القاهرة ـ «القدس العربي»: حملت الصحف المصرية الصادرة يومي السبت والأحد الماضيين 11 و12 مايو/أيار نبأ مهما، رغم عدم الاهتمام به كما يجب، وهو الاجتماع الذي عقده في العاصمة الأردنية عمان وزراء الصناعة والتجارة لمصر والأردن والعراق، لوضع الخطط التنفيذية لما وافق عليه كل من الرئيس المصري السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني وعادل عبد المهدي رئيس وزراء العراق، في اجتماعهم في القاهرة في شهر مارس/آذار الماضي، بالتنسيق بين بلدانهم لإنشاء تكتل ثلاثي اقتصادي، بمشاركة الحكومات ورجال الأعمال، وطبعا سيكون بالتبعية تكتلا سياسيا، لأن السياسة تتبع المصالح الاقتصادية، وهو يعيد للأذهان مشروع الاتحاد العربي الذي انشئ بين العراق أيام حكم الرئيس الأسبق صدام حسين ومصر أيام حسني مبارك والملك حسين العاهل الأردني، عليه رحمة الله، واليمن أيام رئاسة علي عبد الله صالح، إلا أنه انتهى بعد غزو صدام للكويت.ولكل من مصر والأردن مصلحة أكيدة في الحصول على حصة معقولة من مشاريع الإعمار في العراق، في منافسة لإيران وتركيا، ومصلحة للعراق في العودة إلى محيطه العربي والابتعاد خطوات عن إيران، وتقليص نفوذها.
تدخل الحكومة في دراما رمضان أبعد نجوم الصف الأول والمعلن هو صاحب السطوة والمنفذ الحقيقي لأي عمل
كما اهتمت الصحف بالاجتماع الذي عقده الرئيس مع رئيس الوزراء وعدد كبير من الوزراء ومسؤولين عن قطاعات اقتصادية، وحضور وزير الخارجية لبحث أوضاع السوق، وتوافر السلع وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين المصريين والأجانب، وبحث المفاوضات التي ستتم مع البنك الدولي بعد أيام، وصرف الشريحة الرابعة والأخيرة وقدرها مليارا دولار من قرض البنك، بعد تأكده من نجاح خطة الإصلاح الاقتصادي، وإعلان شركة مصر للطيران بدء أولى رحلاتها لعمرة رمضان، التي ستنقل فيها مئة ألف معتمر، والاستعدادات الحكومية المتواصلة لمباريات كأس الأمم الإفريقية في الشهر المقبل، وإعطاء وزارة الداخلية الموافقات على استكمال استعداداتها لضمان الأمن، وهو ما أظهرته حاليا من تأمين الأنشطة الفنية والدينية في الميادين، بمناسبة شهر رمضان. أما الاهتمامات الأكبر بالنسبة للغالبية فهي بدء امتحانات الشهادة الإعدادية والاستعدادات للثانوية العامة ورمضان، وبالنسبة للمقالات فمعظمها اتجه للمسلسلات وشن حملات ضد انخفاض مستواها. وإلى ما عندنا….
مسلسلات وبرامج
ونبدأ بالمسلسلات العديدة التي أثار معظمها استياء المشاهدين بسبب تفاهة موضوعاتها وانعدام الحرفية فيها والألفاظ الخادشة للحياء والإيحاءات الجنسية وقال عنها عاصم حنفي في مجلة «روز اليوسف» وهو يقارنها بما كان: «في الماضي القريب وقبل أن نعرف ظاهرة البيه المدير الديكتاتور، والمتحكم الأوحد في اختيار البرامج والنجوم ،عرفنا وتعرفنا على أسامة نور عكاشة ووحيد حامد ومحفوظ عبد الرحمن وصالح مرسى ويسري الجندي، وباقي الكتيبة من كتاب الدراما، يؤلفون من نوعية «ليالي الحلمية» و«رأفت الهجان» ومسلسل العائلة و«سفر الأحلام» و«أحلام الفتى الطائر» و«رحلة أبو العلا البشري» و«بوابة الحلواني» وغيرها من روائع التلفزيون، والغريب يا أخي أنها أعمال فنية راقية بالفعل خالية من المشهيات والمقبلات والفلفل والشطة، مسلسلات لم ترق فيها قطرة دم واحدة، ولم ترتكب فيها جريمة ثأر، ولم تمارس ست الهانم الخيانة مع صديق الاستاذ. المجتمع قطعا ينحدر إلى الخلف ولن تنصلح الأحوال بغير إصلاح حال التعليم وحال التلفزيون، معا كلاهما مرتبط بالآخر، ويشدان معهما الثقافة. والتلفزيون هو «نمبر وان» ولن ينصلح حاله بمحمد رمضان أو غادة عبد الرازق».
خسرت مصر الساحة
تصور سليمان جودة في «المصري اليوم»، في البداية أن الغياب عن شاشة رمضان هذا العام، سوف يكون من نصيب عادل إمام وحده، ثم تبين له ولنا مع بداية الشهر، أن الغياب قد امتد ليشمل كل النجوم والنجمات الكبار، بدون مقدمات، وبدون سبب مفهوم، وهي مسألة لا تزال تبحث عن تفسير. يقول جودة «جاءتني رسالة من الإعلامية الأردنية الأستاذة نسرين أبو صالحة، تضع فيها القضية في إطارها الذي تراه، ليست كإعلامية تعمل في قناة «رؤيا الفضائية في الأردن، ولكن كمشاهدة للدراما المصرية عامًا بعد عام، ومهتمة بها، ومتابعة لها على شاشتنا الرمضانية. نسرين أبو صالحة تتحدث بلسان مشاهدين عرب كثيرين، عاشوا يتابعون دراما شاشة رمضان المقبلة من القاهرة، ثم استيقظوا هذه السنة، فإذا بهذه الدراما غائبة، وإذا بالنجوم والنجمات بعيدين عنها، وإذا بهم في بيوتهم يتابعون من مقاعد المشاهدين. وما وصل إليها في عمان، أنباء مختلفة ومتباينة، ومعلومات تتردد ولا تجد أحدًا يؤكدها أو ينفيها، ومنها مثلا أن حكومتنا تدخلت في إنتاج الأعمال الدرامية الرمضانية، لأول مرة، وهذا سبب من أسباب ما حدث، ثم هناك سبب آخر هو أن التدخل أدى إلى وضع سقف للأجور، التي يتقاضاها نجوم ونجمات الصف الأول، وكانت المشكلة أن السقف جاء أقل بكثير مما كان كل نجم يحصل عليه من قبل في كل سنة، فرفض هذا النجم، ورفضت هذه النجمة، فجلسوا جميعًا في البيت. وكنت قد تناولت المسألة في هذا المكان وتساءلت: أين عادل إمام، وأين يسرا، وأين يحيى الفخراني، وأين ليلى علوي، وأين باقي النجوم ممن اعتاد مشاهدو دراما متابعة أعمالهم في رمضان من كل سنة؟ وتضيف أبو صالحة اسمًا آخر وتتساءل بدورها: وأين نيللي كريم أيضًا؟ ثم تقول إن النتيجة كانت أن الشاشة خلت إلا من أسماء، لا نقول إنهم كومبارس، حتى لا نقلل من شأنهم، ولكنهم من نجوم الصف الثاني، ثم كانت النتيجة كذلك، أن الساحة بدت خالية أمام الدراما الخليجية واللبنانية والأردنية، وغيرها، مما يراه المشاهد هذه الأيام، وهو يتجول بالريموت كنترول باحثًا عن شيء يروي عقله على الشاشات. انتهت الرسالة التي تتطلع إلى الصورة من بعيد، فتراها أوضح بالضرورة، وبقي هذا السؤال: لماذا تدخلت الحكومة في دراما رمضان؟ وسؤال آخر: هل كان من حقها أن تتدخل؟ وسؤال ثالث: كيف جاءت عواقب تدخلها في قضية تحكمها السوق وحدها في النهاية على المستوى الاقتصادي بالذات، ثم يحكمها ذوق المشاهد، وإقباله على عمل فني هناك، وانصرافه عن عمل هناك مصر خسرت حضورًا مستحقًا لها على الساحة، قبل أن يخسر النجوم تواجدًا لهم على الشاشة».
مسلسلات بلا فكر
أما فاروق جويدة في «الأهرام» فاعترف في مقاله قائلا: «انسحبت مبكرا من أمام شاشات التلفزيون لأسباب كثيرة، أهمها انني لا أشاهد فنا حقيقيا ولا أتابع دراما حقيقية، إنها وصلات من الهزار وخفة الدم والقفشات، وقد تضحك على بعضها أو لا تضحك، أنت أمام مسلسلات بلا فكر ولا دراما ولا شخصيات، أنت أمام اسكتشات فكاهية كتبتها مجموعة من الهواة، وتركوا للممثلين تنفيذ كل شيء، ولا أجد مبررا لكل هذه الوجوه الجديدة التي دفعت بها شركات الإنتاج للشاشة مرة واحدة، إنها مباراة في السخرية أكثر منها دراما حقيقية، نحن أيضا أمام أعداد مخيفة من الإعلانات في منافسة شرسة بين الشركات والمؤسسات، وكلها إعلانات ساذجة تتنافس في العنف والضرب والصراخ. الإعلانات تأخذ المساحات الأكبر على الشاشات، وهي تتجاوز ساعات عرض أحداث المسلسل، ولكنها تدور حول شركة أو شركتين في منافسة كان المشاهد أول ضحاياها. الشاشة هذا العام غريبة في أشياء كثيرة وكأنها تحاول التخلص من كل القديم والدفع بوجوه جديدة، وكأن الشركات المنتجة أو من يخطط فيها لا يريدون شيئا من الماضي، لقد غابت تلك الوجوه التي اعتاد عليها المشاهد سنوات طويلة، وكأن الهدف إلغاء كل صور الماضي، والدفع بصور جديدة ربما اعتاد عليها المشاهد، كان شيئا غريبا أن تختفي يسرا ومعها ليلى علوي ويحيى الفخراني، وفي المقدمة كان عادل إمام أن هذا الرباعي يمثل كتيبة فنية من طراز رفيع تاريخا وأداء وفنا، هل من السهل استبدال هذه الرموز بشباب واعد، نحن لسنا ضد النجوم الشباب ولكن صناعة النجم ليست بالتعتيم على الآخرين، خاصة إذا كانوا أصحاب تاريخ وفن حقيقي، إذا كان الهدف حجب الرموز في الفن المصري فهذه خطيئة وإذا كان الهدف فتح أبواب لأجيال جديدة، فإن ما حدث يسيئ للفن المصري كله، هناك حالة ارتباك هذا العام في عالم المسلسلات، لا أحد يعرف أسبابها، وهناك عملية استبدال مريبة وفي تقديري أن فيها إساءة كبيرة لرموز فنية صاغت وجدان هذا الشعب سنوات طويلة».
سؤال حتمي
وفي صفحة نجوم وفنون في «أخبار اليوم» شن محمد قناوي هجوما قال فيه: «إن ما يحدث يقودنا إلى السؤال الحتمي، لماذا تراجعت الدراما المصرية ولم تعد كما كانت في السابق؟ الإجابة في منتهي البساطة: في السابق كان النص الدرامي أو السيناريو هو البطل الرئيسي ومن بعده تأتي بقية العناصر من إخراج وتمثيل وتصوير وإنتاج؛ أما اليوم فانقلبت الآية، وأصبحت سطوة السوق وسيطرة المنتجين على كل التفاصيل هي المحرك للعمل، بغض النظر عن مدى أهمية وقيمة النص الدرامي؛ ولم يعد المؤلف أو المخرج أو حتى الممثل هو المسؤول عن العمل، بل أصبح المعلن هو صاحب السطوة والنجم الحقيقي لأي عمل درامي، فهو الذي يتحكم في نوعية الموضوعات واختيار الممثلين والمخرجين؛ فلم تعد لجملة «الجمهور عاوز كده» محل من الإعراب؛ بل أصبح ما يريده التجار والمعلنون؛ وكلنا نعرف ما يريدون هو جني الأرباح والمكاسب فقط ؛ فإذا نظرنا إلى ما يعرض من أعمال تتجاوز الـ25 عملا دراميا متنوعا؛ عدد كبير منها لا يشبهنا ولا يشبه مجتمعنا ولا يناقش قضايانا فانصرف المشاهد عن متابعتها».
كاركاتير
وعن مساحات الإعلانات في المسلسلات أخبرنا الرسام أنس الديب في «البوابة» أن صديقنا له كان يشاهد مسلسلا، وفجأة خرج من التلفزيون رجل وقال له: قوم إعمل لنا لقمة ناكل على ما الإعلانات تكون خلصت.
حكومة ووزراء
وإلى الحكومة ومطالبة معتصم راشد في مقال له في «الأهرام» مجلس النواب بضرورة مراجعة الحكومة عند عرض الميزانية الجديدة عليه بسبب الاخطار التي تتعرض لها البلاد نتيجة زيادة الديون، وخوفها وعدم وجود نمو حقيقي وقال تحت عنوان «خدعة معدل النمو»: «من حقنا أن نتساءل، ما هي مصادر تمويل الاستثمارات الحكومية والمقدر لها أن تصل إلى 13٪ من إجمالي المصروفات، مقابل 8٪ في عام 15/2016؟ حيث اعتمدت الحكومة على تمويل جانب من الاستثمارات، من خلال القروض لترتفع نسبة الفوائد من إجمالي المصروفات الحكومية في مشروع الموازنة إلى 36٪ مقابل 30٪ عام 2015/2016 وهو أمر صعب أن يستمر. هناك ـ أيضا ـ علامات استفهام حول قدرة الحكومة على تحقيق مزيد من الخفض في عجز الموازنة في المستقبل، خاصة أن الخفض الذي تحقق كان على حساب مخصصات الدعم والمنح في الأساس، بالإضافة إلى عدم تنويع مصادر الإيرادات الضريبية على نحو كبير، ورفض فكرة الضرائب التصاعــــدية بدون مبرر، وهو ما يؤكد ضرورة المضي قدماً بخطى متسارعة في الإصلاحات المؤسســـية، سواء على مستوى الحكومة المركزية، أو على مستوى الهيئات الاقتصادية، لزيادة كفاءة عملياتها وتخفيض نفقاتها، بدون المساس بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين. أيضا نتساءل: هل زيادة الأجور والمرتبات هو الإجراء الأنسب لمواجهة التضخم، أخذا في الاعتبار أنه حتى بعد الزيادات في الأجور والمرتبات ما زال هناك «انخفاض في الدخل الحقيقى للفرد» ينعكس ويظهر في «القوة الشرائية»، علاوة على أن زيادة الأجور والمرتبات تطبق فقط على الموظفين الحكوميين، فماذا عن الموظفين في القطاع الخاص والمهن الحرة؟ والحكومة مطالبة بأن تفصح عن الإجراءات المتخذة لمساعدة جميع المواطنين على مواجهة التضخم، في ظل ضعف الرقابة على الأسواق وضعف منظومة التجارة الداخلية وهي أحد أسباب التضخم».
أزمة ثقة
شعرة ويصاب المستثمرون في البورصة بالجنون، وصل الأمر إلى أن السواد الأعظم منهم، كما رآهم صلاح الدين عبدالله في «الوفد» وحدثنا عنهم، باتوا «يحدثون أنفسهم» وكأن أصابتهم «لوثة دماغية»، بعد فقدان محافظهم وأرصدتهم المالية طوال الأشهر الماضية، وتحولت معظمها إلى أرصدة مدينة. المذابح الدامية التي تتعرض لها الأسهم منذ منتصف العام الماضي، وخسارة نحو 145 مليار جنيه من قيمتها السوقية، وفقدان مؤشر البورصة الرئيسي أكثر من 2300 نقطة، وأحجام تداول وصلت لقيم «تكسف»، يتطلب وقفة متأنية لبحث الأسباب والمبررات الحقيقية، التي أسهمت في تفاقم المشهد إلى هذا الحد، الذي يشير إلى أن السوق المحلية «بلا بورصة». مؤشرات الاقتصاد تشير إلى تعافٍ شديد، في القطاعات المختلفة، الوضع صار أفضل بمراحل، والتقارير الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية «مبشرة»، وهذا إيجابي على حركة مؤشرات البورصة، لكن ما يحدث على شاشات التداول، لا علاقة له بهذه المؤشرات الإيجابية. الاضطرابات التي شهدتها الأسواق الناشئة، والصراع التجاري الأمريكي، الصيني الذي يتكشف بين الحين والآخر، قد يكون سبباً، ولكن ليس شماعة يعلق عليها ذلك. حقيقة الأمر أن المشهد برمته يؤكد أزمة ثقة بالبورصة، رغم تكاتف الجهات الرقابية، وجمعيات سوق المال من أجل تنشيط السوق بأدوات ومنتجات جديدة، لعل وعسى. نعم أزمة تسببت فيها الحكومة من خلال برنامج طروحات يتكشف يوماً بعد الآخر عدم التعامل معه باحترافية، وإدارته بعشوائية، وفقدان دقة المعلومات الخاصة بقيم أصول الشركات المجهزة للطرح، وما حدث مع شركة مصر الجديدة للإسكان التي تم تأجيل طرحها، ليس بعيدا، بعدما اكتشفت الحكومة أن الشركة تمتلك أصولا بالمليارات. فقدان الثقة دفع الكثير من المستثمرين، بتوجيه أرباحهم من الشركات المساهمين فيها، إلى مصادر استثمار أخرى، بعدما كانت تتم إعادة ضخها في البورصة من جديد، أزمة ثقة بسبب «إسهال» الضرائب على السوق، التي صارت «بعبعاً» للمستثمرين،. أزمة ثقة بسبب الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع رغم تعافي العملة المحلية أمام الدولار، وهذا من شأنه أن يضع البورصة في موقف لا تحسد عليه يا سادة. لن يتغير الحال في البورصة إلا من خلال عودة الثقة للمستثمر من جديد، باهتمام كافة الجهات الحكومية بهذا الملف، اليد الواحدة من الرقابة المالية والبورصة وجمعيات سوق المال لا تصفق وحدها».
العلاج الآمن الشامل
«الصحة والعلاج الآمن الشامل حق من حقوق المواطن المشروعة والبسيطة، التي جعلتها الحكومات المتعاقبة أضغاث أحلام له، يستحضرها في منامه، أو بالكاد تتردد في صدره عند زيارته لأي منشأة صحية حكومية، لكن عندما تتحدث الحكومة كما يقول أحمد حسين في «الشروق»، عن هذا الحق وتُصيغه في قانون يصدر بالفعل اسمته (التأمين الصحي الشامل)، ومع اختلاف البعض على تفاصيله، إلا أن ترويج الحكومة لقرب تنفيذه جعل المواطن ينتقل بحلمه إلى خانة الهدف القابل للتنفيذ. منذ أيام صدر بيان مشترك من مجلس الوزراء ووزارة الصحة، أن بداية التطبيق ستكون في الموعد المحدد، وأن طلب الوزيرة بزيادة الميزانية كان لرغبتها في ضغط المدة الزمنية لتطبيق القانون على جميع محافظات الجمهورية. بالقطع الوصول بالمنظومة الصحية لمعايير الجودة يحتاج أضعاف تلك الميزانية، ولكن ما يُخصص حاليا على قلته لا يُحقق ما يوازيه من إنجاز، وقد يفاجأ الكثير في أن الميزانية الحالية لا تُصرف كاملة، أبواب الأجور والجهود هي التي تُصرف عن آخرها في الأغلب، لوجود تداعيات وآليات مُلزمة للصرف في مدة زمنية محددة يصعب أو يُجرم تعطيلها، أما ما عداها فتعوق البيروقراطية والإهمال والسلبية أي محاولات للإنجاز، فغياب المساءلة عن عدم الإنفاق على الاحتياجات وقصرها فقط على الإنفاق بدون وجه حق، جعلت قاعدة الرفض أو التعطيل هي الأحوط عند المسؤول المختص، كثير من مستشفيات وزارة الصحة تحتاج مرافقها وأجهزتها للصيانة والإصلاح، عدم الصيانة هي المشكلة الأكبر التي تتفاقم كل عام، في مقابل أن البند المالي المُخصص لها لا يصرف كاملا للبيروقراطية والتعنت في التعاقد مع فنيين أو شركات للصيانة، أتذكر المثال الأندر الذي شذ عن القاعدة وهو مستشفى دار الشفاء الذي نجح مديرها الأسبق في تكوين فريق صيانة خاص به، ما جعله نموذجا تستشهد به وزارة الصحة في أداء الخدمة الجيدة، وعلى القياس نفسه يحدث في باب الميزانية السادس الخاص بالإنشاءات والتطوير والتجهيزات، يُضاف إليه أن غالب التعاقدات لجميع المستشفيات يكون مركزيا في ديوان وزارة الصحة، وقد يؤدي ذلك إلى غياب العدالة في ترتيب الأولويات، إضافة إلى إسناد تنفيذ معظم المشروعات إلى جهات حكومية تتراكم عليها فتقل نسب تنفيذها في مقابل حصولها على دفعات مالية مقدمة، ما يعني صرف مبالغ نقدية بدون تنفيذ فعلي في مقابلها. مشكلة أخرى أحيانا تكون الأبرز في عدم استغلال الميزانية وهي الصعوبة القصوى في نقل الأموال المخصصة من باب لآخر، أو من بند لآخر في الميزانية، فذلك إجراء يتطلب موافقة وزارات الصحة والتخطيط والمالية. منذ خمس سنوات نجحت فقط بتواصل شخصي مع مستشار أحد الوزراء في الحصول على موافقة وزيري التخطيط والمالية، بعد وزارة الصحة على نقل مبلغ 13 مليون جنيه من بند (آلات ومعدات) إلى بند (المباني والإنشاءات) في ميزانية الصحة النفسية، أنقذت وقتها مشروعات أربعة مستشفيات من التعثر، أتذكر اندهاش مسؤولي وزارة الصحة وقتها من حصولي على تلك الموافقة، لدرجة مازحني أحدهم (أنت زورت الموافقة دي). طابور من مسببي التعويق يكون الأبرز بينها، وزارة المالية بمندوبيها في المنشآت الصحية، موظف ومدير نستطيع أن نصفهم بإحدى أو جميع صفات التعنت، وعدم الاكتراث أو الأيدي المرتعشة، والنتيجة واحدة وهي الإهدار بتأخير الإنفاق على الاحتياجات، فيتأخر معه الإنجاز وتتضاعف المطالب المالية بعدها سواء لغلاء الأسعار أو لتفاقم المشكلات. وزير الصحة السابق ومن شاركوه الاستعجال في إقرار قانون التأمين الصحي أخطأوا في عدم التمهيد لتطبيقه، فعدم وجود بنية تحتية وإمكانيات وغياب البيانات والإحصائيات الدقيقة وعدم وجود عمالة مُدربة كافية وتجاهل المشكلات بدلا من حلها لصنع مجد شخصي زائف، كل ذلك أدى إلى تخبط وعشوائية لتصل بالوزيرة الحالية بعد عام ونصف العام من إقرار القانون إلى محاولة التبرؤ منه والتبرير لعدم تطبيقه حتى بعد المحاولات الجاهدة لعلاج بعض المشكلات ومسكنات لأخرى التي لم تشفع، ما يوضح حجم التسرع وكارثية الأخطاء. قد يكون اعتراف وزيرة الصحة بالخطأ وتحديد المشكلات ووضع طرق عملية لحلها هو بداية الإنجاز، وقد يكون الخوف من الهجوم دافعا للاستمرار في تجاهل المعوقات ينتج عنه مزيد المشاكل».
معارك وردود
وإلى المعارك والردود وأولها إشادة محمد السيد صالح في «المصري اليوم» بالأنفاق الضخمة التي افتتحها الرئيس السيسي، وتربط غرب القناة بشبة جزيرة سيناء، واعتبرها أهم مشروعات نفذها السيسي، وانتقد مشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة وتوقع تحولها إلى كومباوند للأغنياء، في وقت يزداد فيه الفقر وقال: «اكتمال بناء الأنفاق أسفل القناة لوصل جسد الوطن بسيناء هو أعظم إنجازات عهد السيسي على الإطلاق، أعظم من تفريعة القناة ومن «الإصلاح الاقتصادي» والمدن الجديدة كلها بما فيها «العاصمة الإدارية»، التي أخشى أن تتحول بالتدريج إلى «كومباوند» مغلق للأغنياء وللصفوة من رجال الدولة ووزاراتها المهمة، وهيئاتها السيادية، بعيداً عن الفقراء الذين زاد عددهم مؤخراً. العبور لسيناء عمل صعب محفوف بالمخاطر، سواء أكان عن طريق نفق الشهيد أحمد حمدي أو عن طريق المعديات، أما «كوبري السلام» فهو شبه مغلق تمامًا، إلا لأغراض أمنية، أو لعبور شخصيات عليا في الدولة. هناك مبررات مفهومة ومقنعة لتشديد هذه الإجراءات مع ما نواجهه من الجماعات الإرهابية في شمال سيناء، لا بد من ممارسة عمليات مراقبة وتفتيش بدقة عالية، وكذلك فحص كل البضائع والمتعلقات المارة بالاتجاهين، لكن أعتقد أن هذه الإجراءات تتم بأساليب عتيقة جداً، وبدون تكنولوجيا حديثة. اقتربت من معاناة عشرات الأهالي من السكان والطلبة والمستثمرين، استمعت إلى شكاوى كثيرين من ملاك الأراضي المستصلحة هناك، والذين يعانون في المرور وفي نقل الأسمدة، وكذلك في صعوبة العودة بالمحصولات الزراعية التي يتلف معظمها، يشكون من غياب الشفافية والمساءلة وضياع حقوقهم في أراض استصلحوها وزرعوها، أو حولوها لمزارع سمكية، لكن قرارات سيادية صدرت بمصادرتها. أتمنى ظهور عهد جديد يعبر لسيناء، من خلال هذه الأنفاق فيه تنمية واستقرار وانتصار على الإرهاب. لقد تفاءلت كثيراً وأنا أقرأ تقريراً صحافيًا عن زمن المرور من الانفاق والرسوم البسيطة المفروضة، ومعها تصريحات للفريق مهاب مميش، بأن وقت العبور- العشرين دقيقة- يتضمن جميع الإجراءات الأمنية. أتمنى أن تتحقق على الأرض كل مخططات التنمية التي استمعت إليها مؤخراً من القيادات التنفيذية والعسكرية، وهي لا تختلف في جوهرها كثيراً عن الخطط القديمة، التي ظهرت بعد تحرير جزء من سيناء في عهد السادات، واكتملت الخطط – على الورق- ثم تعطلت واقعيًا في عهد مبارك، لو شاء لي القدر وجلست مع الرئيس الأسبق وتمكنت من توجيه سؤال واحد له سيكون عن تعطيل التنمية في سيناء، وما هي مبرراته لذلك، رغم وجود الخطط والأموال. تنمية سيناء وزرعها بالبشر والمشروعات والعمران هو خير وسيلة للقضاء على الإرهاب، هو رد على الأرض تجاه ما يتردد حاليا بشأن «خطة القرن»، التي تتضمن في تسريباتها الأخيرة اقتطاع جزء من سيناء لبناء مطار ومناطق صناعية لسكان غزة فوقها. الفلسطينيون لهم أرضهم وهم أولى بها آلاف الشهداء المصريون دفعوا حياتهم من أجل فلسطين ومقدساتها، آلاف آخرون استشهدوا لتحرير سيناء من الصعب، بل من المستحيل أن نمنح أرضًا تخضبت رمالها بدماء أولادها للغرباء أيا كانت المبررات».
الحنين للقبضة الفولاذية
والمعركة الثانية خاضها في «الجمهورية» السيد البابلي دفاعا عن اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية في عهد مبارك، بسبب حكم البراءة الذي حصل عليه من القضاء من تهمة استغلال النفوذ ووصفه بأنه اسطورة وقال عنه: «الأسطورة هو حبيب العادلي آخر وزير للداخلية في عهد حسني مبارك، الرجل الذي حصل قبل عدة أيام على حكم من محكمة الجنايات ببراءته و8 آخرين من قيادات الداخلية من تهم تتعلق بالفساد المالي، والإضرار بالمال العام. والعادلي وهو آخر وزير للداخلية نتذكر اسمه كان خلال عمله وزيراً للداخلية هو الرجل القوي في مصر، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة لأن نظام الرئيس مبارك كان يعتمد على وزارة الداخلية في التصدي لكل أزمات الدولة، وفي السيطرة على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ومنحته هذه الصلاحيات نفوذاً هائلاً في صناعة القرار، وفي التعيينات والترشيحات الحكومية، غير أنها لم تمنحه القدرة على إقناع حسني مبارك بخطورة ما يتم الإعداد والتجهيز له من حركات احتجاجية، تأخذ أشكالاً جديدة، وعندما وقعت أحداث يناير/كانون الثاني 2011 فإن العادلي وجد أن شكل الاحتجاجات يأخذ مساراً يفوق قدرات الداخلية، فقرر الانسحاب من ميدان التحرير، قبل أن تكون هناك مواجهات دموية، وظل العادلي هو أسطورة الداخلية حتى بعد تغيير شكل ونظام الحكم، خاصة مع حالة الفوضى التي سادت البلاد في أعقاب نجاح احتجاجات يناير والفراغ الأمني الذي كان مؤرقاً للجميع وحيث كان هناك نوع من الحنين لأيام العادلي والقبضة الأمنية».
«رمضان كريم رغم أنوفهم»
وفي «الوفد» شن إسلام الشافعي هجوما عنيفا على الذين دعوا في السوشيال ميديا إلى عدم استخدام عبارة التهنئة الشهيرة بمقدم شهر رمضان، وقال تحت عنوان «رمضان كريم رغم أنوفهم»: «مع بداية شهر رمضان الكريم، انتشرت ملصقات على وسائل التواصل الاجتماعي «انتشارا مريبا» تحذر من التهنئة بمقدم الشهر بالقول «رمضان كريم» ويستند أصحاب ذلك المنشور إلى أن الشهر ليس كريما، بل الله هو الكريم ويدللون على استنتاجهم البائس بأن صحابة رسول الله لم يستخدموا هذا اللفظ في التهنئة بمقدم رمضان. ما يهمني هنا ليس تلك الثرثرة المعتادة على وسائل التواصل، أو الاختلاف والجدل على كلمات لا تقدم شيئا أو تؤخر لكنه ذلك الفهم العقيم والإصرار على نشره وتمويله، فمثل تلك الترهات لا تصدر إلا عن مدرسة بعينها، أغرقت الأمة في بحور من الجدل والصراع والدماء، وألصقت بالإسلام كل ما يشينه إنها مدرسة التطرف في النقل لا العقل، التي تطورت مع الزمان لتصبح معاداة العقل، أما الاحتجاج بأن الله هو الكريم فهذا باب آخر لهؤلاء في عدم الفهم، فالمولى عزّ وجل تقدست أسماؤه وصفاته، وهذا لا يمنع أن يحمل أي من مخلوقاته بعضا من تلك الصفات، وإن اختلفت في كنهها وكيفيتها وتبارك الله أحسن «الخالقين»، ولا يمنع أن يكون بين مخلوقاته قوي وكريم ورحيم ولا ينازعه شيء في أسمائه أو صفاته جل وعلا علوا كبيرا. هؤلاء هم أصحاب فقه «يستتاب فإن تاب وإلا قتل» هؤلاء هم من آلوا إلا أن يكدروا على المسلمين كل صفو، وأن يبقوا شوكة للخلاف والفرقة في الأمة، ولكل هؤلاء أقول أعطاكم الله ما تدعون إليه وجعل رمضانكم غير كريم. أما أمة الإسلام وأحباب محمد فرمضانكم كريم رغم أنوفهم».
مصر والحرب خارج الحدود
أخيرا إلى مشروع «صفقة القرن» الذي ستعلنه أمريكا بعد عيد الفطر، والمأزق الذي ستواجهه الدول العربية، حيث طالبها صلاح دياب صاحب «المصري اليوم» في عموده الذي يوقعه باسم نيوتن بإدخال تحسينات عليه وأشاد بثبات موقف مصر وسياساتها بقوله: «هذه الصفقة التي قد تمثل مفاجأة لبعض الدول، بالتأكيد لن تكون مفاجأة لكل الدول، المهم ماذا سوف يكون موقف مصر منها؟ كيف تتعامل مع هذه الصفقة. مصر مع الوقت والتاريخ أصبحت هناك عدة ثوابت تتحكم في سياستها، لا تستطيع أن تحيد عنها، هي مثلا لن تدخل في أحلاف شرقية أو غربية هذا ثابت، تحدد منذ حلف بغداد. من الثابت أيضا أنها مع بقاء أي دولة عربية موحدة وغير مقسمة، هذا كان موقفها مع سوريا، بصرف النظر عمن يحكمها. من الثوابت أيضا أن مصر لا تحارب خارج حدودها إلا لاستعادة حق مسلوب، وهذا ما منعها من الاشتراك مع القوات السعودية والإماراتية في عمليات اليمن، لذلك يجب أن تكون مصر مستعدة للتعامل مع صفقة القرن، ليس بالقبول المباشر أو بالرفض الصادم، بل بأكثر الردود حكمة أن تستعد ببدائل وتعديلات للصفقة، تتناول نقاطًا معينة حتى تلقى قبولًا بشكل أو بآخر، أو على الأقل ما يقارب الإجماع، حتى لا تترتب على صفقة القرن حرب أهلية سياسية بين دول عربية وبعضها بعضا».