لا نريد جمائل
مع كل الاحترام الذي نكنه لكل من يتبوأ منصبك في البيت الأبيض، فإننا لن نتمكن من أن نمر مرور الكرام عن سلوكك المعادي. فمن طلب منك أن تأتي إلينا في أصعب لحظة في تاريخنا وتهدد أعداءنا ألا يتجرأوا على المس بنا؟ هل كنا أولادك وكنت أبانا الذي يهدد من يضربوننا؟ من طالبك بأن تبعث حاملات طائرات كي تردع الساعين إلى إيقاع الشر بنا؟ لماذا تستخدم حقك في النقض (الفيتو) لتمنع قرارات في مجلس الأمن؟ من طالبك بأن تغدق ميزانيات وتبعث لنا بعتاد وذخيرة؟ لن ننسى ولن نغفر. واضح بأنك تعمل انطلاقاً من مصالحك الضيقة: سنة انتخابات، مصوتون يهود، متبرعون يهود. كل شيء مكشوف. في كل مرة تذكرنا فيها بلقائك مع غولدا قبل حرب يوم الغفران، في كل مرة تعلم أنك صهيوني، ولكننا لا نشتري هذا التزلف.
وعندها تتبين الحقيقة وتنكشف خطتك الحقيقية؛ ثمة مؤامرة تختبئ من خلف كل الخير الذي تغدقه علينا، ظاهراً: تريد لإسرائيل أن تعيش بسلام، وتريد أن تضمن الأغلبية اليهودية في دولة ديمقراطية، إلى جانب دولة فلسطينية مجردة من السلاح، تريد أن تضم فلسطين قطاع غزة، وألا تنشغل إسرائيل بالتعليم والصحة والنفايات في قطاع غزة، المليء بالناس، ثم تريد حلفاً استراتيجياً بينكم وبين السعودية، وأن تكون إسرائيل جزءاً منه. هذا ما تريده أنت حقاً. من حظنا أننا اكتشفنا هذا في الوقت المناسب.
لن نسمح لك
حتى ابن بن غفير بات يفهم مع من نتعامل، نمتلك حلولاً أخرى. نحن شعب يسكن وحده، ولا نحتاج لجمائلك في الأمم المتحدة. محظور علينا أن نتعاطى مع محافل دولية تتآمر ضدنا، سنتدبر أنفسنا. لن يكون هنا سلام يوماً ما. سنعيش دوماً على حرابنا، وسنجد طريقاً لنقل الفلسطينيين إلى أماكن أخرى؛ سيفعلون هذا طوعاً، بالطبع. وفضلاً عن هذا، سيعود إلينا ترامب بعد قليل (الذي أطلقنا البلدة المزدهرة “رمات ترامب” باسمه). هو يحبنا، وسيرتب لنا دولة أو اثنتين، حسب التوصية. أما أنت فسنجري حسابنا معك.
يواصل القصف
ما من شك بأن الخطوة السياسية الأهم في تاريخنا كانت اتفاق سلام بين إسرائيل ومصر: توقيع مناحم بيغن وأنور السادات وجيمي كارتر. هذا هو الاتفاق الذي غير وضعنا الاستراتيجي، وحطم عزلتنا في المنطقة، وفتح الطريق إلى اتفاقات أخرى. مصر نفسها دفعت بذلك ثمناً باهظاً، وأخرجت من الجامعة العربية لبضع سنوات.
ليس مؤكداً أن أفيغدور ليبرمان (هذا الذي وعد بتصفية السنوار وهنية في غضون يومين إذا ما أصبح وزير الدفاع ونسي ذلك بعد توليته المنصب)، الذي لُوّن عالمه بلونين فقط – أسود وأبيض – يفهم معنى اتفاق السلام هذا. مثلما اقترح قبل ذلك قصف سد أسوان ولم يدرك عواقب ذلك على إسرائيل، ها هو يقترح الآن الصدام مع مصر على خلفية مستقبل محور فيلادلفيا.
الرجل الذي سبق أن تولى كل المناصب الهامة في الحكومة باستثناء رئاستها، يتحدث كآخر الأشخاص حين يقترح في جلسة كتلته “صنع ما هو خير لنا” (ما يعني ضمناً أن كل الآخرين يصنعون ما هو خير لجهات أجنبية) ووضع المصريين في مكانهم. أما خيار الحوار مع الجار الأهم لنا، فلا يطرق بابه.
يوسي بيلين
إسرائيل اليوم 9/2/2024