الناصرة- “القدس العربي”:
تشهد الشهور الأخيرة تطبيع أنظمة عربية مع إسرائيل تتوج علاقات سرية سبقته منذ عقود جرى خلالها تعاون وثيق في مجالات كثيرة منها مساعدة اليهود العرب والأفارقة على الهجرة إلى فلسطين. تم ذلك قبيل وغداة قيام إسرائيل عام 1948 والمساهمة بالتالي في تعديل ميزانها الديموغرافي لصالح أغلبية يهودية وتأسيسها ويتركز هذا التحقيق بثلاث دول عربية خرجت منها مجموعات يهودية كبيرة.
ينطبق ذلك حتى على الدولة العربية التي شهدت قمة اللاءات الثلاث، السودان الذي تعاون مع دولة الاحتلال قبل وبعد نكسة 1967 وشارك في هجرة يهود الفلاشا.
وما أشبه اليوم بالبارحة فكما أن تقرب السودان أيضا من الولايات المتحدة يمر اليوم عبر إسرائيل فقد كانت بوابة للتقرب من بريطانيا في الماضي. إذ تكشف الدراسات والأرشيفات التاريخية الإسرائيلية على الأقل عن أن علاقات التعاون السرية بين السودان وإسرائيل بدأت مبكرا وقبل ذلك بكثير بل منذ أن قامت الأخيرة على خلفية اعتبار مصر “عدوا مشتركا” ورغبة بتبادل منافع متنوعة.
وفي سياق الحديث عن الدور الإسرائيلي في تفاعلات السودان الداخلية عشية استقلاله أرسل حزب الأمّة السوداني في حزيران/ يونيو 1954 وفداً إلى لندن للحصول على الدّعم البريطاني لاستقلال السودان. في أثناء مكوثه في لندن، أوعزت المخابرات البريطانيّة إلى وفد حزب الأمّة ليطلب المساعدة من إسرائيل كما يؤكد الباحث الصحافي في الشؤون الاستراتيجية يوسي ميلمان وزميله رفيف دان.
وحسب ميلمان أيضا فقد اجتمع هذا الوفد (ضمّ سيد الصديق المهدي، الابن الأكبر للمهدي، ومحمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الأمّة) في لندن في 17 حزيران/ يونيو 1954 مع مسؤولين إسرائيليّين من السّفارة الإسرائيليّة هناك. واتّفق الطّرفان في ذلك الاجتماع على مواصلة اللقاءات والاجتماعات باستمرار، على أرضيّة المصالح المشتركة بينهما خاصة في العداء لمصر، واتّفقا أيضاً على أن يكون محمد أحمد عمر رجل الاتّصال الدائم بين حزب الأمّة وإسرائيل.
العدوان الثلاثي
تسبب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بحالة من التعاطف العارم مع القاهرة في الخرطوم دفعت البرلمان السوداني لإصدار قانون شديد الصرامة لا يزال نافذًا حتى اليوم رسميا يسمى قانون مقاطعة إسرائيل. وزاد الانقلاب العسكري في الخرطوم عام 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود من تقربها للقاهرة وتسبب بوقف الاتصالات السرية مع إسرائيل لتبدأ بالتزامن اتصالات سرية مع المتمردين في جنوب السودان تصاعدت عقب حرب 1967.
ومنذ ذلك الوقت اعتبرت مسألة التعامل مع إسرائيل نوعا من الخيانة، خصوصًا أن السودان مع الوقت أصبح يجد أدلة دامغة على انخراط إسرائيل في دعم التمرد في جنوب السودان الذي استنزف موارد الدولة. ولاحقا انخرطت القوات السودانية في مصر في حروبها ضد إسرائيل؛ حربي الاستنزاف والعبور 1973. في المقابل تظهر مصادر إسرائيلية كثيرة أن جهات عليا في السودان أقامت علاقات سرية مع إسرائيل مدة طويلة بعد العدوان الثلاثي بل أن الرئيس الرحل جعفر النميري تعاون لاحقا ومباشرة مع جهات إسرائيلية وفق مصادر عبرية أيضا.
ويتضح أن هذه العلاقات تمت في مرحلة مبكرة وعلى أعلى المستويات فبعد العدوان الثلاثي بشهور تم لقاء بين رئيس حكومة السودان عن حزب “الأمة” عبد الله خليل مع وزيرة في إسرائيل ورئيسة حكومتها لاحقا، غولدا مئير، ومعها بعض قادة الموساد خلال 1957 مثلما يؤكد الباحث الإسرائيلي دكتور إيليه بوديه في مقال نشره تزامنا مع إعلان اتفاق التطبيع مع السودان قبل شهر ونيف.
من علاقات “العشيقة السرية” للارتباط المعلن
وهذا يرد بتفصيل أوسع في كتابه الجديد (من عشيقة سرية إلى معروفة لدى الجمهور: العلاقات بين إسرائيل مع دول وأقليات في الشرق الأوسط 2020-1948) إذ يؤكد البروفيسور إيليه بوديه أن الموساد قدم مساعدات للمتمردين في جنوب السودان في السنوات 1969-1972 من أجل الانفصال عن الخرطوم مذكرا بانتهاء ذاك التمرد باتفاق شمال وجنوب السودان الذي حاز على “حكم ذاتي” بموجبه.
وبعد أن قامت الدول العربية بمقاطعة مصر بعد اتفاق كامب ديفيد عام 1979 رفض السودان وسلطنة عمان هذا القرار، وقررا استمرار العلاقات مع مصر وهذا ينذر بما كان يضمره قادة السودان. وتكشف مصادر عربية وإسرائيلية أن علاقة سرية نشأت بين الرئيس جعفر نميري والإسرائيليين أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات حيث استطاع السمسار السعودي عدنان خاشقجي عقد لقاء سري في 1980 ما بين الرئيس السوداني جعفر نميري ووزير الأمن الإسرائيلي وقتها أرئيل شارون في كينيا. وقاد هذا اللقاء لعملية تهريب يهود الفلاشا من الحبشة إلى إسرائيل بعلم المخابرات السودانية كما يؤكد الكتاب الإسرائيلي “الموساد – العمليات الكبرى” للمؤرخ ميخائيل بار زوهر كاتب سير القادة الإسرائيليين، وشريكه في الكتاب الصحافي الإسرائيلي نسيم مشعال.
وقد كان ملف تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا عبر الأراضي السودانية ضمن ما يعرف بـ عملية موشيه بين 1979\1985 ملفا سريا قبل الكشف عنه وكان الأكثر سخونة بعد سقوط النميري في 1985 في الانقلاب الذي يعرف باسم ثورة الإنقاذ الوطني والذي قاده وزير الدفاع السوداني عبد الرحمن سوار الذهب.
النميري وشارون
وعن تلك الحقبة المبكرة من التعاون السري يقول بروفيسور بوديه: “حافظ السودان على علاقات سرية مع إسرائيل طيلة سنوات كثيرة وكان بالنسبة لها ساحة خلفية سرية”، منوها في كتابه أن النميري الذي استلم الحكم في السودان عام 1969 حتى 1985 كان الوحيد من بين الحكام العرب الذين أعربوا عن تأييدهم للسادات وقد نقل عنه في 1975 قوله إن وجود إسرائيل بات أمرا ملموسا نحن نعترف به. مستذكرا هو الآخر أنه في 1980 التقى مع أرئيل شارون خلسة داخل مزرعة في كينيا ولعب دورا في نقل يهود الفلاشا من إثيوبيا ووافق على استخدام إسرائيل للأراضي السودانية طالما بقيت العملية طي الكتمان، وفي العامين 1984 و1985 نقلت إسرائيل عشرات آلاف منهم مقابل مساعدة أمريكية حاز عليها النميري من الولايات المتحدة حتى كشف النقاب عنها مما أدى لوقف العملية وسرّع من سقوط النمري.
وكانت إسرائيل قد أقامت “منتجعا سياحيا” في موقع “العروس” السوداني على ساحل البحر الأحمر وهذه البقعة الساحرة شكلت في الواقع قاعدة لعملاء الموساد ومحطة على طريق نقل يهود الفلاشا من إثيوبيا للبلاد، وكانت القصة لاحقا مصدر إلهام لشبكة الأفلام “نتفليكس” في إنتاج فيلم سينمائي يدعى “منتجع غطس في البحر الأحمر”.
عمر البشير
وفي فترة حكم عمر البشير (2019-1989) شهد السودان أيضا تحولات بالموقف من التطبيع بعدما كان يتميز بعلاقات وثيقة مع إيران وأخرى معادية للغرب وإسرائيل.
وجاء التحول في التعامل مع الغرب وإسرائيل في نهايات حكم عمر البشير بعدما أدرك عمق أزمته السياسية والأزمة الاقتصادية التي تورطت بها بلاده فبادر لقطع العلاقات مع إيران وتقرب من السعودية عام 2015 وبدأت تتغير لهجته حيال إسرائيل وكل ذلك طمعا وبحثا عما يسعفه ويخفف عنه أزماته.
وحسب الكتاب المذكور للباحث في تاريخ الشرق الأوسط الإسرائيلي بروفيسور إيلي بوديه التقى موظفون من وزارة الخارجية الإسرائيلية مع نظراء سودانيين عام 2017، وكذلك في 2019 التقى رئيس الموساد يوسي كوهن رئيس المخابرات السودانية على هامش مؤتمر أمني في ميونيخ وبدأت واشنطن بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان. لكن احتجاجات شعبية عارمة في الخرطوم أطاحت في أبريل/ نيسان 2019 بحكم البشير غير أن التعاون مع إسرائيل تصاعد كما تجلى في لقاء جمع نتنياهو وبرهان في شباط/ فبراير 2020 في أوغندا.
وعلاوة على ما ذكر يضيف بوديه لسلة المنافع الإسرائيلية من الاتفاق مع السودان استمرار تساقط حجارة جدار الرفض العربي وبالذات في عاصمة اللاءات الثلاث على المستوى الرمزي وكذلك المساهمة العملية في تعزيز مكانة إسرائيل في إفريقيا.
هجرة يهود المغرب مقابل ربع مليار دولار
كما في السودان هكذا الحال في المغرب. ففور تسلمه التاج، استجاب العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني لطلب إسرائيل بالسماح بهجرة اليهود من المغرب، وتم عقد صفقة بين الموساد وبين الجنرال محمد أوفقير اتفق فيها على دفع 250 دولارا مقابل هجرة كل واحد من 80 ألف يهودي مغربي فتم نقل ربع مليار دولار بأكياس ضخمة للمغرب، واليوم يشكل اليهود المغاربة مجموعة كبيرة جدا من الإسرائيليين الشرقيين.
تم دفع 250 دولارا مقابل هجرة كل واحد من 80 ألف يهودي مغربي فتم نقل ربع مليار دولار بأكياس ضخمة للمغرب
ويشير الباحث الصحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان في تحقيق واسع نشرته “يديعوت أحرونوت” في 2015 إلى أن المغرب طلب لاحقا مساعدات تدريب أمني من إسرائيل التي أرسلت له الجنرال دافيد شومرون وبوسكا شاينر الضابط في وحدة حراسة رئيس حكومتها دافيد بن غوريون، فأقاما وحدة خاصة لحماية الملك.
هجرة يهود العراق
وكان لإعلان قرار تقسيم فلسطين يوم 29/11/1947 أثره على العلاقات بين اليهود في العراق وسائر السكان، وكان لهزيمة قوات العراق في حرب 1948 أثرها كذلك عليهم فتم طردهم من وظائفهم الحكومية، وأعدم بعضهم بتهمة التخابر مع الصهيونية.
وفي 9/3/1950 صدق البرلمان العراقي على قانون يقضي بالسماح لكل يهود العراق بالهجرة -إن أرادوا- بشرط التنازل عن الجنسية العراقية وعن كافة ممتلكاتهم. وفي عيد الفصح اليهودي عام 1950 كان الخروج من العراق والذي حمل اسم عملية “عزرا ونحميا”، ولم يبق من اليهود سوى خمسة آلاف فقط من بين 120 ألفاً تقريباً.
وحسب الباحث المصري محمد جلاء إدريس المتخصص في الدراسات العبرية والدينية يمكن تحديد أن عوامل طرد اليهود العراقيين تمثلت في ارتباط اليهود بالقوى الاستعمارية في البلاد العربية حتى يتمتعوا بالامتيازات الأجنبية، وتدهور الأحوال الاقتصادية في العراق بشكل عام مما أثر على أحوال اليهود، وكذلك الممارسات العربية الخاطئة تجاه اليهود العرب والتي اتسمت أحياناً بالتعّصب أو السلوك الأحمق أو المتواطئ. هذا فضلاً عن عدم الوعي بالأبعاد الحقيقية للصراع مما أسفر عن العديد من القوانين المضادة لليهود، ناهيك عن دور المنظمات الصهيونية في إشاعة التوتر بين اليهود، وذلك عن طريق إرهابهم بالتفجيرات في الأحياء والمعابد.
في المقابل يشير الباحث إدريس لعوامل جذب تمثلت بحرص القائمين على الصهيونية على إعطاء دعوتهم قالباً دينياً عقدياً لكسب تعاطف وتأييد المتدينين من اليهود، بالإضافة إلى الإغراء الصهيوني بالحياة الأفضل في إسرائيل. كما كان لقانون العودة الذي أصدرته إسرائيل يوم 5/7/1950 -والذي يعطي كل يهودي في العالم حق الهجرة إلى إسرائيل وتسهيل هجرته- أثره في تشجيع اليهود على الهجرة.
وبرأيه كانت حادثة “الفرهود” عام 1941، برأي يهود العراق أول الأحداث العنيفة والدموية التي هدفت إلى “التهجير القسري” لليهود العراقيين، ومنهم من يرجع الحادثة لارتباط حكومة رشيد عالي الكيلاني بالنظام النازي، والدور الذي اضطلعت به إذاعة برلين الناطقة بالعربية في “التحريض” على اليهود العراقيين.
ويتذكر اليهود العراقيون حادثة إلقاء القنابل في أماكن تواجدهم ببغداد، ويلفت بعضهم أن “الترهيب” كان “بالتواطؤ بين الحكومة العراقية والمنظمات الصهيونية” وفق ما يؤكده أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا بروفيسور يهودا شنهاف وهو يهودي غير صهيوني من أصل عراقي، مشيرا إلى صدور بيانات آنذاك تدعو اليهود إلى الهجرة، وإلى قرار الحكومة العراقية المتزامن عام 1950، والذي اقترح “إسقاط الجنسية” عمن يرغب بذلك من اليهود العراقيين و”تسهيل سفرهم الى إسرائيل”.
وكان العراق يضم زهاء 150 ألف يهودي قبل قيام إسرائيل في 1948. غير أن يهود العراق الذين تعود جذورهم فيه إلى 25 قرنا نزحوا بشكل جماعي بين 1948 و1951 مع اتساع نطاق أعمال العنف ضدهم في المنطقة بأسرها. وعقب استقالة حكومة نوري السعيد واستبدالها بحكومة توفيق السودي في نهاية 1949 تم ترتيب هجرة اليهود من العراق بشكل أكثر راحة ونجاعة وذلك بعد اتصالات الموساد معه عبر بعض قادة يهود عراقيين كما يستذكر شنهاف.
الملوك العرب صناعة صهيونية مقابل العرش والملك مثل أجدادهم وأسلافهم يبيعون حتي أخرتهم وحسبنا لله ونعم الوكيل
الزعامه العربيه مجرد تمثيليه بطولتها الرؤساء والاخراج صهيوني، والتاريخ يسجل والمظلوم لن يسامح.