إعدام الموتى!

إعدام الموتى تقليعة متجددة من تقليعات الاحتلال الإسرائيلي باتت اليوم سمة مستفحلة تمارسها حكومة عنصرية تنفذ بشراهة مارثوناً استيطانياً غير مسبوق، وسباقاً صاروخياً مع عقارب الساعة لوأد الأرض العربية.
وإعدام الأموات هو طريقة مبتكرة للانتقام الدموي المستميت، ليس ممن هم تحت التراب فحسب، بل من هم فوق التراب أيضاً. فاحتجاز جثامين الشهداء وهدم بيوت ذويهم، إنما هو جزء من سياسة مستمرة للضغط على الأهل والمجتمع، ومحاولة التقليل من العمليات الموجهة ضد الاحتلال. لكن تجريف المقابر كما جرى قبل أعوام في مقبرة مأمن الله المقدسية التاريخية، إنما جاء إيذاناً بتجديد ظاهرة إعدام الأموات، في مقابل السيطرة على الأرض، بعد إزالة أهلها الأصليين، حتى إن كانوا أمواتاً.
المفارقة في الأمر، أن هذا التطور إنما يأتي تحت ذرائع مضحكة، كحجة بناء متحف للطبيعة أو حديقة بيئية، أو مركب للتعايش، تعايشا وتسامحا وتآخيا، بعد إعدام الأموات بتجريف عظامهم وجماجمهم وطحنها تحت جنازير الجرافات والآليات التدميرية؟ وبعد إعدام أهليهم الذين يشهدون انتهاكات كهذه أليمة وغير آدمية ولا أخلاقية؟ هل يستطيع المقدسيون، بل أيٍ كان في دول العالم أن يجرف رفات إسرائيليين ليتذرع بافتتاح متحف أو مسرح أو معرض أو مدرسة أو حتى مستشفى مكان دفنهم. حتى إزالة رفات البشر التي تتم بالاتفاق والتراضي، إنما تخضع لطقوس أخلاقية تتلى فيها الصلوات وتوضع رفات الموتى في توابيت مهيئة وسط إجراءات تكريمية آدمية، تحفظ حرمة المتوفى وكرامة أهليه. لكن أن تأتي بجرافتك، معتدياً، غاصباً، محتلاً، مستبيحاً، متعالياً، إنما يشكل قمة اللاأخلاق والإهانة والإساءة والتطاول. صمت العالم وخذلانهم للفلسطينيين وتمادي البعض في مداهنة إسرائيل واسترضائها، بمن فيهم بعض أبناء جلدتنا، إنما هو تأكيد على أن الطريق نحو الاعتداء على مقابر أخرى بات ممكناً ومتاحاً. فالاعتداء المتواصل على المقبرة اليوسيفية المقدسية التاريخية، إنما هو دليل قاطع على تلك المصادقة والمباركة، واستسهال المهمة والتمادي المتصاعد في إهانة الشعب الفلسطيني برمته وليس عائلة المتوفى فقط. لكن الفلسطيني لا يقاتل فقط من أجل شجره وحجره وبشره، وإنما يقاتل رفضاً لإعدام موتاه وإهانتهم وطحنهم وقتلهم من جديد، لذلك فإن مشهد أم علاء نبابتة في مقبرة اليوسيفية التي احتضنت قبر ابنها مؤخراً وقالت: «على جثتي بياخدوا القبر… إدفنوني جنبه» إنما هو ما سييبقى في وجه بينيت وأمثاله وصمة العار التي لن تغادرهم مهما تبدلت محطات الحياة.

حكومة عنصرية تنفذ بشراهة مارثوناً استيطانياً غير مسبوق، وسباقاً صاروخياً مع عقارب الساعة لوأد الأرض العربية

إعدام الموتى هو مساو تماماً لإعدام الأحياء بالنسبة للكل الفلسطيني، فمن هم تحت التراب من غير الخونة والمتخاذلين هم كمن هو فوق التراب من الأهل الصامدين المدافعين عن كرامة الفلسطيني وحقه في الخلاص والاستقلال والدولة. مشهد أم علاء نبابتة بالأمس القريب، ليس بمثابة لحظة ضعف وإنما محطة وطنية دافعة للكل الفلسطيني لرفضه للظلم واستمراره في مقارعة الاحتلال الصهيوني دونما تردد أو هوادة. فمن يدوس عظام موتانا إنما داس عظام البشرية قاطبة، ومن يدفع المشهد نحو التأزيم في خضم جشعه وشراهة مطامعه، إنما يؤسس لمواجهة متجددة، في يوم لا ينفع فيه الندم. إسرائيل اليوم وهي تستعرض عضلاتها أمام أمة منهكة من شرقها لغربها إما بفعل الربيع العربي، أو التطبيع والتخاذل والهوان، لتؤكد للعالم بأن ما تروجه من أكاذيب وادعاءات ومسرحيات، تحاول أن تلعب فيها دور الضحية، ما هو إلا إمعان في الكذب، وأنها تمارس الضغط على الفلسطيني بمباركة العالم، الذي يرى ولا يحرك ساكناً ليكون وبصمته قد منح جرافة الإعدام مباركته ومصادقته على قتل الموتى من جديد. لذلك وفي ظل تفاقم الهوان الدولي، فإن على العالم أن لا يسأل متى ستتوقف إسرائيل عن أفعالها؟ وإنما ما هي تقليعتها المقبلة يا ترى؟
كاتب فلسطيني
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية