تنجحت نائبة برلمانية تنتمي الى عهد بائد أصبحت فكاهة ونائب سابق لم يجتز حزبه حتى نسبة الحسم، نجحا في صوغ الرأي العام في اسرائيل. ولولا أن ذلك محزن لكان مضحكا حتى استثارة الدمع. لكن يجب أن نذرف الدموع الآن للظاهرة التي لا تُصدق والتي نجح فيها هذان الشخصان الهامشيان المثيران للهزء، ميري ريغف وميخائيل بن آري، بتحريضهما البغيض، نجحا في إملاء برنامج العمل العام بشأن المهاجرين وطالبي اللجوء من افريقيا. ويجب أن نختار من الآن: فاما أنك مع اللاجئين وإما أنك مع الدولة (وسكان جنوب تل ابيب). ومن الذي قرر ذلك؟ ريغف وبن آري. فالاجماع هو بهديهما العنصري ولغتهما الجمعية. اسرائيل ضدُ المهاجرين. وقد أصبح 50 60 ألف افريقي مشكلة قومية وخطرا وجوديا. يوجد في كل دولة مؤججون لكراهية الاجانب لكنهم نجحوا بهذا القدر حتى أصبحوا ذوي شرعية في القليلات منها؛ وأصبح خطابهم سياسة حكومية في أقل من ذلك. إن رئيس الوزراء، الذي لم تُعرف له قط مقولة شفقة، ووزير الداخلية الذي يُصور بأنه يستمتع بقسوته، يوحيان من أعلى بما يأتي في اوروبا من أسفل، من عصابات حليقي الرؤوس. والاستنتاج البائس هو أن المجتمع الاسرائيلي مصاب بقدر من العنصرية. استوطن القلوب بلا اعتراض، لو أن القلوب ما زالت موجودة، تصور أن هؤلاء الافارقة البائسين يجب التخلص منهم وليكن ما كان؛ وأن ليس الحديث عن بشر؛ وأنه لا امكان البتة لاعادة تأهيلهم في اسرائيل وليس لهم مكان فيها؛ وأنهم لا يجلبون اليها سوى الجريمة والامراض؛ وأنه يجوز التنكيل بهم وإذلالهم وتحويلهم الى بائسين بلا حدود؛ وسجنهم بلا محاكمة والاستهانة بمواثيق دولية وتجاهل مآسيهم الانسانية؛ وأنه يجب تعيين ‘قائم بمشروع’ لطردهم وانشاء ‘موقع حُلول’ لسجنهم، الى أن ينجح المشروع الوطني لطردهم ويصبح معسكرنا طاهرا. ويفوق كل ذلك في شيطنته حل ‘الدولة الثالثة’: فهم سيطرحونهم في دولة افريقية يُرشى قادتها. سوداني في أوغندا؟ إنه أسود وهم سود وسيتدبر أمره. ليس الحديث في هذه المرة عن الأمن الذي هو عبادة الدولة. وليس الحديث ايضا عن خطر فيضان، فالحدود مغلقة. ولهذا فان التفسير الوحيد لهذه المعاملة المُهينة موجود في مجال النفس الوطنية. إن لون المهاجرين هو المشكلة، فلم يكن مليون مهاجر من روسيا، نحو الثلث منهم ليسوا يهودا، بل تبين في دم عدد منهم قدر من الكحول والجريمة، لم يكونوا مشكلة. لكن بضع عشرات آلاف من الافارقة هم الخطر. يمكن أن يُعتقد أن المحطة المركزية في تل ابيب كانت قبل ذلك منطقة فخمة فيها حقول خضراء وسكينة الى أن جاء السود فأخربوا المنظر الطبيعي الريفي. ويمكن أن يُظن أنه لولا هم لأصبح منحنى الجريمة في اسرائيل يميل الى الصفر ولاختفت المشكلة الاجتماعية لأن هذه هي حال كراهية الاجانب إذ تُلقى كل الامراض عليهم. لكن المعطيات الحقيقية غير مهمة. نشر مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست بحثين في 2010 وفي 2011، أظهرا أن نسبة الجريمة بين المهاجرين أدنى من المعدل في اسرائيل. ماذا يعني ذاك؟ صحيح أنه تضاعفت منذ ذلك الحين نسبة الجريمة لأنه ما الذي اعتقدناه؟ هل اعتقدنا أننا لن نُمكنهم من العمل ونمنعهم من أن يعيشوا في كرامة ثم لا تزيد الجريمة؟ وهل اعتقدنا أن نسجنهم في محابس ونعاملهم كظلال آدميين ثم لا ينزلون الى الشارع؟ لأنه الى أين يذهبون اذا لم يذهبوا الى أحياء الفقر في وقت تمنعهم فيه اسرائيل من الحصول على مصدر عيش. إن الدولة التي استوعبت ملايين المهاجرين وتستورد عشرات الآلاف من العمال الاجانب، تُنكل بالافارقة أفليست هذه عنصرية؟ أنظروا الى معاملتها للاثيوبيين التي هي أفضل بالطبع، لتفهموا. إن اسرائيل هي التي جعلتهم مشكلة، فهذه هي ثمرة التحريض. حينما أصبحت حدودها مغلقة وتمنعها المواثيق من طردهم فانها ستُحسن الصنع اذا مكّنت اولئك الذين أصبحوا هنا من العمل وبناء حياتهم وفتحت لهم أفق التجنس المتدرج المشدد. فهكذا تسلك الدول السليمة التي تميز اسرائيل نفسها دائما عنها، أهي صغيرة جدا؟ أوهي ضعيفة جدا؟ هذا هراء. إن اسرائيل عنصرية جدا.