إسرائيل تبيد عائلات لبنانية وسورية وتكرر مجازر فلسطين في لبنان والمقاومة تضرب حيفا وتل أبيب

محمد نون
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي» : دخلت إسرائيل مرحلة مفصلية في حربها على لبنان يوم الجمعة الماضي 27 أيلول/سبتمبر عبر قيام طائراتها الحربية بأعنف غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، استخدمت فيها قذائف أمريكية تزن الواحدة منها 2000 رطل، وأدى انفجارها الهائل إلى تدمير أربعة مبان سكنية بشكل كامل وتم تسويتها بالأرض بعد إحداث حفرة عميقة في إحداها، إضافة إلى تضرر مبنيين آخرين.

حجم الهجوم برره جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه كان يستهدف قيادة حزب الله، ثم قال الجيش أنه تم خلال الهجوم اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله.
ورأى كثير من المتابعين للشأن اللبناني وسط استمرار تساقط القنابل الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، أن تل أبيب تواصل عبر غاراتها ترويع المدنيين، وهذا يعني مواصلة تدمير الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع وتحويلها إلى غزة رقم 2 كما كانت تهدد إسرائيل دائما على مدى قرابة عام، أي منذ فتحت المقاومة في لبنان جبهة الإسناد لقطاع غزة بتاريخ 8 أكتوبر 2023.
واتخذت إسرائيل إجراءات احتياطية استثنائية تحسبا لرد حزب الله بعدما ذهب كثيرون إلى القول إن حزب الله بات يجد نفسه مطلق اليدين في رده على إسرائيل رغم أن معظم الخبراء العسكريين في لبنان اعتبروا أن حزب الله يخوض هذه الحرب بأعصاب باردة، وضمن خطة متدرجة كان أبرز تجلياتها إعلانه يوم الأربعاء الماضي عن قصف مقر الموساد الإسرائيلي في محيط تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع قادر1 ثم استمرار إطلاق الصواريخ باتجاه تل أبيب ووسط إسرائيل يوم أمس السبت وأنه سيواصل ضرب قوات الجيش الإسرائيلي.
لكن استحضار جيش الاحتلال الإسرائيلي لسيناريو «إبادة غزة» في حربه على لبنان، أدى إلى شعور المقيمين من لبنانيين ولاجئين سوريين وفلسطينيين، بأن الجميع هم في دائرة الاستهداف، فالمجازر الإسرائيلية التي توزعت على الجنوب والبقاع والضاحية، طالت أيضا عائلات سورية، وخاصة في بلدة يونين البقاعية شمال بعلبك، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بارتكاب مجزرة يوم الخميس الماضي أدت إلى استشهاد عائلات سورية مؤلفة من 19 شخصا وفقا لما أعلنته وزارة الصحة اللبنانية التي أضافت أن مواطنا لبنانيا استشهد أيضا في الغارة، وذلك في إشارة إلى امتزاج الدماء اللبنانية والسورية في لبنان مع نهر الدماء الفلسطينية التي أراقتها قوات الاحتلال الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية.
وطالت الغارات الإسرائيلية منطقة كسروان في جبل لبنان وهو ما تم اعتباره تحذيرا مبطنا للمسيحيين لكن عبر استهداف منزل في بلدة المعيصرة (ذات الغالبية الشيعية) يوم الأربعاء الماضي.
ورغم حجم المجازر الإسرائيلية المتنقلة من أقصى جنوبي لبنان إلى أقصى شماله، فإن الموقف الشعبي الذي ظهر في نماذج كثيرة كان مساندا للمقاومة.
كانت فاطمة إحدى الناجيات اللبنانيات من الغارات الإسرائيلية المكثفة على القرى والمدن اللبنانية، وأجبرها العدوان الإسرائيلي على النزوح مع مئات الآلاف إلى بيروت وباقي المناطق اللبنانية، وما أن استقرت في إحدى مدارس النزوح في العاصمة حتى ظهرت أمام وسائل الإعلام لتنطق بكلمات مقتضبة لكنها شديدة البلاغة: «نزحنا مثل أهالي قطاع غزة…إنهم سينتصرون ونحن سننتصر».
موقف فاطمة شكل نموذجا من سيل الردود الشعبية اللبنانية على ما يحاول العدوان الإسرائيلي فرضه بالحديد والنار على لبنان بهدف وقف جبهة المساندة اللبنانية التي اشتعلت منذ الثامن من أكتوبر الماضي دعما لغزة، وما زالت متمسكة بمطلبها الوحيد المتمثل بوقف ما وصفته محكمة العدل الدولية بالإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ولعل الرد اللبناني الأقوى على الحرب التي أسماها جيش الاحتلال الإسرائيلي «سهام الشمال» كان في تجلي وحدة وطنية لبنانية عابرة للطوائف والمذاهب والخلافات السياسية، فتسابق اللبنانيون لفتح بيوتهم وقراهم ومدارسهم لاستقبال النازحين، وكم كانت معبرة تلك اللافتة التي رفعها أحد المواطنين في مدينة صيدا وسط سيارات النزوح بعدما كتب عليها: «ستعودون مرفوعي الرأس». وجاء هذا الموقف وسط اشتداد القصف الجوي الإسرائيلي على المدنيين اللبنانيين من بلدة الخيام في أقصى الجنوب على الحدود مع فلسطين، إلى مدينة الهرمل في أقصى الشمال على الحدود مع سوريا اعتبارا من يوم الاثنين 22 أيلول/سبتمبر الجاري، وشمل عشرات المدن والقرى ومنها على سبيل المثال صور والنبطية وحاريص وكفرا وصديقين وزوطر وقعقعية الجسر وبعلبك والنبي شيث وشمسطار وغيرها، وسلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، وبقوة تدميرية هائلة تمثلت في إلقاء أكثر من 2000 قذيفة في يوم واحد وفقا لما أعلنه الجيش الإسرائيلي.
أم أيمن وهي سيدة نزحت مع أحفادها من البقاع إلى مدينة طرابلس شمالي لبنان تحدثت لـ«القدس العربي» عن مشاهدتها لإحدى تلك الغارات فقالت: «كان المشهد مأساويا عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية منزل جارنا، فقتلته مع زوجته واثنين من أطفاله، وتحولت أجسادهم إلى أشلاء، ولم يتبق من العائلة إلا الابن الأكبر لأنه كان في العمل خارج البيت حين حصول الغارة».
وعن سبب نزوحها تضيف: «أثارت تلك الغارة العنيفة الذعر في نفوس أحفادي، وصاروا يصرخون بشدة لأن قلوبهم الصغيرة لا تحتمل هول القصف، فقررت النزوح مع ذويهم لإبعادهم عن مناطق الاستهداف «.
أما أم باسل وهي لبنانية نزحت إلى سوريا فتتحدث بحسرة كيف أن عصف انفجار صاروخ إحدى الطائرات الإسرائيلية في منزل جيرانها، أدى إلى طرحها أرضا مع أطفالها وتصدع منزلها وتطاير كل زجاج الأبواب والنوافذ، لكنها تتألم أكثر عند ذكرها ما حصل لابن الجيران وهو «طفل في الثانية عشرة من العمر، ارتقى شهيدا بعدما توقف قلبه عن النبض بسبب شدة عصف الانفجار والخوف والهلع الذي أصاب قلبه».
وغصّت وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان بأرقام وعناوين لبنانيين اندفعوا للإعلان عن فتح بيوتهم ومؤسساتهم لاستضافة النازحين من مختلف المناطق، وهو حدث رأى فيه الكثيرون في لبنان بأنه أفشل أحد أهداف الحرب الإسرائيلية الجديدة التي كانت ترمي إلى تأليب اللبنانيين ضد بعضهم البعض نظرا لتفاوت نظرتهم إلى جبهة الإسناد لغزة من جنوب لبنان على مدى قرابة عام كامل.

غزة: العقدة والحل

الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو من حربها على لبنان، هو فك الارتباط القائم بين جبهة المساندة اللبنانية وقطاع غزة، بما يؤدي إلى عودة عشرات آلاف الإسرائيليين الذين نزحوا من الشمال. لكن هذا الشرط يرفضه حزب الله بشكل مطلق وقطعي، حتى أن أمينه العام السيد حسن نصر الله اعتبر ذلك تحديا، وأعلن رسميا قبول ذلك التحدي متوعدا إسرائيل بالهزيمة.
أما على الصعيد الرسمي، فطوال ما يقارب سنةً على اشتعال جبهة الإسناد اللبنانية لم يتغير موقف الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي بشأن الحل الذي يجب أن يبدأ من وقف الحرب على قطاع غزة. وأمام الانسجام في الموقف اللبناني يعلن أكثر من مسؤول لبناني: «أن غزة هي العقدة وهي الحل».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية