إسرائيل ونظام الأسد: ممانعة أم تواطؤ؟

حجم الخط
0

في 12 من الشهر الجاري ذكرت قناة “الجزيرة” القطرية أن قوة إسرائيلية مصحوبة بعربات مصفحة توغلت إلى داخل الأراضي السورية، وقامت بتجريف بعض الأراضي على امتداد 500 متر بعرض ألف متر وضمتها إلى الجانب الإسرائيلي عبر وضع شريط شائك. غرض التوغل، حسب قناة 14 العبرية، هو إنشاء سياج حدودي يمتد بطول 92 كيلومترا ويتضمن خنادق وحواجز ووسائل تكنولوجية لجمع معلومات استخبارية لإعاقة ما وصفته بـ”قوات العدو” و”الإرهابيين من دخول إسرائيل في المستقبل”!
تعاطت وسائل إعلام النظام السوري مع الموضوع بتجاهل، فيما أنكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية حصول ذلك، لكن ما أثار الجدل أكثر كانت الأنباء عن انسحاب قوات روسية قبل يومين من التوغّل الإسرائيلي وتناظر ذلك مع قصف روسي استمر 48 ساعة على محافظة إدلب الخارجة عن سيطرة النظام، وتبع ذلك قصف شنته ميليشيات محسوبة على إيران لمدة 72 ساعة، ثم تابعت قوات النظام القصف، ولحق بها قصف صاروخي من قوات مشتركة للنظام و”قوات سوريا الديمقراطية”، لتنتهي “العمليات العسكرية” بتعطيل محطة كهرباء، وتدمير منشرة ومصنع ومدرسة ومستوصف ومقتل وجرح العشرات من المدنيين.
وهكذا فيما كانت إسرائيل تستقطع جزءا كبيرا من حدود سوريا، وتتابع الطلعات الجوية وقصف أهداف ضمن مناطق سيطرة النظام، كان آخرها في حي المزة بالقرب من منزل رئيس النظام بشار الأسد وأركان حكمه ووزارة الدفاع والأفرع الأمنية الممتلئة بمئات آلاف المعتقلين، كان النظام مشغولا بإظهار قوّته النارية على مدنيي إدلب.
في هذه الأثناء، كانت أجهزة أمن “الفرقة الرابعة” في الجيش السوري، التي يرأسها شقيق الرئيس ماهر، تقوم باعتقال أعداد من اللاجئين السوريين الهاربين من القصف الإسرائيلي للبنان، أو إخفائهم قسريا، وطال ذلك، حسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” سوريين من السويداء وإدلب والرقة وريف دمشق وحمص، جرى ذلك فيما كانت “الفرقة 4” تتابع “أعمالها” الاعتيادية من تجارة الحواجز، وتهريب مخدرات الكبتاغون بالطائرات المسيّرة عبر الأردن، أو عبر شحنات الفواكه إلى دول الخليج وأوروبا، وابتزاز أهالي المعتقلين، وتهريب السلاح.
ضمن هذا السياق، يتابع نظام الأسد الابن، استراتيجية قديمة سار عليها نظام الأب، وكان شاغلها الأساسي هو كيفية الحفاظ على النظام ورأسه، وذلك عبر العمل على توازنات إقليمية تميل مرة نحو إيران، ومرات نحو إسرائيل، والاتجاه الأخير مترسخ بعمق في “جينات” العائلة الحاكمة، ويسنده تاريخ يمكن تتبعّ أهم أحداثه منذ حرب اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، فرغم الاشتباك الجوي الذي حصل بين القوتين حينها، فقد تقاطعت المصالح وتكاملت، فحاصرت إسرائيل المقاومة في بيروت ورعت مجزرة صبرا وشاتيلا وأخرجت ياسر عرفات والفصائل الفلسطينية عبر البحر، وفي أثناء ذلك قام النظام السوري بمجزرة حماه الشهيرة التي دمرت مدينة كاملة وأبادت عشرات الآلاف من سكانها، وتبع ذلك حصار نظام الأسد لعرفات الذي حاول العودة إلى طرابلس وإخراجه (عام 1983)، ثم رعايته مجزرة صبرا وشاتيلا الثانية ضد الفلسطينيين عام 1985.
رغم الدور الكبير الذي قدمته إيران والميليشيات الحليفة للحفاظ على بقاء النظام، فمن الواضح أن “سهولة” حصول الاغتيالات المتتابعة للقيادات الإيرانية وحلفائها، والتغاضي عن ضم إسرائيل لجزء من الحدود السورية، يؤشران بوضوح إلى سياسة انحناء من نظام الأسد تجاه إسرائيل، تأمل، على الأغلب، محو تاريخه “الممانع”، فيما يتابع تاريخه الإبادي ضد الشعب السوري، الذي يُلهم، على ما يظهر، الإسرائيليين أنفسهم، بدالّة استخدامهم ما يسمى “البراميل المتفجرة”، التي كانت “البراند” الذي ميّز نظام الأسد في الحقبة الماضية!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية