حول مشروع قانون تصنيف إسرائيل تحت صفة «الدولة القومية اليهودية»، وقبل أن يذهب المرء إلى رأي معلّق إسرائيلي راديكالي مثل جدعون ليفي؛ ثمة دلالات كافية في استعراض بعض الآراء الأخرى، الإسرائيلية دائماً، كما نشرتها صحيفة «هآرتز» بالأمس. دانييل بلاتمان يرى أنّ التشابه بين هذا القانون الإشكالي وقوانين الجنسية الأوروبية خلال ثلاثينيات القرن الماضي (أزمنة الذروة في التمييز العنصري ضدّ اليهود)، أمر واضح ولا يحتاج إلى مؤرّخ (مع فارق أنّ اليهود، هنا، هم الذين يمارسون التمييز ضدّ الأقليات غير اليهودية). أري شافيت يذهب أبعد، فيرى أنه كما يُستهدف الإسلام من جانب مسلمين جدد متطرفين، فإنّ العقيدة الصهيونية (التي يفترض شافيت انها ديمقراطية وعلمانية وتعددية…) تُستهدف من يهود جدد متطرفين. من جانبها، تختار أنات ساراغوستي التوقف عند «الاستسهال القاتل» في تبرئة الإسرائيليين الذين يقدمون على اغتيال عرب فلسطينيين، عن سابق قصد وتصميم؛ وكيف ينطوي هذا السلوك على تبييض صفحة إسرائيل، الدولة وقوانينها وقضائها، في نهاية المطاف.
وذات يوم، غير بعيد نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية ملحقاً من ثماني صفحات، كُرّس بأكمله لحاضر هذا «إسرائيل الدولة»، هذا الوليد الصهيوني الذي لا يكفّ عن «خيانة» جذوره، وتكذيب صفة «واحة الديمقراطية الأولى، والوحيدة، في الشرق الأوسط». والملفّ الهامّ، ذاك، حمل العنوان التالي: «الإسرائيليون: صورة مجتمع في حال انصهار»؛ وأوضح التحرير أنّ مفردة «انصهار» يمكن أن تشمل معنى الانتقال من حال الصلابة إلى حال السيولة بفعل الحرارة، أو معنى الذوبان والاندماج. كذلك تناول الملحق شؤون الحياة اليومية، والأسئلة التي كان يطرحها «اليمين» و»اليسار» و»المعسكر الأخلاقي»، فضلاً عن سلسلة مقابلات أساسية شملت شرائح تمثيلية واسعة، سياسية واجتماعية وثقافية ودينية.
دافيد غروسمان، الكاتب والروائي الإسرائيلي الشهير، وصاحب «ابتسامة الحمل»، و»الريح الصفراء»، و»الرقاد على سلك»؛ كان بين الذين حاورتهم الصحيفة الفرنسية، فقال في الدولة العبرية ما لا يتجاسر على قوله معلقون كثر، في عقر دور ديمقراطيات غربية عريقة، إنْ لم يكن خشية فقدان الوظيفة وقطع لقمة العيش، فعلى الأقلّ تفادياً للتهمة الرهيبة: العداء للسامية. تلك المقابلة تضمنت الكثير من الاعترافات النزيهة حول الممارسات النازية التي تغرق فيها إسرائيل يوماً بعد آخر، حتى إذا كان غروسمان قد تجنّب استخدام صفة «النازي». كذلك عكست المقابلة الكثير من الخوف على مستقبل «إسرائيل الدولة»، التي لم تعد تعيش إلا بحدّ السيف.
ولقد اعترف غروسمان أنّ حالته النفسية «تتقلّب 60 مرّة في اليوم»، وأنّ «المجتمع الإسرائيلي يعيش نوبة من الذعر المستديم»، والغالبية الساحقة من السكان واقعة في فخّ ما جرى بعد 1967، ومستسلمة تماماً لفكرة قَدَرية مفزعة مفادها أنّ شيئاً لن يتغيّر، وأنهم اليوم أقرب إلى قبول مقولة رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير: «العرب سيظلون هم العرب واليهود هم اليهود، تماماً كما سيظلّ البحر هو البحر»… كما أقرّ غروسمان بأنّ «عقدة الضحية لا تفارق الإسرائيلي أبداً، حتى كأننا أقمنا إسرائيل لكي نكفّ عن الحياة الطبيعية ونواصل الحياة في هيئة الضحية فقط»؛ في حين أنّ علّة وجود الدولة هي «أن تسمح لليهودي باستيلاد الأمل حول مستقبل اليهودي»، وليس إعادة إنتاج ماضيه الكارثي. «نحن القوّة الأعظم في المنطقة، ولدينا عشرات القنابل النووية، والدبابات، والطائرات، ونجابه شعباً مجرداً من كلّ سلاح»، قال غروسمان؛ «ولكننا ما نزال نعيش في إهاب الضحية». هذا، وليس أيّ شكل من أشكال الإرهاب الفلسطيني، هو التهديد الأخطر الذي تجابهه إسرائيل…
والمجتمع الإسرائيلي بلغ، في رأيه، مرحلة تصنيف كلّ آخَر في خانة العدوّ الذي لا بدّ من محاربته، ليس في صفوف الأغراب وغير اليهود عموماً، فحسب؛ بل بين اليهودي واليهودي أيضاً: كلّ مَن لا ينتمي إلى مرجعيتك، الدينية أو العلمانية، الاستيطانية أو المناهضة للاستيطان، هو عدوّ لك بالضرورة! أيضاً، شدّد غروسمان على «شيوع الخرافة»، و»تآكل الروح الوطنية»، و»النزعة العدمية»، و»التحلّل من المسؤولية»… وضرب، يومذاك، مثلاً حول انتشار شائعة تتحدث عن اكتشاف قبر شمشون في الجليل، وكيف أخذ الآلاف يحجّون إليه على غير هدى؛ كما سرد أنساق تلاعب حكومات «الدولة» بعواطف المستوطنين المتدينين، سواء حول الوعد بإقامة مستوطنات جديدة، أو الالتزام بأنّ الانسحاب من أية مستوطنة قديمة سوف يتضمن أيضاً نقل كلّ كنيس يهودي، بأحجاره ذاتها، كاملة غير منقوصة!
وهكذا، فإنّ الوجدان اليهودي في أطوار ما بعد الصهيونية (طبقاً للتعبير الذي صار شائعاً في الأوساط الإسرائيلية «العلمانية» و»الليبرالية»، ويحمل رنين صياغات مثل «ما بعد التاريخ» وما بعد الحداثة»…)، لم يتوقف، مرّة واحدة، عن الانخراط في حوار متعدّد مع الذات، لإعادة الدولة الصهيونية إلى ما قبل الصهيونية، أي إلى حلم واحد طويل مستديم، لا يصحو منه اليهودي إلا لكي يعاقب العالم الخارجي غير اليهودي، عالم الـ»غوييم» بعبارة فقهية أدقّ، على الآثام المقترفة بحقّ الحلم. وإذا كان مطلوباً من العالم أن يسهر على أمن اليهودي، خاصة حين يغرق في خدر الأحلام التوراتية المستديمة؛ فإن المطلوب، في المقام الثاني، أن يقف العالم مكتوف الأيدي تماماً أمام انقلاب الحلم ذاته إلى كابوس استعماري، استيطاني، ونازيّ؛ وانقلاب الـ»غيتو» إلى «كيبوتز»، والحالم/ الضحية إلى حالم/ جلاّد.
وبعد 118 سنة من الاستغراق في الحلم الذي أطلقه تيودور هرتزل، في كتابه «الدولة اليهودية»، وتنفيذه على الأرض، وبلوغه على الفور مستوى المشروع الاستعماري والاستيطاني والعنصري؛ ها هو النقاش يرتدّ إلى فكرة الدولة اليهودية ذاتها، وإلى مصيرها الراهن بين معسكرين، ورؤيتين، وسؤالين:
1 ـ هل تواصل الدولة الحياة ضمن الصيغة الأصلية (للحلم وللفكرة) كما استبصرها هرتزل في الكتيب الصغير، ثم تابعت تحقيقها على الأرض مختلف تيارات الحركة الصهيونية، من الجناح الاشتراكي الذي مثّله فريق بن غوريون، والـ»مابام» وصولاً إلى حزب العمل؛ والجناح اليميني (جابوتنسكي والعصابات والأحزاب الدينية في هذه الأيام)، فالجناح الوسط الذي تألف جوهرياً من مجموعة الجامعة العبرية في القدس، أي المثقفين والعلماء والفلاسفة الذين أطلق عليهم مناحيم بيغن (الشاب) صفة «المفكرين الخاملين المتثائبين على جبل الأوليمبوس»؟ بمعنى آخر، هل تواصل الدولة الحياة وفق المفاهيم التكوينية للصهيونية، أو حتى تلك التي ترتدّ إلى ما قبل الصهيونية؟
2 ـ أم تواصل الحياة ضمن الصيغة الأصلية (للحلم وللفكرة، دائماً)، كما استبصرها هرتزل أيضاً؛ ولكن مع تصفية العقيدة اليهودية من بنية الدولة، وإلغاء مفهوم القومية اليهودية بوصفها الدافع الأكبر في رسم مصالح الدولة العليا، على قاعدة أنّ استمرار عبادة هذا المفهوم سوف يقود إلى تآكل الديمقراطية وتنامي العنصرية؟ البعض لم يعترض كثيراً على الصبغة اليهودية للدولة، ولكنه طالب بتجريدها من الجوهرانية القومية لأنّ العصر يسير، في كل الأحوال، باتجاه سقوط الحدود السياسية والثقافية بين الكيانات والهويات؛ ولعلّ هذا التيار هو الأكثر نفاقاً، اليوم، إزاء مشروع القانون الجديد.
وما يقوله بنيامين نتنياهو، حول الجمع بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، بصدد مشروع القانون الجديد؛ ليس سوى ذلك الرجع ـ البعيد والقريب، سواء بسواء ـ لنقاشات سابقة، وسجالات مكرورة؛ جرت، وما تزال تجري، في جبل الأوليبموس الإسرائيلي إياه، في حين أنّ «الدولة» تواصل الحياة بصفاتها الحاسمة: يهودية أولاً (ومتى كانت غير ذلك!)، ثمّ استيطانية وعنصرية ونازية…
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
صبحي حديدي
السلام عليكم
مقتطف من مقال سابق:
((ويقضي مشروع القانون بأن تعرّف إسرائيل كدولة يهودية فيها نظام ديمقراطي))
بأغلبية 14صوتا ضد 6اصوات منحت الثقة لهذا القانون الذي راود كثيرا الاسرائليون منذ 1948ولكن ظروف منعتهم من ذلك منها اقليمية وداخلية وسياسية وصبروا صبر الكلاب للعطش حتى درسوا كل الحيثيات ثمّ أقدموا على مشروعهم الغائب الحاضر في افكارهم وسلوكاتهم وسياستهم …وبه يكون قد :
1- مكّنوا ليهوديتهم في الوقت المناسب في الوقت الذي العرب وبخاصة المسلمين يجتثون جذور الاسلام بالوسائل القمعية المستوحاة والمملات من لدن اسرائيل وأمريكا واعداء الاسلام
2- تهميش بل تنزيل السكان الاصليين الى الدرجة الثانية في وطنهم الام مقابل قادم من (فلاشى)ليرتب قبله منطق الغالب للمغلوب في ظل وجود 1.5مليارمن المسلمين مقابل كمشة من اليهود
3-الغاء اللغة العربية من قاموس مدارس اسرائيل لتعويضها بما يروه مناسب لهم ولسياستهم بينما نحن في حراك دائم من اجل طمس لغة القرآن واللغة الام نحن لاننكر تعلم بقية اللغات بل نريد تفعيل للغتنا وتكريسها والعمل بها
4-ما الزوبعة التي سوف تثار أنّه يوجد معارضين لهذا المشروع فما هي إلا عاصفة في فنجان قهوة لاتتعدى اكثر من كليمات تقال ثمّ يطوى الملف ليصبح حقيقة تفرض علينا التسليم به
5-كلمة (الديمقراطية) المضاف للتسمية فما هي إلا ذر الرماد في العيون للتغطية على الاسم لا أكثر ولاأقل
خلاصة:هل لنا من درس نستخلصه من هذا الذي يجري حولنا ونحن سكوت
ونطرح السؤال:إسرائيل دولة يهودية؟ متى كانت غير هذا… في أي يوم!
مقال معبر وسديد
ولكن الاسرائيليين نفسهم منقسمين بسببه
هل هناك شيى لا نعرفه عن قانون يهودية اسرائيل غير الذي أعلن عنه
النتن ياهو سيقضي على التعايش المشترك وعلى الدولة الفلسطينية
فماذا نحن فاعلون هل سنندد فقط أم سنتفرج كالعادة
قد تكون مظاهرات مصر اليوم تحمل أملا لشعوبنا المقهورة
ولا حول ولا قوة الا بالله
يهودية إسرائيل “القانوني” يعني كل “الأغيار” سيكونوا مجرد مقيمين بلا أية حقوق ويمكن طردهم في أي وقت …
الحقيقة ان هذا البحث و القانون ذاته لا يقدم و لا يؤخر.
اسرائيل مشروع مجنون لامستقبل له لانه ضد كل منطق سواء كان اليهود دين او قومية. هل يستقيم ان يكون اساس الدولة حلم يزيد عمره على الفي عالم؟ لو كان الامر كذلك فحلم اللاجئين الفالسطينسيين اولى فعمره اقل من 66 عام. و مجرد وجود هؤلاء اللجئين يهدم الاساس الاخلاقي للدولة. وهل يمكن لدولة معادية ببضعة ملايين ان تعيش في محيط مسلوب الحق للابد؟. استمرار كفاح الشعب الفلسطيني على الرغم من كل الظروف و فرق القوة كل هذه المدة يؤكد هذه الحقيقة
الذي يمد في عمر اسرائيل هو انطمة حكم العوائل و الاقليات الاستبدادي الظلامي في الامة العربية و لكن هذا لن يستمر بل بدأ بالتفكك. و هناك تباشير و امثلة ساطعة قريبة كايران و تركيا و ماليزيا و اندونيسيا من اسيا و البرازيل و الارجنتين من امريكا اللاتينية و حتى في افريغيا وغيرها.
طبعا تعتمد اسرائيل ومن ورائها من زرعوها على القوى المفرطة و لكننا جميعا عشنا سقوط الاتحاد السوفياتي وهو في اوج قوته عندما ادرك عقلائه ان لامستقبل له.