إسرائيل لا قدرة لها على اتخاذ القرار

حجم الخط
0

سيقولون عن رئيس الحكومة ليفي اشكول انه حينما كان يسأل أتريد أن تشرب شايا أم قهوة، كان يسأل: أيمكن نصف شاي ونصف قهوة؟ وفي هذا ما يدل على اثنتين من صفاته الطيبة وهما البراغماتية السليمة وحس الدعابة السليم. لكن في ذلك ايضا اشارة الى عدم بت القرار. وهكذا يمكن ان نصف اسرائيل الرسمية بانها دولة عدم بت القرار. ان الذي قد يحتمل باعتباره دعابة بالقرب من ركن المشروبات الساخنة يصبح مدمرا في الواقع.
ان حالة اخلاء المباني الخمسة في تل الاولبانة بالقرب من بيت ايض التي يتابعها حاييم لفنسون في صحيفة هآرتس هي مثال ممتاز. فالحديث عن ‘اخلاء طوعي’، ويوجد الكثير من الارادة الطيبة في هذه القصة من قبل الدولة بالطبع. فقد كان الحديث في البداية عن حل لا يصدق لحماقته وهو نشر المباني ونقلها الى اراضي المستوطنات ‘القانونية’. وحينما أهملت هذه الحماقة في مرحلة ما بدأت الحكومة تحول الى بيت ايل رسوم صمت بلغت ملايين الشواقل لاهداف مختلفة غريبة. وكشف في هذا الاسبوع عن انها خططت لاربعة مباني عامة اخرى تقدر كلفتها بـ 20 مليون شيكل.
ان كل هذه النفقة تتم في منطقة ستخلى وتسلم الى الدولة الفلسطينية في كل اتفاق سياسي يكون، وفي مستوطنة يتمتع سكانها ايضا بمكانة اجتماعية اقتصادية عالية وانعامات كثيرة. وهذا في ظاهر الامر جنون لكنه في واقع الامر منطق خالص في دولة قررت ألا تقرر ماذا تفعل باراضي الضفة الغربية التي احتلتها حكومة اشكول في 1967. فهي لا تخليها لكنها لا تضمها اليها ايضا. وهي لا تمنح سكانها الفلسطينيين جنسية وحقا في الاقتراع للكنيست لكنها لا تمنعها ايضا عن مستوطنين يهود اختاروا السكن بين اولئك الفلسطينيين.
ان عدم القدرة على القرار ليس النتاج اللازم للحذر والتردد. فهناك داع الى الحيرة والى تقدير الامور قياسا بقضايا وطنية مصيرية. لكن حينما تصبح معضلة ابدية يكون الحديث عن شلل. ويكفي ان ننظر في السلوك الحالي في مفترقات قرار استراتيجي مثل عدم المساواة في عبء الخدمة العسكرية الذي كان يصاحب المجتمع في اسرائيل منذ تأسيسها. ان الدولة تواجه طريقين في ظاهر الامر: إما الاصرار على وجود الجيش الاسرائيلي جيشا للشعب بفرض التجنيد الا لزامي الشامل الحقيقي وإما الاعتراف بعدم قدرة وعدم ضرورة هذا النموذج وتحويل الجيش الاسرائيلي الى جيش مختص مع أو بغير مسارات خدمة مدنية موازية. لكن كل هدف اللجنة التي انشأها الائتلاف الحكومي هو تثبيت الطريق الثالثة التي هي القرار على عدم القرار.
ويصح هذا ايضا على نموذج الطب المراد. أيكون خاصا أم عاما. ان ازمة هداسا هي المقدمة فقط وإن تكن مقدمة ملخصة جدا (انه مستشفى عام بملكية خاصة سمح لاطبائه ان يقدموا خدمة طبية خاصة في داخله). فقد اتيحت للجنة غيرمان فرصة ذهبية تاريخية فهي تستطيع ان تبالغ في السير وان تؤمم المنظومة كلها مرة اخرى أو تطلب على الاقل الفصل المطلق بين الطب العام والخاص. لكن يمكن الاعتماد على اعضائها كي يكتفوا بـ ‘ترتيب’ المسارين أي بعدم القرار.
ان هذا السلوك يمثل في الاساس عدم وجود الزعامة. لانه حينما سجلت هنا وهناك اعمال زعامة شجاعة في مقابل الحيرة كانت الثمرات واضحة وفورية (دافيد بن غوريون والمدفوعات الالمانية، ومناحيم بيغن والسلام مع مصر، واهود باراك والانسحاب من لبنان). لكن قد تكون تغلي تحت السطح خطيئة فكرية قديمة هي ذلك التناقض المملوء بالارادة الخيرة لدولة يهودية وديمقراطية، نصف شاي ونصف قهوة.

هآرتس 20/2/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية