على الرغم من انحياز إدارة ترامب المطلق لإسرائيل، لم يخلُ تاريخ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية من تناقضات ثانوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر أعلن الرئيس الأمريكي «دوايت أيزنهاور» في عام 1956 عن غضب بلاده من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملة مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، وقد يكون مرد الموقف الأمريكي الخوف من ازدياد النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الأوسط.
تناقضات ثانوية
لقد هددت إدارة الرئيس الأمريكي «جيرالد فورد» في عام 1975 بإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل ما لم توقع إسرائيل على اتفاقية «فك اشتباك» مع مصر لتنسحب من سيناء.
وأدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في عام 1981 حيث دعمت الولايات المتحدة العراق إبان حرب الخليج الأولى ضد إيران.
وفي عام 1990 قال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك «جيمس بيكر» إن غضب الولايات المتحدة يزداد بسبب تباطؤ إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، كما أنه ذكر رقم هاتف البيت الأبيض ودعا الجانبين «إلى الاتصال بنا عندما تكونان جادين بشأن السلام». وكتب «بوش» في عام 2004 خطابا لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك «أرييل شارون» قال فيه إن المراكز السكانية الكبرى القائمة -في إشارة غير مباشرة للجيوب الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية- تجعل التوقعات بعودة إسرائيل لخطوط الهدنة لعام 1949 «غير واقعية».
ويلحظ المتابع للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أن فترتي حكم اوباما قد شهدت أزمة عكست حالة من عدم الثقة بين كل من الرئيس الأمريكي «أوباما» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» بسبب الخلاف حول ملفي المستوطنات الإسرائيلية والنووي الإيراني، أما إدارة ترامب كانت أكثر تجاوباً مع المواقف والتوجهات الإسرائيلية، وتوضح ذلك من خلال الضغوط الأمريكية المتزايدة على الفلسطينيين، التي توجت في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإيقاف المساعدات لوكالة «اونروا « خلال العام الماضي 2018.
شراكة في العدوان
اللافت أنه رغم بروز بعض التناقضات في إطار العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية ، لكنها لم تمس بجوهر تلك العلاقات الإستراتيجية ، حيث لعبت وتلعب إسرائيل دورا هاما في إطار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وقد أكدت ذلك وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.
وقد تجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل كحاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية، وتبعا لذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بترسيخ علاقاتها مع إسرائيل في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك في الدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام قرار النقض الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وقد توضح التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل خلال فترتي الانتفاضتين الأولى والثانية، وقبل ذلك الضغط الأمريكي على المنظمة الدولية التي ألغت بدورها القرار الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل عرفت بكونها الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية، أو حدت منها على الأقل، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة.
وفي هذا السياق، قدرت قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال الفترة (1948-2020) بنحو (137) مليار دولار، منها نحو (60) في المائة هي قيمة المساعدات العسكرية، أما 40 في المائة المتبقية فهي قيمة المساعدات الاقتصادية.
وقد خصصت أمريكا مساعدة قيمتها التراكمية (38) مليار دولار خلال الفترة (2018- 2028) بواقع ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار سنوياً ، وبهذا تكون الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الأساسي لإسرائيل في عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني.
استحضار حليف
منذ نشأتها في عام 1948 وحتى عدوانها على الدول العربية في1967 اعتمدت إسرائيل على حليفين لهما وزن سياسي وعسكري ، هما بريطانيا وفرنسا ، وبعد العام المذكور أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الداعم والحليف الاستراتيجي لإسرائيل التي باتت تلعب دوراً جوهرياً في إطار المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ويمكن الجزم بأن مستقبل مكانة إسرائيل في إطار العلاقات الأمريكية الدولية مرهون ومرتبط إلى حد كبير بالعلاقات الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية من جهة، وبنفوذ اللوبي اليهودي في مراكز القرار الأمريكي من جهة أخرى. والمتتبع لتلك العلاقة يلحظ أن نفوذ اليهود المنظم في الولايات المتحدة، وكذلك أهمية دور إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية الشرق أوسطية، رغم التناقضات الثانوية أحيانا ، سيبقي على مكانة هامة لإسرائيل في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في المدى البعيد، وبالتالي على أهمية إسرائيل كحاجة وذخر إستراتيجي لأمريكا في نفس الوقت.
أما فيما يخص الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن إمكان استغناء إسرائيل عن تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تحقيق إسرائيل لمعدلات نمو اقتصادي يفوق معدلات النمو السكاني فيها، هو ضرب من ضروب الخيال، خصوصا وأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قدمت مساعدات سخية لإسرائيل، ساهمت في استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين اليهود، وساهمت أيضا في تمويل حملات إسرائيل العسكرية العدوانية على الشعب الفلسطيني وعلى الدول العربية، كما ساهمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تعويض إسرائيل عن خسائرها المالية والعسكرية بعد حروبها التي شنتها على الدول العربية، وكذلك أفشلت مشاريع قرارات دولية كانت ستدين سياسات وممارسات إسرائيل التوسعية والتهويدية تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه ، وبهذا المعنى تعتبر إسرائيل خنجر أمريكا في منطقة الشرق الأوسط.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا