عندما نتابع تطورات الأحداث الدامية في المنطقة العربية وما يكتنف هذه الأحداث بين حدث واخر من مشاريع إسرائيلية أمريكية، يتم الإعلان عنها بقصدية واضحة كل الوضوح لجهة كسر الحاجز النفسي لشعوب المنطقة، أي شعوب العرب في الأوطان العربية، الرافضة رفضا قاطعا للتطبيع المجاني مع إسرائيل، هذا الكيان الامبريالي الدخيل على المنطقة العربية. من بينها؛ الصفقة التجارية الترامبية أو ما درج على تسميتها بصفقة القرن والإعلان عن قطار السلام أو سكك السلام بالإضافة إلى مدينة نيوم، والتي تتكون من كلمتين نيو باللاتينية وم وتعنيان المستقبل الجديد. هنا تثار الكثير من الأسئلة حول علاقة أو مدى او حجم العلاقة بين هذه المشاريع الثلاثة وما تأثير هذه المشاريع على القضية الفلسطينية وعلى حاضر ومستقبل الدول العربية من ناحية الاستقلال الاقتصادي وبالنتيجة التأثير على الاستقلال السياسي وعلى ثلم السيادة بإزالة دروعها منها، والمفترض بها، مواجهة سكاكين الانغراز في جسدها. ان هذه المشاريع الثلاثة وهي التي لم تزل مجرد تصريحات إلا مدينة نيوم والتي حسب ما يتوارد من أخبار يجري الآن العمل بها لناحية التخطيط؛ مترابطة ترابطا عضويا بالطريقة التي لا يمكن قراءة أي منها بمعزل عن الآخرين لجهة الأهداف والنتائج. وهذا ما سوف نأتي عليه لاحقا في هذه السطور المتواضعة، بعد ان نلقي نظرة سريعة على المشاريع الثلاثة:
1- صفقة القرن التجارية والتي لم تعلن بنودها وأسسها حتى هذه اللحظة وجميع ما سرب أو تسرب عنها أو سربه عرابوها إلى الإعلام بغموض وعموميات مفتوحة على التأويل، ما هو إلا لجس رد الفعل العربي والإسلامي…لكن وفي الجانب الثاني أن هناك بعض ما يجري على الأرض ما هو إلا تمهيد لها أو شق الطريق لهذه الصفقة سيئة الصيت والنوايا؛ من مثل محاصرة غزة وفي عين اللحظة مد يد العون لها بالطرق الخفية أي بطرف ثالث عربي، الإمارات مثلا، ومع أطراف متعاملين مع قادة غزة من حركة المقاومة لناحية التعاون أو الاتفاق السياسي، محمد دحلان مثلا، وهذا لا يعني وتحت مختلف الظروف والأحوال أن حركة حماس أو الجهاد ضالعتان في هكذا مشاريع مريبة على الأقل هذا ماهو ظاهر على سطح الأحداث في القوت الحاضر. وكقناعة شخصية، تلك هي الحقيقة الثابتة على الأرض في مجريات الواقع المقاوم بشراسة وقوة يعتد بها وأكبر ما يؤيد تلك القناعة هو ما قامت بها حركة حماس في التصدي للهجوم الإسرائيلي الأخير والذي به لقنتها اي إسرائيل، درسا في الرجولة وفي الدفاع عن الحق والعدل، ومن الطبيعي وكواقع فعلي على الأرض، كل مسار الفعل المقاوم ما قبل هذا الانتصار وما بعده، يدعم كلي الدعم هذه القناعة..وكذلك ما يجري في الأردن من ضغوطات اقتصادية ودفعها إلى إحداث تغييرات بنيوية في الاقتصاد الأردني على طريق الانفتاح الاقتصادي من غير أن يمتلك أو في حيازته؛ قوة المال والموارد الكافيين والساندين لهذا الانفتاح.. بالإضافة إلى السعي إلى استصدار قرارات سواء من المنظمة الأممية أو من (مجلس امنها) من أمثال اعتبار حركة حماس منظمة ارهابية والذي فشلت امريكا مؤخرا باستصداره.
2 – ما يعرف أو يسميه وزير الاتصالات والاستخبارات الإسرائيلية بقطار السلام أو سكك السلام. وحسب تصريحات الوزير أعلاه وما خرج به ولم يعلن عنه، كاملا، إلا قليلا منه، في زيارته إلى سلطنة عمان مؤخرا والذي بها أعلن عن مشروع سكك السلام من دون الاستفاضة في الإعلان المتناقض تناقضا كليا مع عتبة عنوانه. بالإضافة إلى ما نشرته الصحف الإسرائيلية على لسان وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي في الوقت الحاضر وكذلك قبل ثلاث سنوات. سكك حديد تمتد من ميناء حيفا إلى الأردن ومن ثم إلى السعودية والإمارات وبقية دول الخليج العربي وربما في وقت لاحق إلى العراق وهذا أمر، موضوع جدل وخلاف واختلاف لجهة الموقف العراقي سواء الآن أو في المستقبل، نعتقد لمعرفتنا بمعدن الشعب العراقي الذي نزف الكثير من الدم على أديم أرض فلسطين ولعقود مضت، اعتقادا يقترب جدا من اليقين أنه لن يحظى بموافقة العراق، إن بقية شعوب العرب سوف تتصدى له.. نعود إلى خط سكك الحديد سيئ النوايا والخطط والأهداف المرجوة منه؛ الخط يربط بعد أن يمر على جسر الشيخ حسين في غور الأردن إلى الشمال وبهذا يربط البحر الأبيض المتوسط مع الأردن أي تصبح إسرائيل ممرا استراتيجيا للبضائع وفي فترة تالية من الحين لنقل الأشخاص والبضائع إلى السعودية والإمارات وبقية دول الخليج العربي في فترة تلي المرحلة الأولى ومنها إلى أوروبا.
في هذا الوضع تكون إسرائيل مركزا اقتصاديا في المنطقة العربية والعالم. أما في حالة العراق الذي يعتمد في القسم الأكبر من توريد ما يحتاجه على الأردن سوف يتعرض إلى الخنق او الاختناق. ميناء مبارك الكبير يقع في اطار هذا المخطط، هذا الميناء الذي تم بناؤه على عنق الخليج العربي وعلى مقربة من المساحة المائية القليلة اصلا والتى تشكل منفذ العراق على البحر وعلى التجارة مع العالم، والذي أكل الميناء، القسم الكبير من هذا الممر اليتيم.. علما أن الكويت لا تحتاج لمثل هذا الميناء واذا كانت بحاجة لمثله، من الممكن بناؤه في أي مكان من الساحل الكويتي والبالغ أكثر من خمسمئة كيلو متر..
3- مدينة نيوم والتى تقع على أو على مقربة من البحر الأحمر في الأرض السعودية أي القسم الأكبر من المدينة يقع في أراض سعودية، أما البقية فتقع في الأردن ومصر وفلسطين..ومن ضمنها جسر يربط ميناء إيلات (يقول السعوديون غير هذا القول أو ينفونه.. وتلك مخادعة ولعب والحقيقة ميناء إيلات ومضائق تيران كما أوردته قبل فترة ليست بالقليلة صحف إسرائيلية) مع البحر الأحمر.. عبر جسر تم الاتفاق عليه بين مصر والسعودية كواحد من بنود الاتفاقية المعروفة بين الدولتين والقاضية بتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السـعودية..
إن هذه المشاريع الثلاثة تشكل ؛ البداية أو منصة لسلم الصعود إلى السطح الذي عليه وفي فضاءاته، يتم إعادة بشيطنة، رسم خريطة المنطقة العربية للنواحي الجغرافية السياسية أي البلقنة (نسبة إلى يوغسلافيا السابقة..)، للدول العربية من ذوات التأثير الفعال في مجريات الأحداث وتحولاتها ومراسي سفنها وهي العراق وسوريا وفي حدود أقل تأثيرا ليبيا واليمن، لإخراجها من دوائر الفعل المؤثر الفعال من ساحة الصراع ودمجها لاحقا في منظومة دول الخليج العربي، التشغيلية للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية.
