لا ضير من تذكيري مرّة أخرى بقائمة المؤشرات التي يمكن، بالعودة إليها، تشخيص ما إذا كانت الفاشية قد تملكت من عروق نظام الحكم في دولة ما، أو إذا كان ذلك النظام يجنح نحوها؛ فعلماء الاجتماع السياسي عدّدوا ما يلي:
سيادة الجيش وهيمنة «العسكرة» التعامل شبه المرضي في ما يسمى أمن الدولة، العلاقة الوثيقة بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية، دفاع الدولة عن الشركات الكبرى والعلاقة الوطيدة بين السلطة ورأس المال، إضعاف نقابات العمال، غطرسة المشاعر القومية المتطرفة، الاستهتار بحقوق الإنسان والاعتداء على الحريات الأساسية، الإجماع على استعداء هدف وإيجاد «أكباش فداء» على شاكلة أقليات قومية أو فئات اجتماعية مستضعفة، وسائل إعلام مجندة وغير موضوعية وفاقدة للمهنية الإعلامية الحيادية، فساد متفشّ في جميع منظومات الإدارة والحكم، محاربة «الحرية الأكاديمية» والاستخفاف بمكانة الأكاديمي والمثقف.
لقد تمّمت إسرائيل في سنواتها السبعين جميع هذه الخطى ووصلت حدّ الهاوية؛ ونحن نعيش في وطننا وسط النار، ونحاول أن نختار حكمتنا الفاصلة بين بقائين: فإمّا الموت على حدود سيوف حقنا والبقاء في ترابه، أو العيش في أنفاس الزهر والموج والبقاء فوق أرضه.
«لن يصبح وضعنا، نحن العرب في إسرائيل، بعد عملية الطعن التي نفذها المواطن محمد أبو القيعان، من سكّان بلدة حورا في النقب، في مركز مدينة بئر السبع يوم الاربعاء المنصرم، أحسن ولا أأمن؛ فبعض المعلقين يتكهنون بأن البلاد ستواجه موجة جديدة من هذه العمليات الفردية، وتصعيدا أمنيا خطيرا، لا سيّما خلال شهر رمضان المقبل. كم كنت أتمنى أن يخيب ظن جميع أولئك «المنجّمين» وألّا تَصْدق توقّعاتهم». هكذا كتبت في مقالتي السابقة، بعد عملية «عاصفة الصحراء النقباوية» التي نفّذها مواطن عربي إسرائيلي قيل إنّه ينتمي إلى تنظيم «داعش»؛ فالمسألة لم تكن بحاجة، على ما يبدو، لاجتهادات «منجّمين» لأننا كما توقعت نقف «داخل إسرائيل على حفاف العدم، حيث يطعم الدم النار» وما سوف يأتينا سيكون حتما أعظم.
لقد كانت مدينة الخضيرة الإسرائيلية، الواقعة في مركز البلاد، ساحة الغزوة التالية التي نفّذها أيضا مواطنان عربيان من مدينة أم الفحم، قيل إنّهما ينتميان إلى تنظيم «داعش» الإسلامي، من دون أن يدّعي أحد وجود أي علاقة أو تواصل بين محمد أبو القيعان، منفذ عملية بئر السبع، وأولاد العم، أيمن وإبراهيم إغبارية، منفذيّ العملية في الخضيرة. لم ينتظر معظم المحللين الإسرائيليين حتى انتهاء عمليات تقصّي الحقائق، أو حتى سماع تقييمات المسؤولين ذوي الاختصاص في هذه المسائل، مثل جهاز المخابرات العامة؛ بل راحوا بعنصرية مفضوحة ومن دون أي مهنية أو حذر، يطلقون سهام خيالاتهم المغموسة بسموم التحريض على جميع المواطنين العرب، ويصرّون على تأثيم الإسلام كديانة تربّي أتباعها على معاداة اليهود، وعلى السعي بعزم إيماني أعمى في سبيل تقويض أسس الدولة اليهودية والقضاء عليها. لقد جنّد هؤلاء «المحللون» والمعلقون المستعربون، حقيقة كون منفذي العمليتين الثلاثة عربا من مواطني إسرائيل، وبنوا عليها جبالا من الافتراءات والتحاليل المغرضة، التي ساهمت في تأزيم الحالة السياسية بين الدولة ومواطنيها العرب، وهي المأزومة أصلا، وفي تكثيف مقادير الكراهية العرقية الفاشية المتفشية داخل المجتمعات اليهودية. ثم جاءت عملية «بني- براك» المدينة القريبة من تل-أبيب، التي نفّذها الشاب ضياء حمارشة، وهو مواطن فلسطيني يسكن مع عائلته في قرية يعبد في محافظة جنين، فشوٌشت هذه الحقيقة خلاصات أولئك المحلّلين، لاسيما حيال ادعائهم التحريضي حول استئثار المواطنين العرب في إسرائيل بمهمة تنفيذ العمليات الانتحارية، في حين ابتعد عنها أهل مناطق الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة، الذين تم»تدجينهم» وتحييدهم تحت بنادق الاحتلال.
علينا أن نصحو وأن نجد ما يسعفنا لنخرج أحياء من المستنقع ونبقى فوق أرضنا وليس أمواتا داخل أغماد حقنا
يجب أن نقرأ ما يكتبه هؤلاء المحرّضون، حتى لو كنا على يقين بعدم صحته، أو بما يرمون من ورائه ؛ فدور الإعلام العبري العنصري في تجنيد الرأي العام الإسرائيلي حاسم من دون أدنى شك، وعلاقته مع صنّاع القرار السياسيين والأمنيين متبادلة، فهم يستغلونه من أجل ترويج عقائدهم وزيادة شعبيتهم، كما شاهدنا في قضية نتنياهو وأصحاب موقع «واللا»؛ وهو، أي الإعلام، يتحوّل إلى قوة تأثير هائلة على جنوح هؤلاء القادة نحو فضاءات الرعاع، وتغذية مواقفهم ونشاطاتهم الوحشية؛ وهو كما أشرنا سابقا من أهم مؤشرات تعاظم الفاشية. لقد كان الاعلان عن إقامة « كتيبة بارئيل» قبل مدة قصيرة – وهي عبارة عن مبادرة لتشكيل ميليشيا مختلطة من العناصر الشرطية والأمنية، على أنواعها، ومن سوائب العنصريين اليمينيين المتطرفين – مؤشرا على اختمار المجتمعات اليهودية، وانتقالها من مرحلة «التخصيب العقائدي الذهني» «والشحن الغوغائي العاطفي» الفاشيَّين، إلى مرحلة الانطلاق الفعلي نحو تحقيق الأهداف. لا يمكن اعتبار هذه المبادرة مجرد نزوة؛ فكما أسلفنا تعتبر عملية عسكرة المجتمع وإدماجه، بمنهجية فوقية، في البنى الأمنية والعسكرية الرسمية، من أهم الدلائل على تحوّل الدولة، وفي حالتنا إسرائيل، من دولة لديها جيش، كان الأقرب إلى التقديس، ومؤسسات وقوانين، كانت عنصرية، نحو دولة يتحكم فيها نظام فاشي متكامل ومجتمع متماهٍ مع ذلك النظام، يتغذّى منه ويغذّيه.
فرئيس الحكومة نفتالي بينيت دعا قبل يومين كل من يحمل قطعة سلاح مرخصة بالتسلح بها، وأوضح على أن «هذه هي الساعة لفعل ذلك» معلنا أن الحكومة استدعت المزيد من كتائب «حرس الحدود» وأنها شرعت بتشكيل لواء جديد من قوات هذا الحرس، فيما وصفه «بإجراء استراتيجي يتجاوز موجة الإرهاب الحالية» وأضاف أنه سيتم نشر (15) كتيبة إضافية من قوات الجيش في الضفة الغربية، وعلى «خطوط التماس» وأنهم بصدد إصدار تعليمات جديدة سيسمح بموجبها للجنود النظاميين ولقوات الاحتياط مغادرة قواعدهم العسكرية، وهم يحملون أسلحتهم. لا أوضح من هذا الكلام؛ فأهداف الحكومة هي «إجراءات تتجاوز موجة الارهاب الحالية» ومع ذلك فإذا كان هذا كله لا يكفي كبرهان على ما ستفضي إليه عملية العسكرة الجارية، فلنسمع بينيت يدعو المواطنين اليهود إلى «الحفاظ على اليقظة والتحلّي بالمسؤولية» ولنسمع أيضا ما صرّح به وزير الدفاع غانتس، أو لنتمعن في رزمة الخطوات التي أعلن عنها وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف، التي تضمنت تجنيدا فوريّا لثلاثمئة عنصر جديد في قوات «حرس الحدود» مع دعوته «المواطنين المعنيين والراغبين في المشاركة في هذا الجهد إلى القدوم والتطوع» ثم إعلانه عن فتح أبواب قوات «الحرس المدني» في جميع أنحاء الدولة، وإهابته بسكان كل مدينة وبلدة وكيبوتس للانضمام إليها؛ وتأكيده على إلحاق مئات الجنود في وحدات الشرطة وتعزيز قدراتها ووسائل العمل في جميعها بشكل فوري وعاجل.
ولا يمكن ألا نأخذ على محمل الجد تهديد الجنرال احتياط عوزي ديان نائب رئيس الأركان ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، لجميع المواطنين العرب في إسرائيل، وليس فقط لمنفذي العمليات «بنكبة جديدة»؛ وذلك حين صرّح قبل يومين، بعنجهية واضحة ومستفزة، وقال في لقاء متلفز: «في حالة وصولنا إلى حرب أهلية، فهذه ستنتهي بحدوث نكبة أخرى.. علينا أن نتصرف كما وأننا في حالة طوارئ، ما يشبه حرب الاستقلال، حرب التحرير، ويجب أن ننهيها في الداخل أيضا». لقد بدأ الناس في إسرائيل يذوّتون معنى «العسكرة» ويتصرفون وفق فهمهم الغريزي لها، كما رأينا في الاعتداءت الكثيرة على المواطنين العرب في مواقع مختلفة في البلاد، أو داخل الجامعات مثلما حصل في الأسبوع الماضي داخل حرم الجامعة العبرية في القدس، عندما اعتَقل طالبان يهوديان، تبين انهما يعملان في سلك الشرطة خارج ساعات الدراسة في الجامعة، طالبين عربيين بحجة أنهما كانا يغنيان أغنية تحريضية.. ويبقى هذا غيض من فيض.
لديّ ما أقوله حول «داعشية» منفذي عمليتي بئر السبع والخضيره وكيف ولدت هذه الهوية وشبيهاتها بيننا، ومن يعمل ماذا، مباشرة أو بغير مباشرة، ضدها أو معها؟ لكنني لا أكتب حول هذه القضية، فهمّي الأكبر اليوم هو أن أنبّه مجدّدا، مثلما فعل كثيرون قبلي وأجمعوا على اننا قريبون من «يوم الدين»؛ فالفاشية تستحكم بيننا والعسكرة تتفشى ويستقوي بلطجيّوها؛ ونحن نجترّ عجزنا ويكتفي بعضنا بشجب هذه العمليات وآخرون بكتم سعادتهم من نتائجها داخل صدورهم. ويسألونني ما العمل؟ فأجيب: على نُخبنا الحرّة وقياداتنا الديمقراطية والمسؤولة الإقرار أولا بوجود هذا الخطر الوجودي، ومن ثم الشروع بالتفتيش عن وسائل عمل كفاحية مبتكرة ضده؛ وكنت اقترحت في الماضي إقامة «جبهة العمل ضد الفاشية» و»منتدى الحقوقيين الديمقراطيين» وذلك بهدف رصد النشاطات الفاشية وملاحقة المتورطين فيها بمنهجية مهنية ناجعة.
إنها مجرد مقترحات ويوجد غيرها بطبيعة الحال؛ فالقصد أن نصحو وأن نجد ما يسعفنا لنخرج أحياء من المستنقع ونبقى فوق أرضنا وليس أمواتا داخل أغماد حقنا.
كاتب فلسطيني
شكرا لهذا الحس الوطني والموضوعية في التناول ولكنك والاغلب بدون قصد تتجاوز قوانين السماء والفيزياء والشعوب الأحياء هو ان لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه فالاسد الضاري الجالس في عرين الغابة لا يتحرك من مكانه ان لم يستفز استفزاز عاليا فإذا تحرك سيحطم كل ماحوله من الأعداء. انت تتحدث عن التمييز والفصل العنصري وعن الفاشية والنازية في ظل احتلال وارهاب الكيان الصهيوني ضد أبناء الأرض والشعب الاصلاء فكيف لأحد أن يلوم شباب ياءسين من حق الحياة في بلدهم وارضهم. الا تجد في التوراة والإنجيل والقرآن عذرا في الدفاع عن انفسهم ومقاومة عدوهم؟ الا تجد في قوانين وتشريعات الأمم المتحدة شيءا عن حق الدفاع عن النفس ومقاومة المحتل؟ الدول لاتنشا بقرار بل الدول تنشأ باستقرار….باستمرار…بتجذر واسراءيل ليست دولة بل كيان محتل أنشأ بقرار ليس له كثير وقت للاستمرار.