ملابسات مشابهة في أزمنة مختلفة لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج مشابهة، هذه جملة نطبقها على قطاع غزة وسلوك إسرائيل حيال حماس على مدى سنوات طويلة. هذه السنة كانت الملابسات بالفعل مشابهة – يوم القدس، مسيرة الأعلام، وتهديدات حماس، لكن النتائج كانت مختلفة. في العام الماضي، أطلقت حماس الصواريخ نحو القدس، مما شكل إشارة بدء لحملة “حارس الأسوار”. أما هذه السنة بالمقابل، فبقي هدوء متوتر، رغم إحساس التصعيد الذي حام في الجو.
هذه إشارة إلى أن رداً عسكرياً من غزة أو إطلاق صواريخ أو محاولة عملية، كفيل بأن يقع في الأيام المقبلة، لكن إسرائيل هذه المرة لم تقدم لحماس على طبق من فضة ذلك الربط الذي تريده لنفسها كدرع للقدس. هذه المرة كان تقدير جهاز الأمن أن حماس لا تستعد للتصعيد مع إسرائيل، والسيناريو المعقول أنه إذا ما وقعت نار من غزة، ستكون بحجوم ومسافات متدنية، وتنفذها منظمات إرهابية أخرى.
في نهاية المطاف، ثبت أنه عندما تريد حماس فإنها قادرة على فرض الانضباط على منظمات الإرهاب الأخرى أيضاً. وهذا معطى ينبغي أن نتذكره جيداً.
في الأشهر الأخيرة، رغم التوتر الأمني وموجة الإرهاب في إسرائيل، بقي الهدوء النسبي من القطاع. لحماس، كما يتبين، ما تخسره من المواجهة. حتى لو أطلقت النار من غزة في “يوم القدس” أو حتى لو تمت عملية ثأر مثلما يهددون، فلا يعني هذا أن إسرائيل لم تتخذ القرار السليم حين وضعت لحماس خطاً أحمر في محاولاتها لإلغاء أو تغيير مسيرة الأعلام.
يبدو أن إسرائيل اتخذت التوجه الصحيح هذه المرة. فهو يرتبط بقدر أقل، بموضوع إدارة سياسة عاقلة تجاه شدة التهديد من غزة، وبقدر أكبر بالقرار الذي اتخذ بأنه إذا ما تغير مسار المسيرة بسبب تهديدات حماس، فسيعزز مكانتها في الجمهور الفلسطيني ويستدعي المرات التالية التي ستحاول فيها ابتزاز إسرائيل.
في السطر الأخير، كانت قيادة حماس في غزة هذه المرة هي التي يتعين عليها أن تقدم تفسيرها لجمهورها، وخير أن الأمر هكذا. في الخطاب الجماهيري – السياسي الذي نشأ في الأيام الأخيرة، تمت مقارنة فورية بين قرار القيادة السياسية ورئيس الوزراء نفتالي بينيت ألا يتراجع، وبين القرار الذي اتخذ في السنة الماضية تحت قيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو لتغيير المسار بسبب الحساسية الأمنية، وفي نهاية المطاف، أطلقت حماس -رغم ذلك- النار على القدس.
نفهم المقارنة التي استغلت لأغراض سياسية أيضاً لأن المسؤولية عن القرارات، خيراً وشراً، هي لرئيس الوزراء، وبحكم منصبه وقوته السياسية الذي من صلاحياته أن يتخذ القرارات بخلاف توصية جهاز الأمن.
ينبغي أن نذكر أن جهاز الأمن، مقابل الجولة الأخيرة التي أوصى بها بالقطع بعدم تغيير الخطط، قدم توصية معاكسة في المرة السابقة. القرارات الأخيرة بمثابة استخلاص دروس لجهاز الأمن، وإسرائيل هذه المرة هي التي نجحت في إملاء الوتيرة. كان وضع الخطوط الحمراء والاستخدام السليم للوسطاء المصريين والقطريين في نقل رسائل واضحة لحماس عن ثمن التصعيد المتوقع حقق الهدف المطلوب هذه المرة.
اعتبارات حماس
مدة سنة ونيف مرت منذ حملة “حارس الأسوار”. ثمة دروس مهمة ينبغي للجيش أن يستخلصها، ففي اختبار النتيجة كانت السنة الأخيرة من السنوات الأكثر هدوءاً منذ فك الارتباط. مدى أهمية الحملة ليس فقط في الإنجازات أو في الأخطاء التي كانت في أثنائها (وبالفعل لم تكن تختلف كثيراً عن حملات سابقة)، بل أيضاً في السياسة التي تتخذ بعدها.
