إسطنبول – رائد الحامد: منذ مقتل قائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني، في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، تعمل إيران بجهد واسع النطاق على زيادة الضغط على القوات شبه العسكرية والكتل والأحزاب السياسية العراقية الحليفة لها.
هذا الضغط الإيراني يستهدف دفع حلفاء طهران في بغداد إلى الضغط بدورهم على الحكومة الاتحادية، لطلب إخراج القوات الأجنبية، الأمريكية بالمقام الأول، وكذلك زيادة الضغط العسكري على قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية، عبر تنفيذ هجمات على مراكز تواجدها بالعراق، لإرغامها على مغادرته. وتصاعدت المشاعر “المعادية” للولايات المتحدة في العراق، بعد اغتيال كل من سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وقادة آخرين، في غارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي.
شجعت عملية الاغتيال مجلس النواب العراقي على التصويت لصالح قرار لإخراج القوات الأجنبية، لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراء بشأن القرار حتى الآن، في ظل الأزمة السياسية المصاحبة لتشكيل حكومة “انتقالية”، خلفًا لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة منذ الأول من ديسمبر/ كانون أول الماضي.
وعلى عكس التوقعات الأمريكية، فإن اغتيال سليماني لم يردع الحرس الثوري الإيراني عن مواصلة سعيه إلى استثمار قدرات القوات الحليفة له لشن مزيد من الهجمات على المصالح والقوات الأمريكية لإرغامها على الانسحاب من العراق، بعد أن “فشلت” في إجبار حكومة عبد المهدي على “طرد” القوات الأمريكية.
وفي أعقاب عملية الاغتيال، نسّق “حزب الله” اللبناني اجتماعات، برعاية إيرانية في طهران، لقيادات فصائل الحشد الشعبي العراقي، لتشكيل جبهة مقاومة “إسلامية” موحدة، تضم أهم الفصائل، لاستهداف المصالح والقوات الأمريكية.
وتقدم قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، دعما متعدد الجوانب للقوات الأمنية العراقية، منذ تشكيله في أعقاب أحداث الموصل، عام 2014، بهدف قتال تنظيم “الدولة”، الذي لا يزال ينفذ هجمات “مميتة” على القوات الأمنية وقوات الحشدين الشعبي والعشائري، في مناطق نائية، مثل الصحاري غربي العراق والجبال في شمال غربه.
تدرك القيادات العسكرية العراقية حاجة القوات الأمنية إلى الدعم التسليحي والذخيرة والتدريب والاستشارات الأمريكية، وتوفير قطع الغيار للآليات وطائرات (F-16) أمريكية الصنع، رغم مساع تبذلها بغداد لتنويع مصادر السلاح وشراء منظومات دفاع جوي روسية الصنع، بعد مطالبة مجلس النواب للحكومة بإلغاء طلب المساعدة العسكرية من التحالف، بقيادة واشنطن.
ومنذ أسابيع، تنفذ قوات التحالف عملية إخلاء لعدد من قواعدها في العراق، ويقول مسؤولون أمريكيون إنها تأتي على خلفية انتشار وباء “كورونا” في العراق والعالم، وإعادة نشر القوات في أقل عدد من القواعد، لتأمين حمايتها من هجمات “محتملة” من القوات الحليفة لإيران.
وفي 19 مارس/آذار نقلت قوات التحالف المسؤولية عن قاعدة عسكرية أقامتها بمنطقة القائم على الحدود مع سوريا عام 2018، إلى القوات الأمنية العراقية، وهي القاعدة الأولى بين عدة قواعد تتحدث وسائل إعلام عن نية واشنطن تسليمها للقوات العراقية، لتقليل وجودها العسكري بالعراق.
وللولايات المتحدة تواجد عسكري في نحو 14 قاعدة جوية ومعسكرا بمناطق مختلفة من شمال وغرب بغداد، وفي إقليم شمال العراق، من أهمها التاجي (30 كم شمال بغداد) وبلد (80 كم شمال بغداد)، والنصر قرب مطار بغداد الدولي، والتقدم وعين الأسد في الأنبار (غرب)، والقيارة بمحافظة صلاح الدين (شمال)، والقصور الرئاسية بمركز مدينة الموصل (شمال)، وقاعدة حرير في أربيل (شمال).
ويتواجد في العراق، قبل مغادرة المئات منهم بسبب وباء “كورونا”، نحو 8000 جندي أجنبي، بينهم 5200 أمريكي، وفق أرقام رسمية، بينما تقول مصادر (غير رسمية) إن العدد الحقيقي يتجاوز 16000 جندي.
ووفقاً لمسؤولين عراقيين، من المقرر أن تُسلم هذه القوات موقعها في القصور الرئاسية بالموصل، في 4 أبريل/نيسان المقبل، بعد أن سلمت رسميا قاعدة القيارة الجوية (60 كم جنوب الموصل)، في 26 مارس/آذار، وقاعدة “K1” بمحافظة كركوك (شمال)، في 29 مارس/آذار.
وسيغادر المئات من المدربين “مؤقتاً” لحمايتهم من “كورونا”، حسب المتحدث باسم التحالف الدولي، مايلز كارينز.
ومن المتوقع أن ينتقل من تبقى من قوات التحالف والقوات الأمريكية من القواعد والمعسكرات التي أخلتها إلى قواعد رئيسية أكثر أمناً بمحافظتي صلاح الدين والأنبار.
وأعلنت بريطانيا أنها ستسحب نصف قواتها، البالغة 400 جندي ضمن قوات التحالف الدولي، وتوقف المهام التدريبية لمدة 60 يوما، لحمايتهم من “كورونا”. كما أعلنت الدنمارك أنها ستسحب قواتها بالكامل من العراق.
وتهدف إعادة نشر القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي، في جزء منها، إلى منع التهديدات التي تشكلها القوات الحليفة لإيران، والتي صعّدت من وتيرة هجماتها منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبشكل أكبر خلال الأسابيع الماضية.
ويرى مراقبون أن إعادة انتشار قوات التحالف الدولي في ثلاث قواعد رئيسية بالعراق من شأنه أن يعطي مساحة أكبر للقوات الحليفة لإيران لشن هجمات أكثر عنفاً على تلك القواعد، في سياق التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة وإيران، واتخاذ الأراضي العراقية ساحة لتصفية حساباتهما.
وتتبنى القيادات الإيرانية في الحرس الثوري استراتيجية إيقاع المزيد من الخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين، لإرغام الإدارة الأمريكية على سحب قواتها.
وبينما تحاول إيران استخدام القوات الحليفة لها لإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب من العراق، تتمسك الولايات المتحدة بعدم الانسحاب، واتخاذ العراق منطلقًا للعمل على تحجيم النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.
وتتخوف القوات الحليفة لإيران من أنشطة “مشبوهة” من جانب الولايات المتحدة تُمهّد لعملية عسكرية تستهدفها، مستغلة انشغال تلك القوات بمواجهة تفشي “كورونا”، حسب بيان لكتائب “حزب الله” العراق، وذلك باستخدام قوات برية، مدعومة بطائرات مقاتلة وطائرات مروحية، ومشاركة بعض القوات العسكرية والأمنية العراقية.
ومتحدثةً باسم “قوات المقاومة العراقية”، تهدد كتائب “حزب الله” باللجوء إلى خيارات عديدة، في مواجهة التحركات الأمريكية “المشبوهة”، والرد باستهداف المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية الأمريكية دون استثناء، مع تهديدات مشابهة لأي طرف عراقي يتعاون مع واشنطن.
وتواجه الضربات الأمريكية “الانتقامية” انتقادات عراقية على المستويين الشعبي والرسمي، باعتبارها انتهاكاً لسيادة العراق.
واتهمت الحكومة العراقية وفصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران واشنطن بانتهاك سيادة العراق وميثاق الأمم المتحدة، بعد الهجمات “الانتقامية” التي نفذتها طائرات أمريكية على خمسة مواقع تابعة لكتائب “حزب الله”، أهم الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، وذلك رداً على قصف قاعدة التاجي، شمال بغداد، حيث تتواجد قوات التحالف الدولي وقوات أمنية عراقية؛ ما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين وجندي بريطاني، في 11 مارس/آذار.
لكن الإدارة الأمريكية تعتقد بضرورة اتخاذ إجراءات للتقليل من قدرات القوات الحليفة لإيران، عبر استهداف مواقع تخزين الأسلحة وتصنيعها وتطويرها، واستهداف قياداتها الفاعلة، دون إيقاع مزيد من الخسائر بين الأفراد، في ظل توقعات أخرى باستمرار الهجمات التي تتعرض لها مصالحها وقواتها في العراق حتى بعد الانسحاب الجزئي “المؤقت”، وإعادة انتشارها في قواعد رئيسية.
ويمكن أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من العراق عسكرياً وسياسياً إلى توسيع نفوذ إيران وقدرات القوات الحليفة لها في العراق والمنطقة، مع احتمالات مرجحة لتوسيع هجماتها المباشرة أو عبر القوات الحليفة لها، الحشد الشعبي العراقي وجماعة الحوثي اليمنية، على البنية التحتية للطاقة في السعودية ودول أخرى، ما يصب باتجاه زيادة حدة التوترات في المنطقة، وينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منعه بوسائل شتى.
وهناك ثمّة خشية من أن اللجوء إلى خيارات نزع أسلحة القوات الحليفة لإيران “قسراً” واستصدار قرارات حكومية بحل تشكيلاتها، قد يدفعها إلى فرض سيطرتها على العاصمة ومحافظات عراقية أخرى، في تكرارٍ لتجربة سيطرة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، على العاصمة اليمنية صنعاء، خريف 2014، وبالتالي دخول البلاد في نزاع مسلح داخلي جديد.
(الأناضول)