الناصرة- “القدس العربي”: قبيّل انتهاء مدة صلاحيته، تستعد وزيرة الداخلية في حكومة الاحتلال أييلت شاكيد لطرح قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية على الكنيست من أجل المصادقة عليه وسط تجدد الجدل حوله.
والحديث يدور عن قانون سنّه البرلمان الإسرائيلي في 2002 يحرم فلسطينيين من الأرض المحتلة عام 1967 من حق المواطنة والإقامة رغم أن لهم أزواج يحملون بطاقات هوية زرقاء.
وبسبب عنصرية هذا القانون المؤقت تعتبره إسرائيل “نظاما” أو إجراء وتتحاشى تحويله إلى قانون اعتيادي خوفا على صورتها في العالم فهو يبعد الزوج عن الزوجة والأولاد عن بعضهم البعض ويهدد العائلات بكابوس الإبعاد، بل إنه يحظر الحبّ والزواج وفق إرادة الناس الحرّة.
وفي إطار المزاودات أعلن حزب الليكود المعارض أنه ربما يصوت ضد أو يمتنع أو يتغيب عن التصويت على هذا القانون كي يحرج الإئتلاف الحاكم برئاسة نفتالي بينيت وذلك لعدم وجود أغلبية كافية له لدى الحكومة بسبب رفض القائمة العربية الموحدة له وكذلك بعض نواب حزب “ميرتس”.
من جهتها عقبت شاكيد الخميس بالقول إنها لا تتخيل أن يصوت الليكود وبقية أحزاب المعارضة ضد قانون مهم لأمن إسرائيل”. وأضافت أنها مصممة على طرح القانون للمصادقة عليه لمد عام إضافي، معربة عن أملها بأن تبدي المعارضة نضوجا سياسيا وألا تتورط بـ”ألاعيب سياسية”.
وتابعت شاكيد “في مثل هذه المواضيع لا يوجد معارضة وإئتلاف فكلنا جبهة واحدة”. يشار إلى أن حكومة أرئيل شارون قد بادرت عقب الانتفاضة الثانية لتشريع هذا القانون المؤقت عام 2002 من أجل وقف مشاركة مواطنين فلسطينيين في عمليات عدائية بعدما كانوا حازوا على المواطنة والجنسية الإسرائيلية ضمن لمّ الشمل وصار بمقدورهم التحرك بحرية في البلاد. غير أن جهات سياسية فلسطينية ومنظمات حقوقية أظهرت في معطيات واسعة أن أمثال هؤلاء عددهم قليل جدا وأن الأمن ليس سوى غطاء للهدف الحقيقي وراء هذا القانون العنصري وهو منع تزايد عدد فلسطينيي الداخل ورغبة بالمحافظة على غلبة يهودية في الميزان الديموغرافي.
وقبل عقد ونيف أثار قرار المحكمة الإسرائيلية العليا تثبيت قانون منع لمّ شمل العائلات الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر، عاصفة من الغضب لدى فلسطينيي الداخل الذين اعتبروه جريمة وانعكاسا لتأثر المحكمة بالأجواء الفاشية. ورفضت المحكمة العليا بأغلبية ستة قضاة مقابل خمسة- الالتماس الذي قدمته جمعيات حقوقية قبل سنوات ضد “قانون المواطنة” العنصري القاضي بحرمان آلاف العائلات الفلسطينية من لم الشمل بدعوى “حماية المصلحة القومية”، لمنع ممارسة حق العودة بطرق غير مباشرة.
قانون منع لم الشمل… ظاهره أمني وهدفه الحقيقي منع التكاثر
وبرأي رئيسة المحكمة وقتذاك دوريت بينيش فإن القانون يتناقض مع قانون دستوري أساسي هو “قانون المساواة”، لكنها ظلت ضمن الأقلية في هيئة المحكمة. ويحكم القانون المصادق عليه من قبل المحكمة على آلاف العائلات الفلسطينية بالتشتت والضياع، كما يخشى تيسير خطيب من مدينة عكا الذي يطاله القانون.
وقال خطيب لـ”القدس العربي” إن زوجته لنا من جنين في الضفة والتي تقيم معه وولديهما في عكا منذ نحو عقدين لكنها رغم ذلك ما زالت بلا جنسية وبلا حقوق وتحمل وثيقة إقامة مؤقتة تجدد كل عام.
ولا يتفاجأ خطيب بالقرار بالمصادقة كل عام على القانون العنصري وقال إنه دليل على عدم وجود مكان للثقة في القضاء الإسرائيلي، لافتا إلى أن زوجته حرمت من ممارسة حياة طبيعية وحتى من استصدار رخصة قيادة. ويعتقد أن “الأجواء الفاشية قد أثرت في حينه على الجهاز القضائي أيضا”، ويبدي قلقه من محاولة السلطات الإسرائيلية ابتزازه هو وعشرات الآلاف من أمثاله.
وردا على سؤال يقول “بسبب القانون نضطر لأن نقدم طلبات تثبيت إقامة للسلطات الإسرائيلية كل سنة فتطلب منا وثائق كثيرة تثبت أن عكا هي مركز حياتنا وهذه عملية مضنية ولك أن تتخيل بأي كابوس نعيش خاصة الأولاد وهم يرون والدتهم بلا حقوق أساسية منها خدمات طبية ورخصة قيادة سيارة أو حتى التصويت لانتخابات البلدية وكذلك وهم يستشعرون بخطر إبعاد أمهم عنهم إلى جنين. ونوه خطيب إلى أن زوجته هي الأكثر تضررا من هذا القانون فهي تحتاج لتجديد إقامتها سنويا ومحرومة من حقوق كثيرة ومهدة بالطرد باستمرار كونها حاملة لبطاقة هوية من السلطة الفلسطينية.
كما عبرّت عن ذات الغضب السيدة ابتسام بارود من كفركنا داخل أراضي 48 التي تزوجت في غزة وهي موجودة في كفركنا اليوم وأولادها الذين يحرمون منذ ثلاث سنوات من لقاء والدهم لأنه بحال ذهبوا إلى هناك مع والدتهم لن يتمكنوا من العودة للداخل رغم أنهم ولدوا هنا في كفركنا في الجليل”.
ويرى المحامي حسن جبارين مدير عام مركز “عدالة” أن القانون عنصري ويسبب ضررا فادحا لعشرات آلاف الفلسطينيين رغم أنه مؤقت وردا على سؤال “القدس العربي” قال جبارين: “هو رسميا قانون مؤقت لكنه ما زال موجودا بعد عشرين سنة فأكثر شيء ثابت هو المّؤقت على ما يبدو”. موضحا أن الجهات الحقوقية مترددة في المطالبة بالاتماس ضد استمرار القانون العنصري كونه مؤقتا وما زال موجودا منذ 2002، منبها أن هناك مخاف أن يدفع الالتماس الحكومة الإسرائيلية لتحويله لقانون ثابت بدلا من مؤقت.
كما يستذكر في هذا المضمار أن المحكمة الإسرائيلية العليا “تساوقت في حينه مع الأجواء العنصرية السائدة في الشارع والإعلام والسياسة”، ويتابع “يبدو أن الجرف العنصري سحب معه كل المجتمع الإسرائيلي من سياسيين وإعلاميين وحتى القضاة”. وقال إنه من وقتها وكما كان متوقعا شجع هذا القانون العنصري المجموعات العنصرية في الكنيست على سن المزيد من القوانين المعادية للعرب. وتابع “كما حذرنا فقد أقدمت السلطات الإسرائيلية على استغلال قرار المحكمة لتهجير رجال ونساء وأطفال من داخل الخط الأخضر إلى مناطق السلطة في الضفة والقطاع بخلاف القوانين والمواثيق الدولية.
وتؤكد لجنة المتابعة العليا الخاصة بفلسطينيي الداخل البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، على أهمية تضافر الجهود من أجل فضح السياسات والقوانين والقرارات الإسرائيلية العنصرية والتصدي لها.
واعتبرت لجنة المتابعة العليا في بيانها تجديد المصادقة على هذا القانون حكما جائرا وجريمة كبيرة بدعم من المحكمة الإسرائيلية العليا التي باتت في قبضة التطرف الإسرائيلي الذي يحكم السيطرة عليها وتحت تأثير عصابات فاشية. ويرى رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة أن مصادقة العليا الإسرائيلية على القانون في حينه ومواصلة اعتمادها له حتى اليوم “دليلا آخرا على انضمام أعلى مستوى في الجهاز القضائي الإسرائيلي إلى موجة العنصرية الجارفة في إسرائيل، خاصة بعد أيام قليلة من قبول ذات المحكمة بقانون إحياء النكبة العنصري في تلك الفترة.
وقال بركة “إن القانون الوقح الذي سنّه الكنيست عام 2002 يفرض مقاييس لحياة الإنسان العربي ويحرمه من حق اختيار شريك حياته بل هو قانون يحظر الحب بين الأزواج بخلاف ما هو موجود في كل الدنيا، مشيرا إلى أن هذا القانون المدعوم من المحكمة العليا أسقط آخر الأوراق التي كان يتستر بها الجهاز القضائي الإسرائيلي بانضمامها إلى الرعاع العنصريين وتذرعها بمزاعم أمنية هشة، فوق كل المعايير والحقوق والقيم الإنسانية.
وشدد بركة على أن “تشتيت لم شمل عائلات فلسطينية بدوافع ديموغرافية عنصرية، ويتماشى تماماً مع روح العنصرية التي باتت تنخر حتى النخاع في جسد الأفراد والمؤسسات داخل إسرائيل”.
ويشار إلى أن هناك مساع تجريها القائمة العربية الموحدة من أجل صياغة تعديل للقانون تحقق تسوية مقبولة على كافة الأطراف كما قال رئيسها النائب منصور عباس الخميس. وطبقا لمعطيات إسرائيلية رسمية فقد حاز 130 ألف فلسطيني من الضفة وغزة على مواطنة وبطاقة إسرائيلية في القترة الممتدة من اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى المصادقة على قانون منع لم الشمل عام 2002 وكان عدد من الساسة الإسرائيليين قد اعتبروا هذه الأرقام “نوعا من ممارسة حق العودة الفلسطينية من النافذة بدلا من الباب” مما مهد لتشريع القانون العنصري بموافقة واسعة من الإسرائيليين.
وحسب معطيات جهات حقوقية هناك تقريبا 50 ألف فلسطيني عالقين بهذه الوضعية متضررين من القانون منذ العام 2002 وهم مهددون بالطرد. هذا ناهيك عن معاناة نساء من الداخل تزوجن في الضفة وغزة فقدن خدمات مثل الضمان الاجتماعي والخدمات الصحية وغيرها بدعوى أن مركز حياتها بات داخل الضفة الغربية أو غزة ولذلك صرن يواظبن على المجيئ لمستشفيات الداخل كي يلدن هنا وبالتالي منح الأبناء بطاقة هوية زرقاء تمكنهم من البقاء في الداخل إن رغبوا بذلك وهذه الأرقام لا تشمل مدينة القدس.