الردع مفهوم متملص جداً حيال منظمة إرهابية مثل حماس. كل حملة عسكرية تعززها بشكل طبيعي، بسبب الأثمان الجسيمة التي تفرض على القطاع. فقد كانت لـ”حارس الأسوار” إنجازات أيضاً، ولكن كلما مر الوقت، يتآكل الردع – ومن هنا أيضاً أهمية السلوك السياسي – العسكري السليم، الثابت وعلى مدى الزمن. ويفترض بالسياسة أن تتضمن ردوداً أكثر حدة على كل نار تطلق من القطاع، ومنع إنجازات سياسية عن حماس في ظل تهديدات بالإرهاب، وتوسيع أثمان خسارة حماس بالتصعيد بسبب وقف التسهيلات الاقتصادية.
بثت إسرائيل لحماس هذه المرة بأنها لا تخشى مواجهة أخرى في القطاع، ويبدو أن حماس، مؤقتاً على الأقل، فهمت الرسائل جيداً. ومع ذلك، فمرور “يوم القدس” بهدوء ليس بمثابة بوليصة تأمين. لأن رداً متأخراً لمنظمات الإرهاب في القطاع أو حتى من جانب حماس التي هي الآن تحت ضغط نقد الجمهور الفلسطيني بسبب حقيقة أنها جلست مكتوفة الأيدي، قد يغير الصورة بسرعة.
الزمن، بالمناسبة، هو المفتاح في كل ما يتعلق بقطاع غزة. هدوء السنة الأخيرة لا يضمن شيئاً. مثلما في العقدين الأخيرين، معقول أن تأتي المرحلة التي تفضل فيها حماس احتكاكاً عسكرياً مع إسرائيل على أي خيار آخر. في نقطة الزمن هذه قد نرى في الهدوء من القطاع مفاجأة معينة أو تعبيراً عن ردع عسكري أعمق مما في الماضي.
بالمقابل، يجدر بنا أن نذكر أيضاً اعتبارات حماس التي تعمل بنشاط على إعادة بناء قدراتها التي تضررت في الحملة الأخيرة واستخلاص الدروس من إخفاقاتها في الوصول إلى إنجازات ليست فقط في مجال الصواريخ. ونقيصة الهدوء النسبي من ناحية إسرائيل هي استمرار تعاظم قوة حماس ومعقول أن الاستقرار سيتضعضع بقدر ما تشعر بأنها جاهزة للمواجهة التالية.
وثمة مسألة أخرى ترتبط بالطبع بأثمان الخسارة. قبل “يوم القدس” ذكّر منسق أعمال الحكومة في “المناطق” اللواء غسان عليان، سكان غزة بأن التسهيلات الاقتصادية للقطاع غير مسبوقة مقارنة بالسنوات الأخيرة، وهو بالفعل محق بهذا الشأن، ولا سيما في كل ما يتعلق بإدخال آلاف العمال من غزة للعمل في إسرائيل. وبالمناسبة، تقترب إسرائيل من أقصى درجات قدرة المرونة لديها في كل ما يتعلق بالتسهيلات الاقتصادية.
المشكلة من ناحية إسرائيل هي أن التسهيلات الاقتصادية لا تبقي إلا على هدوء نسبي من القطاع، دون أن تكون حماس مطالبة بالتقدم في مسألة الأسرى والمفقودين، حيث رفضت إسرائيل في الماضي تقديم التسهيلات دون أن يكون هناك تقدم كهذا. معقول الافتراض بأن تكون الاعتبارات الاقتصادية والتعهدات للوسطاء المصريين والقطريين في قلب اعتبارات حماس للحفاظ على الهدوء من القطاع حالياً، في ظل استغلال الزمن لتعاظم القوى، وتوجيه الإرهاب والتحريض، فيما يقوم بالعمل هذه المرة آخرون من خارج قطاع غزة.
بقلم: تل ليف رام
معاريف 3/6/2022
مسيرة الأوهام و الأكاذيب و الأساطير و الخرافات يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه عربي ويدعون بالموت للعرب هل هناك عنصرية بغيضة مقيتة حاقدة أكثر من قطعان المستوطنين الصهاينة الملاعنة الذين يستأسدون على أبناء فلسطين الشرعيين فيقتلونهم ويهدمون منازلهم بغير وجه حق، والله ينصر فلسطين و يهزم إسرائيل شر هزيمة يارب العالمين