إسطنبول ـ «القدس العربي»: تتزايد الإشارات من الجانب التركي إلى وجود اتصالات ولقاءات ثنائية مع المسؤولين المصريين، في الوقت الذي تسعى فيه أنقرة لتعزيز موقفها من الصراع المتزايد شرقي البحر المتوسط، عبر توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع مصر، التي تؤكد أنقرة أن مصر ستكون الرابحة من الاتفاق وستستعيد حقوقا كبيرة جداً فقدتها من الاتفاقيات السابقة التي وقعتها مع اليونان وقبرص.
ومنذ أيام ألمح عدد من المسؤولين الأتراك إلى وجود اتصالات على «المستوى الاستخباري» بين مسؤولين من البلدين، وذلك على الرغم من الخلافات الحادة جداً والتراجع الكبير الذي وصلت إليه العلاقة بين الجانبين حول ملفات مختلفة أبرزها الانقلاب العسكري في مصر ودعم تنظيم الإخوان المسلمين، والموقف من الثورات العربية، والتطورات العسكرية الأخيرة في ليبيا، إلى جانب الصراع القائم شرق البحر المتوسط.
«ليس هناك ما يمنع»
أحدث وأبرز هذه الإشارات، جاءت أمس الجمعة على لسان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي قال رداً على سؤال حول وجود اتصالات مع مصر وإمكانية توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين: «إجراء محادثات استخباراتية مع مصر أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا».
وسبق ذلك بيوم واحد، تصريح وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، بعدم وجود اتصالات سياسية مع مصر «فقط مباحثات على مستوى الاستخبارات» وهو بمثابة أول تأكيد رسمي بوجود الاتصالات على هذا المستوى، كما أرسل الوزير رسائل إيجابية بتأكيده أن اليونان وقبرص و«ليس مصر» من انتهكوا الجرف القاري التركي في الاتفاقيات الثنائية التي تم التوقيع عليها بين الجانبين.
وقال: «لقد احترمت مصر حقوقنا في هذا الصدد، ومن ثم لا أريد أن أبخسها حقها بدعوى أن العلاقات السياسية بيننا ليست جيدة للغاية، وبالتالي فإن إبرام اتفاق مع مصر بهذا الخصوص يقتضي تحسن تلك العلاقات السياسية».
وفي الإطار ذاته أيضاً، جاءت تصريحات ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي لشؤون الحزب الذي أكد في لقاء مع موقع «عربي 21» على ضرورة أن يكون هناك تواصل بين مصر وتركيا، بغض النظر عن أي خلافات سياسية قائمة، لافتاً إلى أن «الحكومتين والشعبين يجب أن يتقاربا بغض النظر عن أي خلافات بين الرئيسين».
وعلى الجانب المصري، جاء تعقيب واحد فقط على تصريحات أقطاي على لسان وزير الخارجية سامح شكري، الذي قال: «إننا نرصد الأفعال والحديث والتصريحات، ولكن إذا كان هذا الحديث غير متوافق مع السياسات فلا تصبح له أهمية» لافتاً إلى ضرورة اتباع تركيا سياسيات مختلفة في سوريا وليبيا والعراق.
والشهر الماضي وقعت اليونان ومصر اتفاقية لترسيم الحدود البحرية رفضتها تركيا واعتبرت أنها تنتهك الجرف القاري لها، وقبل ذلك عام 2003 وقعت قبرص مع مصر اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية، أيضاً رفضته تركيا التي بدأت تؤكد أن رفضها بسبب انتهاك المناطق التي تبنتها قبرص واليونان جرفها القاري، وأن المناطق المصرية الواقعة ضمن الاتفاقين لا تنتهك الجرف القاري التركي.
تحسن متزايد في العلاقات الاقتصادية رغم الخلافات السياسية
كما ترى تركيا أن مصر خسرت مناطق كبيرة من حقوقها في شرق المتوسط لصالح اليونان وقبرص الجنوبية وأنها، في حال وقعت على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا، ستستعيد مناطق شاسعة وسوف توسع مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر، وهي النقطة التي يبدو أن المحاولات التركية تستند عليها في محاولة إقناع القاهرة بالتوقيع على اتفاق لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين.
منافع لمصر
وبين الجنرال المتقاعد من القوات البحرية التركية، يحيى يايجي، أن مصر خسرت الكثير من المناطق في اتفاقياتها مع اليونان وقبرص، معتبراً أنه في حال وقعت مصر اتفاقية لترسيم الحدود البحرية «سوف تستعيد 6000 كيلومتر مربع خسرتها مع اليونان و11500 خسرتها مع قبرص الجنوبية وهي منطقة في مجملها تعادل ضعفي مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة لجزيرة قبرص».
وشدد على أن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع مصر هو أمر مهم جداً لتركيا لكنه مفيد جداً أيضاً للبلدين، ومصر سوف تستفيد منه كثيراً، على حد تقديره، معتبراً أنه يمكن التوقيع على هكذا اتفاق مع مصر لأن «العلاقة بين الدول غير مبنية على توجهات المسؤولين وإنما على مصالح الدول والشعب».
وخلال الأسابيع الماضية، انتقدت المعارضة التركية على نطاق واسع سياسة الحكومة في شرق البحر المتوسط، معتبرة أن تركيا بدت وحيدة ومعزولة بسبب ما اعتبروها «سياسات خارجية خاطئة» وتركزت الانتقادات على فشل تركيا في التوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر مقابل نجاح اليونان في ذلك. واعتبر حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة أن ذلك بسبب «السياسات الخاطئة لأردوغان وتخريب العلاقات مع مصر من أجل تنظيم الإخوان المسلمين».
وخلال السنوات الماضية، أظهرت أرقام عن إجمالي حجم التبادل التجاري بين تركيا ومصر وصوله إلى مستوى تاريخي غير مسبوق وذلك على الرغم من تعاظم الخلافات السياسية بين البلدين وتشعبها إلى ملفات أخرى تتعلق بالخلاف على الغاز في شرقي البحر المتوسط والنفوذ في ليبيا والسودان، بعد ان كانت محصورة في ملف الانقلاب العسكري على الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
وحسب مصطفى آريغور القائم بأعمال السفير التركي في مصر فإن التبادل التجاري بين البلدين عام 2018 حقق رقماً قياسياً تاريخياً بلغ 5.24 مليار دولار، حيث بلغ حجم الصادرات التركية إلى مصر 3.05 مليار دولار، والواردات التركية من مصر 2.19 مليار دولار، وذلك حسب البيانات النهائية لهيئة الإحصاء التركية.
ويعتبر هذا الرقم أكبر بقليل من الذي وصل إليه حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2012 والذي بلغ 5.1 مليار دولار، أي في العام الذي سبق تفجر الخلافات السياسية بين البلدين عقب الانقلاب العسكري واعتراض تركيا على فض الاعتصامات بقوة السلاح وتنفيذ إعدامات بحق معارضين مصريين.
ومنذ تصاعد الخلافات عام 2013 قررت مصر طرد السفير التركي في القاهرة وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، وهو ما ردت عليه تركيا بخطوة مماثلة، ومنذ ذلك التاريخي لم تحصل أي لقاءات سياسية أو وساطات لاحتواء الأزمة بين البلدين باستثناء التحسن المتنامي في العلاقات الاقتصادية.
وتنطلق تركيا بهذه السياسة من مبدأ أن العلاقات الاقتصادية مرتبطة بدرجة أساسية بالقطاع الخاص وليس العام، ومتعلقة بدرجة أساسية بمصالح الشعوب، وتؤكد على ضرورة منع تضرر مصالح الشعوب المتعلقة بالاقتصاد ومستلزمات الحياة بالخلافات السياسية بين الحكومات.
وإلى جانب ذلك، لم تكن أنقرة أو القاهرة في رفاهية تحويل الأزمة السياسية إلى أزمة اقتصادية بين البلدين وذلك في ظل الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها مصر، وتركيا بدرجة أقل، لا سيما وأن هناك ما لا يقل عن 200 مصنع وشركة تركية كبرى في مصر يستفيد منها بشكل مباشر عشرات آلاف الأيدي العاملة في مصر، وأعداد أكبر بكثير بشكل غير مباشر.
وما زالت تركيا تشترط بدرجة أساسية حصول تغيير سياسي حقيقي في مصر يمكن أن يكون على شكل مصالحة وطنية توقف تهميش المعارضة ووصفها بالإرهاب، إلى جانب وقف الاعتقالات السياسية والإعدامات للمعارضين من أجل التقارب مع النظام المصري الحالي، وهو ما لا يبدو وارداً في الأفق.
مصر اشترطت على تركيا تسليم زعماء الاخوان المسلمين الى مصر من الجنسية المصرية وسحب القوات التركية من ليبيا.
ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا لن يكون بأي حال من الأحوال سفينة نجاة للسفاح السيسي وعصابته الإرهابية الإنقلابية … فهم قاب قوسين أو أدنى من حبل المشنقة …!