالنت بعد هجوم إسرائيل أمس بأن “حزب الله تجاوز الخطوط الحمراء”. وثمة افتراض بأن حزب الله يرى في عملية إسرائيل تجاوزاً للخطوط الحمراء، التي يجب الرد عليها. ولكن إضافة إلى إغلاق الحساب على المذبحة في مجدل شمس، يطرح هنا سؤال آخر أثقل. منذ عشرة أشهر وإسرائيل لا تنجح في جعل الوضع يستقر على الحدود في الشمال، وإعادة الـ 60 ألفا من سكان منطقة الحدود إلى بيوتهم.

حتى لو لم يؤد الهجوم في بيروت إلى حرب شاملة، فلا يلوح في الأفق حتى الآن سبيل تؤدي إلى إعادة الاستقرار إلى حدود لبنان. في هذه الأثناء يبدو أن المسار البديل (التوصل إلى صفقة التبادل مع حماس ووقف إطلاق النار في القطاع، ثم جهود أمريكية سريعة لتهدئة الشمال) وصل إلى طريق مسدود. حتى بعد اغتيال شكر، لا تبدو الحكومة والجيش قريبين من حل الضائقة الاستراتيجية في الشمال. السكان هناك فقدوا صبرهم منذ زمن، وقلائل عادوا إلى بيوتهم، وحياتهم غير آمنة، ولا فكرة لأحد كيف ومتى سيعود الهدوء إلى الحدود.

 هآرتس 31/7/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية