حتى في أسبوع ممتلئ بالأخبار، جاء العنوان الأكثر دراماتيكية قبل نهايته، ظهر أمس. محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، أصدرت مذكرات اعتقال ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بسبب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. عملية مشابهة تم فحصها ضد كبار قادة حماس، مثل يحيى السنوار وإسماعيل هنية، توقفت بسبب موتهما في الأشهر التي مرت منذ تقديم الطلب للمحكمة. في المقابل، صدرت مذكرة اعتقال ضد محمد الضيف بعد أن أبلغ المدعي العام للمحكمة القضاة بأنه لم يتم التحقق من موته.
الدكتور عيران شمير بورير، مدير مركز الأمن القومي والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وخدم في النيابة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وفي منصبه الأخير رئيساً لقسم القضاء الدولي برتبة عقيد، قال للصحيفة بأن “قرار المحكمة فضيحة بمعان كثيرة، لكن سلوك الدولة صعب على جهود منع هذا القرار”. عندما تم تقديم طلب المدعي العام لإصدار المذكرات في أيار الماضي، كانت هناك إمكانية بأن وجود تحقيق ذاتي وجدي في إسرائيل حول الاتهامات، ربما يخفف لهب “لاهاي”. ولكن كما يقول شمير بورير، “الدولة لم تفعل شيئاً في هذا الأمر، بل دفنت رأسها في الرمل”. وحسب قوله، المذكرات تتطرق لأحداث كانت للاعتقال حتى وقت تقديم الطلب. ولكن التحقيق ما زال قائماً في المحكمة ويمكن الافتراض بأنه يتناول أيضاً أحداثاً حدثت منذ ذلك الحين وستحدث في المستقبل. مذكرات الاعتقال الحالية قد تكون رصاصة البداية. يجب عدم تجاهل تأثير استمرار الحرب، وخصوصاً الأحداث الأخيرة في شمال القطاع. “أشار القضاة بصراحة إلى أن الجرائم التي هي في مركز المذكرات، مستمرة حتى الآن، وربما اعتقدوا أنهم بهذا القرار، يساعدون على وقف كارثة إنسانية أخرى”.
المحكمة نشرت ملخصاً قصيراً لمذكرات الاعتقال، لذلك لا يمكن معرفة الأحداث التي هي في مركز الفحص، لكن الملخص يتطرق بشكل عام إلى مهاجمة مستشفى ومنع المساعدات الإنسانية، ويتطرق إلى هجومين متعمدين على مدنيين فلسطينيين. هذه التحقيقات قد توصل إلى مشبوهين ومتهمين آخرين في الجيش الإسرائيلي وفي المستوى السياسي. بخصوص رئيس الحكومة، فإن شمير بورير لا يعتقد أنه سيخاطر بزيارة أي دولة من بين الـ 120 دولة التي وقعت على ميثاق روما؛ خوفاً من الاعتقال. الولايات المتحدة لم توقع على هذا الميثاق، وإدارة ترامب يتوقع أن تكون معادية لمحكمة لاهاي، لكن الخبير في القضاء الدولي، بورير، لا يوصي بالاعتماد على دعم أمريكا فقط. قرار محكمة الجنايات الدولية ربما يكون مدخلاً لإعلان حظر بيع السكان من دول غربية أخرى، التي اكتفت حتى الآن بخطوات معتدلة أكثر ضد إسرائيل، وأيضاً تقديم الدعم لشكاوى وتحقيقات جنائية كثيرة ضد جنود وقادة في الجيش الإسرائيلي، التي تجري في عدد كبير في دول العالم. ويذكر أيضاً بأن موضوعاً آخر للتحقيق الجنائي في لاهاي يجري حول الضفة الغربية، مع التأكيد على المستوطنات ونشاطات أخرى.
تصريح للتسلل
وصلت بشرى “لاهاي” أمس قبل بضع دقائق على تطور قانوني آخر. فقد تم تقديم لائحة اتهام ضد إيلي فيلدشتاين، أحد المتحدثين بلسان نتنياهو، في المحكمة المركزية في تل أبيب، تشمل بنداً خطيراً، وهو إعطاء معلومة سرية بنية المس بأمن الدولة. رجل الاحتياط في “أمان”، الذي حصل منه على هذه المادة، اتُهم بإعطاء معلومة سرية. اعتقال فيلدشتاين في الشهر الماضي أثار تشويشاً كبيراً حول نتنياهو، ولكن المكتب استيقظ بسرعة وهب إلى هجوم مضاد. المتحدث أصبح شاهداً وضحية أخرى لتحقيق سياسي ضد الرئيس.الحماسة الجديدة صبت الزيت على عجلات الانقلاب النظامي وأبيه الشرعي وزير العدل ياريف لفين، الذي أعلن عن العودة إلى النشاط الكامل. في غضون ذلك، انخرط مكتب رئيس الحكومة في محاولات أخرى يائسة لتأجيل تقديم نتنياهو لشهادته في المحكمة التي تقررت في 2 كانون الأول القادم. وقد كان للائتلاف أمور مهمة لينشغل بها، في الأسبوع الذي يتم فيه إحصاء القتلى في غزة ولبنان كل يوم: تشريع يمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية وإجازة قانون يضع بين متناول رئيس الحكومة اسم رقابة استخبارية خاصة به (يضمن له الوصول إلى أي معلومة) وإفشال مشروع قانون لعضو الكنيست غادي آيزنكوت (المعسكر الرسمي)، الذي أراد أن يضمن منحة تعليم لكل جندي مسرح. ولا ننسى أن غباء نشطاء الاحتجاج، الذين استخدموا الألعاب النارية قرب منزل نتنياهو في قيسارية، مكن الأخير من تضخيم فرية محاولة خطيرة لاغتياله.
من الجدير الانتباه إلى الخط الذي يربط كل هذه النقاط. من يؤيدون نتنياهو يستكملون بلورة وترسيخ الرواية التي تقول بأنه بريء من إخفاقات 7 أكتوبر. في المقابل، هو المسؤول الحصري عن الإنجازات العملياتية في الحرب. هناك جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي يصدق ذلك. هكذا، تندمج الخطوات العلنية والسرية ضد المستشارة القانونية للحكومة ورئيس “الشاباك” ورئيس الأركان. في الفترة الأخيرة ينشر اليمين شائعات حول نية نتنياهو إقالة رئيس الأركان هليفي، ربما بعد التوصل إلى اتفاق مع لبنان. في هذه الأثناء، تراجع مدير عام وزارة الدفاع، الجنرال احتياط أيال زمير، عن تقديم استقالته وقرر البقاء في منصبه.
في الأسبوع القادم، ربما ينشر الجيش الإسرائيلي جزءاً من التحقيقات في الحرب. وفي هذا الأسبوع تم التوصل متأخراً إلى تفاهمات بين الجيش ومراقب الدولة حول القضايا التي سيركز عليها المراقب. البطء في التحقيقات وحقيقة أن عدداً قليلاً من بين القادة قدموا استقالتهم حتى الآن، تصعب على استنفاد التحقيقات وتحقيق العدالة في أحداث أخرى. وفي الوقت الذي تتراكم كمية كبيرة من الزبدة على رؤوسهم، فإنهم لا يتخذون خطوات تجاه مرؤوسيهم.
عاموس هرئيل
هآرتس 22/11/2024