إسرائيل تهتم بالعلاقات العامة ولا تريد حلاً سياسياً

حجم الخط
0

من الواضح أن تراجع اليسار الصهيوني والوسط في مواجهة اليمين – العلماني والمتدين – ليس سراباً بل هو حقيقي وعميق، وليس نتيجة لعملية الجرف الصامد فقط. فلو أجريت معركة انتخابات بين أبناء 17 – 25 فقط لكانت الاعداد أوضح لصالح اليمين. وتحدث صديق قريب كان يمكث في كيبوتس في خط المواجهة في الجنوب عن فرق واضح في الآراء بين جيل الآباء وجيل الأبناء والأحفاد، فهنا ايضا يميل المنحنى الشاب نحو اليمين.
إن الفرق بين تصور الاسرائيليين لأنفسهم والتصور عنهم في العالم أخذ يزداد. وأصبحت أجزاء واسعة من الجمهور ومن مديري مؤسسات فنية وثقافية أوروبية ولا سيما بريطانية تقاطع مبدعين وإبداعات ثقافية وفنية اسرائيلية. ويفسرون في اليمين ذلك بالخلط بين يسار بريطاني نمطي واسلام متطرف، ويستهين اسرائيليون كثيرون بكل المعارضة لدولة اسرائيل بزعم أنها معاداة للسامية، وهذا هو العزاء الأبدي عن كل أزمة.
هذا بالطبع تفسير سطحي للصدام بيننا وبين العالم الكبير، لكن السؤال الذي يضايق ناسا مثلي هو الى أين يقودنا بنيامين نتنياهو في المدى المنظور؟ لا يبدو من جهة فكرية أن لليمين ما يعرضه في الجانب السياسي ما عدا شعورا وطنيا متحمسا يحظى بدعم كبير من أكثر الجمهور.
«إما أن تفسر وإما أن تنجح»، قال شخص حكيم ذات مرة. لا أظن أن عملية الجرف الصامد كانت فشلاً، لكن جهود نتنياهو الترويجية المتكلفة تبرهن مثل ألف شاهد على ما يعتقده نتنياهو في سريرته. ليس الزعيم رجل علاقات عامة ولا وكيلا لشركة نشر، فالزعيم يقود مسارات تنبع من رؤيا وطريق، لكن نتنياهو يمتنع على الدوام عن عرض رؤيا مفهومة في سؤال الى أين تتجه دولة اسرائيل تحت زعامته.
إن أكثر الاسرائيليين يشاركون نتنياهو في تشاؤمه العميق الذي يقوم على فرض أننا نعيش في منطقة غير مستقرة لا قيمة فيها للاتفاقات، ولهذا فان اتفاقاً سياسياً مع الفلسطينيين غير ممكن في الحقيقة، وإذا زدنا على ذلك الزعم الرائج أن العالم كله ضدنا حصلنا هنا على تسويغ الحكم بكامل المعنى: التعبير عن دعم الوضع الراهن، أي «أقعد ولا تفعل». ويستمد هذا التصور من ايمان غامض بأن الزمان سيُحسن إلينا، فنحن نحتفظ بأملاك استراتيجية ولا نقع في فخ السلام، لكن الفلسطينيين لن يقبلوا استمرار الوضع الراهن وسيبادرون الى خطوات حقيقية تُضاد سياسة اسرائيل «أقعد ولا تفعل» – وهو ما تسميه وزيرة القضاء تسيبي لفني «انتفاضة سياسية».
يمكن أن نفرض أن تكون قوى دولية تمنع العقوبات الجنائية على دولة اسرائيل، لكنها لن تكون قادرة على وقف المسار كله. والحديث عن معرفة بطيئة عند كثيرين في العالم بأنه لم تعد توجد غاية للمباحثات في فكرة الدولتين، فيفضل أن تُترك المسارات الطبيعية تستنفد نفسها الى أن ينشأ واقع لا رجعة عنه لدولة واحدة من البحر الى الأردن.
توجد عناصر متطرفة في اليمين واليسار تعتقد أن هذا الحل هو أقل الشر. لكن أكثر الحلقات من الشعب ترى أن الدولة الواحدة تهديد لرؤيا وثيقة الاستقلال التي نشأت بحسبها هنا دولة يهودية وديمقراطية، ولهذا ينبغي الاستعداد لمواجهة هذا السيناريو.
يحسن أن نبدأ ادراك أن العالم تعب منا ببساطة ولم يعد يهتم بصراعنا الطويل، ولهذا فان عزلة اسرائيل والنفور منها ليست نتاج الجهل والرأي المسبق فقط بل بسبب قيادة بلا طريق تحاول أن تصب الزيت على إطارات سيارتها في حملة علاقات عامة بدل مبادرات واقتراحات لشق طريق سياسي لا مناص منه.

هآرتس 1/9/2014

عوزي برعام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية