“القدس العربي”: بينما تنشط الماكنة الإعلامية الإسرائيلية في الترويج لما يسمى “إنسانية إسرائيل”، ومحاولة إظهارها بمظهر المتعاطف مع مرضى السرطان، بعد إضاءتها لمبنى وزارة الجيش الإسرائيلية باللون الزهري، تزامناً مع بدء فعاليات شهر التوعية بسرطان الثدي في أكتوبر/ تشرين الأول، تؤكد تقارير حقوقية فلسطينية أن الاحتلال يمنع بشكل سنوي ما يزيد عن 50 بالمئة من مرضى السرطان في قطاع غزة من السفر لتلقي العلاج، وهو ما أدى لوفاة مئات منهم.
الصور التي تم تداولها على نطاق واسع خلال اليومين الماضيين بشأن “تعاطف إسرائيل” مع مرضى السرطان، قوبل بحملة واسعة النطاق، نظمها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي عمل على نشر وتداول معلومات وقصص لعشرات الفلسطينين الذي قتلوا بسبب منعهم من السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن 15 عاماً، أو حتى منع وصول العلاج لآلاف منهم لا زالوا على قوائم الانتظار.
For those who are fighting, for those who have passed, and for those who have survived, the IDF HQ is lit up pink this #BreastCancerAwarenessMonth. pic.twitter.com/JDsXJsu0sW
— Israel Defense Forces (@IDF) October 1, 2021
استذكر المرصد، من خلال الصفحة الرسمية عبر “تويتر” لمديره رامي عبده، قصص نساء وأطفال وشباب عدة فقدوا حياتهم، بفعل الإجراءات العقابية التي تشكل جزءاً من منظومة إسرائيلية كاملة لتضييق الخناق على سكان قطاع غزة، منذ تولي حركة حماس الحكم فيها عام 2007.
وأشار عبده إلى قصة الثلاثينية خلود السعيدني، الأم لطفلين، والتي تم تشخيص إصابتها بالسرطان، غير أن محاولاتها في الحصول على تصريح إسرائيلي لمغادرة القطاع وصولاً إلى مدينة القدس قوبلت باشتراطات إسرائيلية تقضي بضرورة التحقيق مع السعيدني، إذ اضطرت للذهاب برفقة والدتها، فما كان من الاحتلال إلا أن عرض عليها صورةً لأحد المقاومين لكنها أكدت أنها لا تعرفه، وهو ما أزعج سلطات الاحتلال التي رفضت طلبها للمغادرة وإعادتها للقطاع الذي مكثت فيه إلى أن فارقت الحياة في مارس/ آذار 2017.
خلود ليست الوحيدة، فالطفلة عائشة اللولو التي كانت تبلغ من العمر 5 سنوات، رحلت عام 2019، وحيدة في إحدى مستشفيات القدس بعد أن منع الاحتلال أيا من أفراد عائلتها من مرافقتها خلال إجرائها عملية معقدة في الدماع جراء إصابتها بالسرطان، إذ تفيد شهادات لمرافقين فلسطينيين من الداخل المحتل بأن الصغيرة دخلت إلى غرفة العمليات وهي تبكي وتطلب أن ترى والدتها.
الحرب التي تشنها إسرائيل على المرضى في قطاع غزة، بإدعاء أنها تفرض إجراءات عقابية تأتي في إطار عملية سياسية، كانت هي الأخرى سبباً في فقدان ميرا الفجم (4 أعوام) بصرها، حيث كانت تعاني من ورم سرطاني في عينها اليُمنى، التي فقدت البصر فيها كلياً، بينما انتقل الورم لدماغها، ومنعت لأشهر من السفر من تلقى العلاج خارج القطاع بحجة وقف التنسيق المدني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال.
المنع الإسرائيلي تحت ذريعة أن أحد المرضى قد تربطه علاقات نسب أو دم مع أي من عناصر المقاومة، طال كذلك شيرين نصار وسميرة صيام، اللتين أصيبتا بسرطان الثدي وسرطان المعدة، لكنهما لم تتمكنا من الخروج لتلقي العلاج، بحجة وجود صلة قرابة بأحد عناصر حركة حماس.
ومنتصف العام الجاري، توفي حسن الخرطي (62 عاما)، بعد معاناة مع ورم سرطاني طال الحنجرة واللسان، إذ حصل على تحويل علاجية لاستكمال علاج في مستشفى المقاصد بمدينة القدس المحتلة، كما قدمت دائرة التنسيق والارتباط التابعة لوزارة الصحة طلباً للسماح له بالسفر بتاريخ 27 مايو/آيار، غير أن الاحتلال رفض منحه الحصول على تصريح.
ووفقاً لتقارير حقوقية، فإن الاحتلال منع سفر نحو 51 ألف مريض غزّي تقدموا بطلب لمغادرة القطاع بغرض العلاج في المشافي الإسرائيلية أو تلك الموجودة في الضفة الغربية في الفترة الواقعة بين يناير/كانون الثاني 2008، وحتى ديسمبر/كانون الأول 2018
حكايا أوجاع مرضى السرطان في قطاع غزة، روت كذلك قصة جملات زين الدين التي تم الكشف عن إصابتها بسرطان الرحم داخل مستشفى ناصر الحكومي في مدينة خان يونس (جنوب) وذلك منتصف يناير/كانون أول 2017، قبل أن تواجه ابتزازاً إسرائيلياً لإجبارها على تقديم اعترافات تخص عدداً من عناصر المقاومة الفلسطينية، حيث تقدمت بطلبات تصاريح عدة لكن الاحتلال رفض جميع طلباتها، وهو ما جعلها تستسلم للمرض الذي قضى عليها، في الثاني من فبراير/ شباط عام 2018.
وفي يوليو/تموز 2017 رحل الستيني جميل طافش، بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان الكبد، وذلك جراء عدم توفر العلاج ومماطلة الاحتلال في السماح له بالخروج لأكثر من 20 يوماً، وجهت خلالها عائلته عشرات النداءات لإنقاذ حياته، لكنه جميعاً باءت بالفشل أمام إصرار الاحتلال على منعه من السفر.
ويندرج القبول بهدف الاعتقال، أحد أهم وأبرز الأساليب الإسرائيلية المتبعة من قبل جيش الاحتلال، في منحه تصاريح المرور للمرضى من سكان قطاع غزة، فمحمود أبو طه (21 عاماً)، أصيب بسرطان الأمعاء الدقيقة، وكان يتوجب أن يخضع لعملية جراحية دقيقة وعلى وجه السرعة خارج قطاع غزة، حيث وافق الاحتلال على منحه تصريح دخول برفقة والده، الذي اعتقل من قبل جهاز الأمن”الشاباك”، وتمت إعادة محمود لمنزله في غزة، قبل أن يفارق الحياة حزناً على والده وألم ذاك الضيف الصامت المسمى سرطان.
محمود أبو طه، 21 عاما، أصيب بسرطان الأمعاء الدقيقة. قال الأطباء أنه يتوجب إخضاعه لعملية جراحية على وجه السرعة في مستشفى خارج غزة. وافق الاحتلال على سفره برفقه والده، عند الوصول للمعبر قام الشاباك باعتقال والده وإعادة محمود لغزة.
توفي محمود بعد عشرة أيام من منعه من السفر! pic.twitter.com/ceiz1TcnIe— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) October 2, 2021
ولا يلقي الاحتلال بالاً حتى للمناشدات التي تطلقها المنظمات الدولية، بما فيه التي تعنى بالأطفال، ومثال على ذلك النداء الذي توجهت به عائلة الطفل يوسف أبو مريم، لمنظمتي الصحة العالمية والطفولة، لكنه فارق الحياة جراء منعه من السفر لتلقي العلاج.
العجز الطبي الذي تعانيه المشافي الحكومية في قطاع غزة، وارتفاع أعداد مرضى السرطان جراء إلقاء إسرائيل الأطنان من المتفجرات في أربع حروب متتالية على القطاع، إضافة إلى النقص الحاد في الأدوية المخصصة لعلاج مرضى السرطان، والتي يمنع الاحتلال من دخولها، كل ذلك يهدد حياة أكثر من 13 ألف مريض.