إسرائيل دولة إستيطان… وليست دولة وطن أبداً..

حجم الخط
2

هل يمكن تصور بلاد العرب محكومة بالديمقراطية يوماً ما، في الوقت الذي يفخر الإستيطان الصهيوني، ليس بإقامة دولته فحسب، بل بتقدمها على كل دولة عربية، حتى يمكنه أخيراً أن يبتلع معظم الديار الفلسطينية؟
مع استمرار البؤرة الإسرائيلية محفورة في خاصرة المشرق، يصبح هذا التساؤل رغم مشروعيته المطلقة، أقرب إلى الاستحالة القدرية، وليس السياسية فحسب. فلا عجب أن مختلف الثوريات الحزبية، والقُميّة الدولانية، والانقلابية العسكرية التي عصفت بالمشرق كله طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، وامتد عصْفُها إلى الربع الأول الحالي من القرن الواحد والعشرين، هذه السلسلة من الانتفاضات وارتداداتها إلى النكسات، عجزت جميعها عن تحقيق أية حدود دنيا من مختلف الأهداف التقدمية التي جيَّشت شعوب المنطقة أعمق قواها المادية والإنسانية وراء آمالها؛ وكأنما هناك علاقة رياضية طردية بين ديمومة الكيان الإسرائيلي من جهة، وديمومة المتغيرات العبثية في العمق العربي المشرقي ماوراء هذا الكيان. هذا لا يعني أن إسرائيل قد حجزت المستقبل العربي تحت رقابتها المباشرة وغير المباشرة. لكن أية نظرة واقعية ونزيهة يمكنها أن تحدد بكل بساطة أن هذه العلاقة الطردية بين تمادي التجذر الجغرافي والسياسي لإسرائيل، وعبثية التطور العربي كمجتمعات ودول وأنظمة وثقافات، قد لا تكون نتاجاً لنوع من تاريخ صدفوي، أو مجرد تطور تلقائي تابع فحسب لنوعية مختلفة تماماً لكل من بنية الكيانيْـن العربي والإسرائيلي، وبالتالي لنوعية الأحداث والممارسة المجتمعية التي ميّزت الماضي والحاضر القريب لمسيرتهما العامة.
وقد يمكن المبادرة سريعاً إلى القول أن العلاقة الطردية هذه إنما هي في حقيقتها علاقة عكسية بين من يقوى، ومقابله هناك من يتخلّف ويتقهقر. لكن هذا اللاتوازي بين الطرفين لا يعني وجود رابطة علية بينهما. فلكل من إسرائيل والعرب له أسبابه الخاصة الفاعلة أولاً في متغيراته الذاتية، وإن تكن صيغة الصراع بينهما لها تأثيرها المستديم، لكنه ليس هو الوحيد بل ربما يغدو هو الحاسم الفاصل في النهاية. فلقد اعتاد العرب أن يعزوا أحوالهم المتردية إلى علل كثيرة ومتنوعة. فالسياسة بصورة عامة قد أنهكت مسيرة نهضة الاستقلال الوطني المعاصرة. وكان صراعها مع الكيان الصهيوني المجلوب، بمثابة المحور الرئيسي الذي لا تكاد تنعقد حول بعض رهاناته ‘أوهام’ الانتصار على تحدياته، حتى تتداعى بقية محاور النهضة تحت طائلة نتائجه السلبية في مختلف الوقائع الكبرى لمسيرتها العامة.
سؤالنا في عجالة ‘الرأي’ الراهنة إن كان ثمة سرٌّ أو لغزٌ وراء هذا الفارق الهائل في جردة الحساب الحضاري بين المحصّـلتين العربية والاسرائيلية من كفاح الوجود واللاوجود بينهما، بل على الأقل من معايير القوة والضعف. فهنالك قوائم مطولة من عوامل الفروقات، وأسبابها ونتائجها تخص كل كينونة على حدة. ولسنا هنا لإعادة تكرارها، وقد بات يعرفها القاصي والداني. لكن يتجدد البحث عن أهمها بما له علاقة بالأوضاع الراهنة؛ فهل كان التقدم الإسرائيلي مرتبطاً دائماً بمدى الاستقرار السياسي داخلياً، الذي صاحب النشأة الصهيونية،هل استطاع استيطان المغتربين الوافدين، إنشاءُ نظامه السياسي الحاكم مترافقاً مع تنامي الوجودين: الديمقراطي والسكاني، وانعكاسهما على النمو الاجتماعي والاقتصادي؛ مما يلاحظه بعض الغرب متميزاً ومميزاً لتجربة الإستيطان أن هناك نوعاً من ديمقراطية تلقائية، وشعبوية سبقت الديمقراطية السياسية. فمن تنظيم عمليات الهجرة والاستيطان التي أدارتها عقلية غربية متقدمة أصلاً، صار يمكن البناءُ عليها دستورياً وحقوقياً في شكل دولة ذات أصول شعبية وعقائدية معاً. هذه النظرة لأركيولوجيا مؤسسة السلطة، قد تكفّلت بتوفير تراتبية موضوعية ساعدت عملياً على تثبيت باقة من الروابط الأهلية، إن صح التعبير بين الحكام والمحكومين، بحيث يجيء بناء الدولة والمجتمع كجناحين لعملية سياسية واحدة.هذا ما يجعل إسرائيل تبدو كأنها حزب عقائدي كبير. جامع بين قياداته وقواعده ضمن انتظام واسع فضفاض لكنه متكامل الوظائف والأدوار ما بين مكوناته كلها. وفي هذا السياق كان للدين اليهودي دور أحادي في السيطرة الجمعية والفردية، كان هو الإيديولوجيا التحزبية المؤسِّسة لمبادئ الثقافة العامة.
ومع أن الدولة اتخذت لذاتها هياكل المؤسسة الدستورية العالمية، فلا يمكن القول أن هذه الدولة تمارس نظام الديمقراطية المتعارف عليه كما في الدول العلمانية الأوروبية. ومع ذلك فقد توفرت هوامش كثيرة وعريضة للحريات الفردية، ما سمح بتعددية التيارات وتجمعاتها المتناوبة على مقاعد السلطة. فإن مبدأ تداول الحكم ظلّ مرعيَّ الجانب، ولم تجد أية هيئة سياسية نفسها مضطرة لانتهاج أساليب الثورات أو الانقلابات الفوقية. طيلة منعطفات الأحوال العامة استمرّت صناديق الاقتراع الدورية هي الحاكمة، لأنها هي وحدها المعبرة عن خيارات الأغلبيات العظمى للناس لكن المشكلة الأدهى التي تصطدم بها طلائع الأجيال الجديدة هو أن علمانية الحياة اليومية العصرية لم تعد متطابقة مع شروط علمانية الدولة، المقننة سلفاً بالإيديولوجيا الدينية عامة، وتوجبات المشروع الصهيوني خاصة.
إذا لم يكن تاريخ إسرائيل ذاتياً، ملطخاً بدماء الثورة والانقلابات فذلك لأنها كانت في أصلها، ولا تزال دولة استيطان مجهزة لشن الحروب على شعب فلسطين وجيرانها في وقت واحد: ديمقراطيتها ليست مسوّغة بإقامة المجتمع الحر، بل المجتمع المقاتل. نموذجها الأغريقي القديم هي مدينة إسبارطة، قلعة المحاربين المتوحشين، وليست أثينا وأكاديمية أفلاطون وأرسطو، لعلّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة في عالم اليوم التي يعتقد عقلها الباطن أنها لن تكون إلا دولة استيطان طارئ، ولن تكون أبداً دولة لوطن دائم. هذا ما يجعل مجتمعها في حالة من العجلة في مختلف أموره. محتاج إلى إنتاج كل مظاهر التمدْيُن والحداثة والعمران. ليبرهن لنفسه أولاً أنه بات متجذراً في الارض السليبة. هذا التقدم الإسرائيلي ‘الباهر’ هو أيديولوجي، أسطوري، مشتق في أصله من المشروع الصهيوني المؤسطِر لثقافة الإستيطان، ومحركه الأول نوع من وجدان جماعي تراجيدي مسكون بالخوف من عجز المشروع الصهيوني يوما ما عن قلب مسوغات دولة الإستيطان من طابعها السياسي والاستراتيجي الظرفي – الدولي إلى علل تأصيلية لوجود كيان قارٍّ ومستديم، متمتعاً بأسبابه الخاصة في ذاته. فقد يمكن للإستيطان أن يحقق صيغاً متنوعة من التقدم المكثف المتسابق مع نفسه، لأنه ليس ضامناً مسبقاً لما قد تأتي به متغيرات الأزمان والأحوال. وقد يحقق هذا التقدم درجاتٍ عالية في التفوق على أصحاب الوطن السليب، الأصليين، ومعهم سلالتهم الكبرى اللامتناهية من العرب ومسلمي العالم. فهؤلاء جميعاً يتمتعون بكل خصائص الإنبناء الطبيعي لأوطانهم، وإن تفاوتوا حتى اليوم في مستويات تخلفهم وتقاعسهم عن تلبية حاجات المواطنة معطوفة على الحداثة المعاصرة.
السؤال إذن عما يجعل دويلة المشروع الصهيوني سابقة في تطورها، كماً ونوعاً، على أحوال خصومها من دول العرب، لن يكون جوابه السريع مختصراً في الكليشة الشائعة، وهو أن تجربة الإستيطان القومي أو الدين الأيديولوجي كانت أقدر على اختيار الديمقراطية نظاماً سياسياً وحقوقياً لمجتمعها، بينما فشلت ‘النهضة العربية’ إجمالاً في ابتكار أنظمة الحريات لشعوبها رغم طفراتها الدولانية والاجتماعية والعسكرية الحادة عبر نصف قرن أو أكثر. فما لا ريب فيه هو أن إسرائيل صناعة غربية خالصة، في حين أنه امتنع على العرب أن ينجحوا، أن يكونوا صناعاً أحراراً لنهضتهم؛ فـ ‘النجاح’ الإسرائيلي ليس تميزاً أو امتيازاً لمشروعهم الصهيوني، بل هو من أفضال الغرب على من تبقّى من يهود أوروبا بعد ‘المحرقة النازية’ فهي أفضالٌ بمثابة ‘التعويضات بحسب الاصطلاح الدبلوماسي، لم يدفعها الغرب إلى أحفاد الضحايا من جيبه، بل من لحم وعظم الإنسان الفلسطيني والعربي، ومن كنوز أرضه الطيبة.
إسرائيل هي دولة استيطان، ولن تكون أبداً دولةَ وطن. والديمقراطية هنا هي نظام تَعْبئةٍ سكانية عسكرية بلغة مدنية، مرتهنة للمشروع الصهيوني؛ لا تنطق ألسنتها بأسماء الحريات إلا كطريقة ذكية للتغطية على مسمياتها العائدة في أصلها إلى الدين، كإيديولوجيا، ليست للعبادة بقدر ما هي محرِّضة ومسوِّغة لتجييش العنف باعتباره الوسيلة المثلى لتبني أساطير الإستيطان، بديلاً عن تربية المواطنة المشروعة إنسانياً وحقوقياً.
إذا كانت إسرائيل تستخدم الديمقراطية السياسية قناعاً مدنياً لبنيتها العسكرية، فإن العرب لم يعرفوا بعد، سوى أنظمة القمع الحاجبة لقوى مجتمعاتهم وراء مصالح فئويات الأمر الواقع المتسلطة استبدادياً وفساداً. هذا هو الفارق الجذري بين دول لها أوطانها العريقة المشروعة، لكنها محرومة من إرادة الحرية المستقلة الصانعة لسيادتها وتقدمها، وبين دولة إستيطان معتمدة كلياً على نوع آخر من إرادة القوة، مستمدة من إرادة صانعي وطنها المستعار والمسلوب، وهذه هي أحوال متغيرة من طبيعة السياسة الدولية التي أنشأتها. فالمشروعية واللامشروعية ليستا مصطلحين عابرين، إنهما معاً يميزان الصح من الخطأ، بين الحقيقي والمصطنع. إنهما الثابتان فيما كل ما عداهما متغير ومتحول.

‘ مفكر عربي مقيم في باريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بديع عويس:

    اسرائيل – تشابهت عليها المفاوضات – فتعثرت
    قبل ثمانية اشهر تقريبا عقدت السلطة الفلسطينية واسرائيل صفقتين منفصلتين تحت اشراف الامريكان ؛ الاولى : استئناف المفاوضات على اساس حدود عام الف وتسعمئة وسبعة وستين ، والثانية بعد اسبوع : امتناع السلطة عن تقديم طلب الانضمام الى ثلاث وستين منظمة دولية ، مقابل الافراج عن مئة واربعة اسرى فلسطينيين .
    لم يتوصّل الجانب الفلسطيني الى هاتين الصفقتين الّا بعد ان التزم حرفيا بما ورد نصّه في اتفاق اوسلو 13-9 – 1993 ( حقّ دولة اسرائيل في العيش بسلام – – ) و ( الوصول الى حلّ لكل القضايا الاساسية المتعلّقة بالاوضاع الدائمة من خلال المفاوضات – – )
    الاسرائيليون تعمدوا الخلط بين الصفقتين ؛ ولذلك تقدموا بعروض بعيدة عما ورد في الاتفاق ، تقدموا بعرض الافراج عن الاسرى مقابل رفع القيود عن التوسع في الاستيطان تارة ، وتارة اخرى مقابل تقدّم المفاوضات ، او نفي احد الاسرى من الدفعة الثانية خارج فلسطين او الى غزة ،الّا ان( ابو مازن ) اكّد ان ما يعرضونه هو خارج نطاق الاتفاق ، وان ابعاد شخص من وطنه محرّم دوليا وقانونيا وانسانيا واخلاقيا وسياسيا ، ولم تتوقف عروض الاسرائيليين بغرض ابتزاز الجانب الفلسطيني وتعطيل المفاوضات . اتفاق اوسلو اعتمد المفاوضات ركيزة الحل لكل القضايا الاساسية المتعلقة بالاوضاع الدائمة ، لكن ماهية المفاوضات تشابهت على الاسرائيليين ؛ما لون المفاوضات ؟ وما شكلها ؟ وما طعمها ؟ ، هذا ما لم يتفقا عليه في اوسلو؛ فهم في حِلٍّ من امرهم ، اسرائيل تعوم في فضاء ثياب الزاهدين ، في جدلية متناغمة وسمفونية تسرّ السامعين ، ابو مازن حفظ الجدلية عن ظهر قلب ، اطلق عنان الزمان بلا نهاية ، والتفّ الى طريق يستظل فيه بقوانين المنظمات الدولية ، ولم يرفض التفاوض ، واصرّ على تطبيق ما ورد في الصفقتين ، دون خلط . بعد ان وصلت المفاوضات الى طريق مسدود ، لم يبق امام وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية جون كيري راعي المفاوضات الا ان يصرّح امام الكونغرس : ان اسرائيل تتحمل مسؤولية توقف المفاوضات لسببين : ان اسرائيل تقاعست عن الافراج عن الدفعة الرابعة من السجناء ،وانها اعلنت عن خطط لبناء 708 وحدة سكنية في القدس الشرقية ، وهما تقريبا سببا المأزق الذي كاد يؤدي الى انهيار محادثات السلام . امريكا تبذل جهودا جبارة لاستئناف محادثات السلام التي وصلت الى ازمة ما زالت خطيرة ، وتنتهي حسب اتفاق الصفقتين في 29 – نيسان الجاري . السلطة الفلسطينية في مواجهتها للازمة تعتمد على ان الجمعية العمومية اعترفت بها دولة بصفة مراقب بتاريخ 29 – 11 2012 ، لها حقوق الدولة المراقب ، وحق الانضمام الى 63 منظمة دولية ، وهي تعلم جيدا ان المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية ، وكذلك ما يحيط بها من احداث اقليمية وعالمية ، ليس لها الّا التميّز بجدية التزامها بالاتفاقات المعقودة بينها وبين اسرائيل ؛ الامر الذي اوصل اسرائيل الى مزيد من التعنّت والمماطلة واساليب الابتزاز الفاضح . الوفد المفاوض الاسرائيلي طلب من الجانب الفلسطيني التراجع عن انضمامه الى خمس عشرة منظمة دولية لتصبح ست منظمات ، ثم الى عشر ، فاربع عشرة منظمة . رفض ابو مازن وقال : سنستمر بدعم هذه الامة التي تساندنا – – وضعنا القطار على السكّة – – متى يصل ؟ الله اعلم .ثم واصل متابعته لطلب الانضمام الى المنظمات الدولية ، الى ان استجاب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الخميس 10 – 4 – 2014 . وقد وقّع الامين العام على اوراق قبول انضمام فلسطين الى عشر معاهدات دولية تقع تحت رعاية الامم المتحدة، يدخل حيّز التنفيذ في الثاني من ايار القادم . اجواء العلاقات بين السلطة واسرائيل ازدادت توتّرا ، وتبارت القيادات الاسرائيلية في تهديد السلطة الفلسطينية بعدة اجراءات عقابية ، ثم سارع الوسيط الامريكي مارتن انديك في مسعى لاستئناف المفاوضات ، الا ان الجانب الاسرائيلي آثر ان يبقى في منأى عن الاتفاق الذي سبق ان صادق عليه ، استحدث مطلب ابعاد عشرة من السجناء المنوي الافراج عنهم في نطاق الدفعة الرابعة الى الضفة الغربية او قطاع غزة . الجانب الفلسطيني رفض طلب الابعاد ؛ الامر الذي دفع نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الى توجيه تعليماته في سحب بطاقات الشخصيات المهمة ، ومصادرة اموال الضرائب ، وتأخير تنفيذ مشاريع اقتصادية وغيرها من قائمة العقوبات .
    بدعوة من الرئيس ابو مازن ، عقدت الجامعة العربية اجتماعا ، حضره وزراء الخارجية العرب ، وفي نهاية الاجتماع ، حمّلت الجامعة العربية اسرائيل المسؤولية عن المأزق الخطير ، ودعت الى تفعيل شبكة الامان العربية في دعم السلطة الفلسطينية .
    أمام هذا الموقف العربي الذي يعكس مدى جهوزيةالدول العربية لمواجهة المخاطر المحدقة بها ، سارعت القيادات والشخصيات المؤثّرة في الحياة السياسية الاسرائيلية الى ردود فعل سريعة فعّالة وغاضبة – – اقترح الوزير نفتالي بينيت ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الى دولة اسرائيل ، وسارع نتنياهو الى مهاجمة السلطة الفلسطينية من خلال كشف الغطاء عن مدى اهمية عمقها العربي ، جاء في تصريح له : ( ان حكاما عرباً كثراً اخبروني بأنهم لا يرون في اسرائيل عدوّ ) وهو ينتظر مواتاة الظروف التي تسمح بأن تخرج علاقات العرب معهم للعلن ، واضاف : (بان الفلسطينيين يمرّون بأزمة خانقة ، وأن مشروعهم الوطني مهدد بمزيد من التشرذم والفرقة ). لم تبتعد تسيفي لفني عن الهجمة الشرسة المعلنة على السلطة من خلال التقليل من الشأن العربي والتعبير عن افتخارها بزيارة عدد من الدول العربية احدى عشرة مرة خلال خمسين يوماً . هذا يعني ان الرضوخ الى الغطرسة الاسرائيلية لم ينحصر في الجانب الفلسطيني الذي وقع على وسيلة يتيمة ( المفاوضات ) الى حل لكل القضايا الاساسية المتعلقة بالاوضاع الدائمة ، بل تعدّاه الى الزعماء العرب ، فهم في حرج من اللقاءات والاجتماعات والتنسيق بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، وهم في منأى عن هذه الاجواء المخملية ، يقتضي عليهم تبادل الزيارات مع الاسرائيليين من باب العرف الدبلوماسي وكرم الضيافة ، صفاء الودّ بينهم وبين الامريكان شابته شائبة العلاقة مع ايران المسلمة التي تفوّقت على اسرائيل في عدائها للعرب الذين لا يستطيعون العيش الا ك ( الايتام على مأدبة اللئام ) ، هم بعيدون عن تركيا اردوغان وعن ايران خامينائي ، لم يتعلموا كيف تبنى حضارة البلدان فيما يزيد على خمسة عقود من الاستقلال ، كان حلم الشعب العربي ان يعيش ربيع الحضارة – – – رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت – – يصف الفلسطينيين العرب ، اصحاب الارض والتاريخ ، بانهم (طابور خامس ) ويتبع وصفه بقوله ( معاذاً لله ) – – جريمة العرب في فلسطين انهم لم يستطيعوا التخلي عن المشاعر الآدمية – – مشاعر الآباء والامهات وابناء الوطن اتجاه ابنائهم الاسرى في السجون الاسرائيلية ، ولم يعترضوا على طلب السلطة الفلسطينية بالافراج عنهم ؛ لان الفلسطينيين مطلوب منهم ان يتنازلوا عن كونهم مسلمين او مسيحيين او عربًا او فلسطينيين ، وعليهم ان يكونوا اسرائيليين من الدرجة العاشرة ، او غزاويين او ضفاويين او من اي كنتون مستقبلي ، حدوده جدران فصل عنصري ليس لها رادع . هذه فرصة الزمن الضائع في التاريخ العربي تفتح ابواب الاستغلال الجشع المتوحش في بلاد العرب الغنية بخيراتها وخبرات العقول المهملة ، ويحق للاسرائيليين ان يعربوا عن بهجتهم وفرحتهم بتعثر المفاوضات وعدم اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسرى ويحق لهم ان يقدموا النصح لحكومتهم بتقدير ان الاقتصاد الاسرائيلي سيكون أكثر المتضرّرين ، وأن خسارته ستكون – 6 – مليار دولار سنوياً تقريباً؛ في حال تصاعد فيه توتر العلاقة مع السلطة الفلسطينية لدرجة حلّها وانهاء خدماتها . ولا غرابة بتوصية الاستيلاء على منطقة ( ج ) 60% من اراضي الضفة الغربية ، وضمّها الى اسرائيل وتبقى منطقتا ( ا ، ب ) تحت سيطرة جزئية لحكم ذاتي ، هذه المناطق من مسميات فلسطين التاريخية . الكاتب الاسرئيلي غي بخور من الواعظين يذكّر – ان نفعت الذكرى –
    ان الرئيس محمود عباس قد انتهت صلاحيته منذ عام الفين وعشرة – ربّ ضارة نافعة – هو قصد التحريض على الخلاص منه باي وسيلة تراها اسرائيل مناسبة ؛ لكن النتائج ليست مضمونة ، ربما تجري الرياح بما لا تشتهي سفن اسرائيل .ويستطرد غي بخور بوعظه ؛ فيصف التلفزيون الفلسطيني ب ( بوق جمهورية الموز ) وهو لا يعلم انه رفع من شأن السلطة الفلسطينية حين غاب عن ذهنه ان جمهوريات الموز قد تحضّرت وان كوستاريكا وهي من جمهوريات الموز، انتشر ت فيها الجامعات والمعاهد والشعب فيها مشمول بالضمان الاجتماعي والصحي وحق التعليم ، وان الشواطئ فيها حق عام ، ثم جفّفت منابع الامية ؛ حتى وصلت 3 % فقط ، فاصبحت نموذجا يحتذى في جميع برامج اليونسكو في محو الامية . نعم – – جمهوريات الموز تحضّرت والعرب ما زالوا يطلبون ودّ اسرائيل ؛ حتى لو ان المفاوضات قد تشابهت عليها فتعثّرت .

    1. يقول بديع عويس:

      اسعد الله صباحكم بالخير – – بعد التحية – – التعليق الطويل الذي ارسلته في نهاية مقال : اسرائيل دولة استيطان وليست دولة وطن ، هو في حقيقة الامر ( مقال ) ، وجدت ان التعليق ساصل اليكم من خلاله ، على امل نشر مقالاتي المتتالية التي سبق ان ارسلتها بالوسيلة ذاتها او بوسائل يعرفها من اعانني بارسالها ؛ آمل الاهتمام ، وانا عندي المزيد من العطاء الكتابي والصحفي – – وتقبلو فائق الاحترام – – بديع عويس .

إشترك في قائمتنا البريدية