الرباط -« القدس العربي»: علق عبد الواحد المتوكل، رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، وهي أكبر جماعة إسلامية معارضة وشبه محظورة في المغرب، على خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الذي صادف هذه السنة مرور عشرين سنة على تولي محمد السادس الحكم بالمغرب، وقال القيادي في الجماعة التي تثير انزعاج السلطات وتتهمها في كل حين بالضلوع في تأجيج الاحتجاجات تدوينة بنفس نقدي لمضمون الخطاب نشرها على صفحته الرسمية بـ «فيسبوك»: «رغم أني يئست منذ زمان من أن تأتي الخطب الرسمية بما يمكن الاطمئنان إليه للقيام بالإصلاحات المطلوبة، فقد استمعت بإمعان إلى الخطاب الملكي الأخير، وبأقصى ما أستطيع من تجرد، باحثاً عما يمكن أن يكون مصدر بصيص أمل، أو مؤشراً يمكن الاستدلال به على وجود إرادة سياسية، ولو بالحد الأدنى، لإخراج المغرب من الأزمات التي تعصف به. بكل صراحة، لم أجد أي شيء، وتأكدت مرة أخرى أن الأمور في المغرب لا تزال تسير وبإصرار إلى حيث الله وحده يعلم أين ستنتهي».
وأضاف: «ومن كان يظن أن هذه نظرة تشاؤمية مبالغ فيها، ومن الكلام البعيد عن الحقيقة، أو من قبيل الخطاب العدمي، فالأيام بيننا»، وانتقد إلقاء للمسؤولية «على أكباش الفداء الجاهزة، مثل الحكومة والأحزاب وبعض المفسدين»، وما تم اقتراحه يدور في المنطق نفسه ولا يحمل جديداً «لقد وجدنا أنفسنا أمام المشهد نفسه.. والمقترح نفسه الذي جرب مراراً وبدون جدوى لانتشال البلد مما يئن تحته من رزايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها»، موضحاً: «تعديل حكومي بحجة الحاجة إلى دماء جديدة، ولجنة ستكون هذه المرة، كما يراد لنا أن نفهم، من طينة خاصة، قادرة على ابتداع الحل السحري الذي سيمكن بلدنا من تجاوز الإعاقات والالتحاق بركب الدول المتقدمة. «طويل على الخير» كما تقول الحكاية الشعبية، أي أن الموعود به أضخم من أن يصدقه عامة الناس فضلاً عن عقلائهم». وتساءل: «فهل يمكن لهذا العرض الذي لا يختلف عن العروض السابقة في شيء التي عرفنا مآلاتها، أن يحوز ثقة المغاربة، وأن يبعث أملاً جديداً».
واعتبرت القيادية والبرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، أن عشرين سنة هي حصيلة جيل. وبذلك يكون، في نظرها، أهم من تقييم الحصيلة المؤسساتية أو السياسية بنجاحاتها وإخفاقاتها، «تقييم مدى قدرتنا على صناعة جيل قادر على امتلاك قراره والإسهام في رسم ملامح الواقع الذي يريده بدل إلقاء المسؤولية كاملة على طرف آخر».
وقالت: «لا يمكن للدولة في كل مستوياتها وبكل مؤسساتها أن تتنصل من المسؤولية، لأنها تحتكم للقرار وتعد السياسات العمومية وتنفذها بميزانيات كبيرة تمول من الثروة العامة المشتركة، لكن نتائج تنشئة جيل بكامله تظل حاكمة ولا يمكن أن ينجح تقييم فعال اعتماداً على الإحصائيات والأرقام والمنجز في البنية التحتية والمعاملات التجارية»، مضيفة أن «واقع التربية والثقافة واقع مخجل ومخيف على مستوى ما ينتجه من وعي وفكر ومنطق حاكم في الحياة العامة والخاصة».
وتقول البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية أنه بإقرار العاهل المغربي فشل النموذج التنموي، «آن الأوان لإعلان أولوية الثقافة والفكر كمدخل لأي نموذج تنموي جديد بعيداً عن منطق التكنوقراط المغرق في المعادلات الحسابية الصماء. ولا أجد نموذجاً تنموياً ناجحاً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي دون بنية تحتية فكرية وثقافية قوية. لذلك، قضت أوروبا عصوراً في تنوير العقل والفكر قبل تثبيت أركان الدولة وإقامة أسس الاقتصاد الحديث».
وانتقدت ماء العينين «تهرب» الخطاب العام من المسألة الثقافية والفكرية والتربوية ليس لعدم الوعي بأهميتها، تقول، و لكن لتعقيدها وعدم قابليتها للقياس البسيط، لذلك تميل نخب «مقاربة الإنجاز» إلى وضع المخططات المصحوبة بمؤشرات رقمية للتدليل على نجاعة أدائها، ثم تبدأ في التنذر بخطاب الثقافة والفكر وكأنه بذخ يهرب إليه «الأغبياء» الذين لا يحتكمون إلى العقل الرياضي أو التقنوي.
وأضافت: «أزمتنا الحقيقية تكمن في وعينا الجماعي الذي لم يسعفنا بعد لبناء النموذج الذي نريد، ونموذجنا الحالي الذي نقر اليوم بفشله ما هو في النهاية إلا انعكاس لذاتنا الجماعية… إنه واقع يشبهنا إلى حد كبير»، تؤكد ماء العينين موضحة أن أهم من تقييم الحصيلة المؤسساتية أو السياسية بنجاحاتها وإخفاقاتها، تقييم مدى القدرة على صناعة جيل قادر على امتلاك قراره والإسهام في رسم ملامح الواقع الذي يريده بدل إلقاء المسؤولية كاملة على الآخر»، و»أزمتنا الحقيقية تكمن في وعينا الجماعي الذي لم يسعفنا بعد لبناء النموذج الذي نريد، ونموذجنا الحالي الذي نقر اليوم بفشله ما هو في النهاية إلا انعكاس لذاتنا الجماعية… إنه واقع يشبهنا إلى حد كبير».
وقال منسق فدرالية اليسار الديمقراطي، علي بوطوالة، وهو رئيس لحزب «الطليعة الاشتراكي الديمقراطي»، إن المغرب في مفترق الطرق وهو في وضعية ملتبسة، فلا هو استطاع الالتحاق بالدولة الصاعدة ولا يمكن اعتباره دولة فاشلة، كما أنه لم يحقق أي انتقال ديمقراطي طيلة عقدين. وقال بوطوالة في تدوينة نشرتها الصفحة الرسمية للتحالف الذي يضم ثلاثة أحزاب يسارية، إن حصيلة 20 عاماً من حكم الملك محمد السادس «أثارت الكثير من النقاش في الصحافة المحلية والدولية وتباينت الآراء ما بين تعداد المنجزات والأعطاب، إلا أن الاتفاق حاصل على أنها لم ترق لما كان منتظراً ولمتطلبات الواقع السياسي والاجتماعي الذي عرف عدة تقلبات واضطرابات، خاصة في السنوات الأخيرة، بعدما كان من المنتظر أن تسهم الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 (ثمرة الربيع المغربي) في تحسين مستوى الحياة السياسية والاجتماعية، غير أنه كلما تخمد موجة احتجاجات بمنطقة من مناطق المغرب وفي فئة من فئاته إلا وتطفو أخرى، ويبقى حراك الريف شمال المغرب أكثرها تأثيراً على صورة المغرب سياسياً وحقوقياً». بعد أن أعطت الدولة خلال سنتين ونصف الأولوية للمقاربة الأمنية لتدبير الاحتجاجات الاجتماعية، ومحاولة إخضاع النقابات بواسطة حوار ماراثوني مغشوش انتهى بزيادات هزيلة في الأجور، قررت إحداث تعديلات في التوجهات الاقتصادية والسياسات العمومية لتحسين أدائها والرفع من مردوديتها الاجتماعية، لاستباق انفجار الاحتقان الاجتماعي وتفاديه.
وأكد بوطوالة أن المغرب يوجد في وضعية ملتبسة، فلا هو استطاع الالتحاق بالدول الصاعدة، كما لا يمكن اعتباره دولة فاشلة، ولم يحقق أي انتقال ديمقراطي رغم مرور عقدين من الزمن، ولم يبق في ظل استبداد مطلق تنعدم فيه أية حياة سياسية، إنه ما زال إذن أمام مفترق الطرق.
وأعطى المثال بإسبانيا، موضحاً أن إسبانيا القريبة منا بعد عقدين من ديكتاتورية فرانكو صارت بلداً ديمقراطياً ومتقدماً على جميع المستويات، وكذا ماليزيا المملكة الآسيوية التي يدين شعبها وحكامها بالإسلام أصبحت من أبرز الدول الصاعدة، فأين المشكل إذن؟ وأجاب على تساؤله: «بدون لف أو دوران.. الأمر لا يتعلق بالمجالس، وما أكثرها! واللجان مهما ضمت من خبراء وأطر، بل بطبيعة وطريقة اشتغال النظام السياسي، وآليات اتخاذ القرارات، وبتنفيذها، وبمراقبة تنفيذها، وببساطة.. دون إصلاح سياسي ومؤسساتي حقيقي ستتمخض الإعلانات والوعود الكبيرة عن إنجازات صغيرة، والزمن لايرحم!».