ردّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره برتبة مستشار جاريد كوشنر عبارة «شرق أوسط جديد» في وصفهما للمشهد الذي سيتشكّل إثر توقيع الإمارات والبحرين على اتفاقيتي تطبيع مع إسرائيل، وقد يكون هذا الوصف صحيحا، ظاهريا على الأقل، فقد شهدنا، وقبل أن يدشّن ترامب حفل التوقيع يوم الثلاثاء 15 أيلول/سبتمبر، إحساسا بنوع من الهزّة الأرضية السياسية شقّت العالم العربي، وارتفاعاً لمدّ التطبيع، يبشّرنا الرئيس الأمريكي أنه سيشمل ست أو سبع دول عربية أخرى، فهل يعني توسّع الصدع «التطبيعي» إلى «ثقب أسود» ودخول العالم العربي رسميّا «العصر الإسرائيلي»؟
لا يتعلّق الأمر بالتخلّي عن الفلسطينيين فحسب، الذين اعتبروا ما يحصل خيانة، بل بالأحرى باتجاه عربيّ متسارع للانخراط تحت الراية الإسرائيلية، ولدى كل دولة تنخرط، أو تريد الانخراط، في هذا المشروع، تبريراتها القديمة والجديدة، وفيما تتعرّض بعض الدول لضغوط شديدة واضحة، كما هو حال السودان، الموضوعة تحت قائمة الإرهاب، والمطلوب منها تسديد مئات الملايين لأمريكا، والمتأثرة بالنفوذ الإماراتي الكبير داخل قياداتها العسكرية والمدنية، فإن هناك بعض الدول الأخرى، كما هو حال النظام السوري، الذي قمع شعبه عشرات السنين تحت راية الممانعة والعداء للصهيونية، والذي أرسل مؤخرا إشارات لعل وعسى يعفيه الصعود إلى القاطرة الإسرائيلية من الجرائم الإنسانية الرهيبة التي ارتكبها، ويبادل التطبيع مع إسرائيل بتطبيع العالم علاقاته معه.
بسبب نفوذها السياسي والماليّ والعسكري والإعلامي، ستكون الإمارات مثالا عربيا ستحتذي خطواته دول وجهات سياسية عربية أخرى، ويمكن ملاحظة عناصر واضحة في السيناريو الإماراتي الذي دخل، بداية، من أبواب الرياضة والسياحة و«التسامح» الديني ومحاربة كورونا.
بعد إعلان الاتفاق بدأت أبو ظبي باستخدام آلتها الإعلامية الكبيرة، فشهدنا كما غير معهود من التنظيرات والمساجلات والآراء التي انخرط فيها كتاب إماراتيون وعرب كثيرون، فنشرت جريدة إماراتية رئيسية مقالا لوزير الخارجية عبد الله بن زايد بعنوان «بيس»… «شلوم»… «سلام» ونشرت أخرى مقالات رأي بعناوين مثل: «من جعلهم أوصياء علينا؟» و«سلام الشجعان» ونشر موقع إلكتروني مقالات بعناوين مثل: «الإمارات ومفهوم السلام التقدمي» و«حصر العداء في أهله» وتقدّم مجمل هذه الآراء مديحا للسلام مع إسرائيل وهجاء واضحا أو مبطنا للفلسطينيين.
استخدام الآلة الإعلامية الإماراتية، وتوابعها في العواصم العربية، وافتتاح خطّ نشر مقالات لإماراتيين بالعبرية في صحف إسرائيلية، يشبه في فعله، القرار الإماراتي الذي فرض على الفنادق تحضير اللحم الكوشير (الحلال على الطريقة اليهودية)، وبذلك يتحوّل الإعلام الإماراتي والعربيّ المنخرط في إهابه كله إعلام الكوشير المحضّر خصيصا على مذاق وشريعة الدولة الإسرائيلية.
يتميّز الخطاب السياسي الكوشير بقدرة كبيرة على التخفّي والتنكر بأقلام كتاب عرب، غير أن الحقيقة القادرة على التخفي في أبواب التنظير والمساجلات، لا تلبث أن تظهر على حقيقتها حين يقوم بعض المدوّنين والمروّجين غير المتملكين لآلة البلاغة والدبلوماسية، كما رأينا في بعض الكتابات البذيئة جدا الموجهة ضد الفلسطينيين ونخبهم السياسية، ولعلّ أغنية «خذني زيارة لتل أبيب» هي إحدى الأمثلة التي تكشف إعلام الكوشير وتظهر طبيعته المثيرة للسخرية، فقد تعاون الشاعر والمغني على إظهار أن أهم ما في أمر «السلام» هو «زيارة تل أبيب» واصفا نفسه بأنه «بدوي ونهجي رهيب».
دع الأعراب المنافقين يجربوا صحبة الصهاينة فوالله لن يحصدوا إلا الندم. الصهاينة منبوذون في كل زمان ومكان وحيثما حلوا وارتحلوا ولهذا تدعم أوروبا إسرائيل كي يبقى الصهاينة في الشرق الأوسط بعيدين عنها بمعنى آخر استعمل الأوروبيون فلسطين كمكب لنفايتهم بدل من تلوسث مجتمعاتهم بهم .