هذا من جهة ومن الجهة الثانية والمرتبطة بالأولى ترابطا ميدانيا للجهات السياسية والاقتصادية ذات المنطلقات التى تقود او تنتج نتائج استراتيجية، بعد أن يوضع موضع التنفيذ حل تمييعي وتضييعي للقضية الفلسطينية بأساليب الدهاء الشيطاني. نعود إلى المشاريع الثلاثة المترابطة ترابطا عضويا، كما اسلفنا في القول السابق من هذه السطور المتواضعة: والذي نبدأ به بسؤال: كيف يتم إنجاح أو تمرير مدينة نيوم وهي التي، في واحد من أهم مواقعها ميناء إيلات ومضائق تيران من غير التوافق مع إسرائيل إجرائيا في ميدان العمل، علما بان الملاحة في تلك المضائق تخضع للإشراف المشترك بين إسرائيل ومصر حسب ما جاءت به بنود اتفاقيات كامب ديفيد، لذا هناك توافق سري وراء جدار الصمت العربي مع إسرائيل، وهذا هو الحاصل الفعلي وفي الخفاء، أذا هناك حتما بطبيعة جغرافية العمل بين السعودية والدول المتشاركة معها مصر والأردن وفلسطين( السلطة..) في مدينة نيوم ومن بينها بل الركن الأساسي فيها هي إسرائيل. هذه المدينة وفي أي قراءة عميقة لمجريات الواقع الموضوعي على الأرض، يؤكد بما لاشك فيه ؛ أن إسرائيل وأمريكا طرفان في التخطيط والتنفيذ وحتى التمويل بدرجة معينة لهذه المدينة المريبة التي تشكل واحدة من درجات سلم الصعود إلى التطبيع المجاني مع الكيان الإسرائيلي الامبريالي. وفي الوقت ذاته وفي تواؤم ؛ يقع او تقع سكك ( السلام) كما وصفها وزير الاتصالات الإسرائيلي مع مدينة نيوم وكذلك صفقة القرن في تشابك واقعي وموضوعي في أصل البداية والنهايات لهذه الطبخة، الخلطة والتي أعدت أو توافرت عناصر أو مكوناتها بأيادي طباخ في غاية المهارة والذكاء والحنكة والشيطنة والخبث. سكك الحديد وإذا ما قدر لها وصارت واقعا على الأرض( وهي لن تصبح كذلك ابدا..) سوف تجعل من إسرائيل مركزا اقتصاديا وسياسيا استراتيجيا في المنطقة العربية وما يجاورها من دول الشرق الأوسط الإسلامية بالإضافة إلى أوروبا، بسبب من أن هذا الخط او الخطوط سوف تربط منطقة الشرق الأوسط بأوروبا. إسرائيل سوف تتحكم فيه لأنه يبدأ بها أي من ميناء حيفا، وبالنتيجة تتحكم في المنطقة العربية حين يتحول هذا الخط او الخطوط هي الرابط الأهم والأقل كلفة والأكثر سرعة بين هذه الدول وأوروبا، مما يؤدي حكما وبالنتيجة إلى تقليل الاعتماد على النقل البحري والبري بالشاحنات.
كاتب عراقي
يجب ان يفهم كل هذا في سياق حلم الصهاينة الاوحد ،الا وهو اسرائيل الكبرى .
كما يقول في تهكم ظريف اخوتنا في مصر : ” لا يا شيخ… ” . ليس اعتراضا على متن الموضوع ولكن عنوان المقال غير موفق لانه يمرر أمراً مسلم به منذ بداياته منذ ١٠٠ سنه .. وعد بلفور كان قرارا بريطانيا لخدمة مصالح الإمبراطورية وليس لحسن عيون الحركة الصهيونية .. رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد اكثر من عرف هذا لكن لم يستمع له احد..