ما كانت حاجة للإبحار في المادة الاستخبارية كي نلاحظ أن إسرائيل خفضت في الأسابيع الأخيرة حجم الهجمات التي تنفذها (وفقاً لمنشورات أجنبية) في الساحة الشمالية.
وقد حصل هذا لجملة من الأسباب، بعضها سياسية وبعضها عملياتية. ولكن هذا الهدوء النسبي كان كفيلاً بنقل رسالة مغلوطة تفيد بأن إسرائيل اتخذت خطوة إلى الوراء في كل ما يتعلق بالقتال الذي تخوضه ضد مساعي التسلح، والتموضع والإرهاب للإيرانيين وفروعهم في سوريا ولبنان. لهذا السبب، نفذ سلاح الجو هجوماً استثنائياً في حجمه نسبياً، رداً على ساحة العبوات التي عثر عليها في جنوب هضبة الجولان. فقد سعت إسرائيل إلى إطلاق إشارة للإيرانيين – ولكن أيضاً لكل جهة أخرى تعمل في المجال، ولا سيما حزب الله وكذا لسوريا – بأن فترة الهدوء انتهت، وأن الصبر عاد إلى مستواه السابق – قريب جداً من نقطة الصفر. وعليه، فقد أخذ الجيش الإسرائيلي أيضاً المسؤولية العلنية عن الهجمات، وأضاف معلومات وأفلاماً على أمل أن تصدح هذه الرسالة من لبنان حتى طهران فتردع محاولات عمليات أخرى وكذا محاولات لتنفيد رد على الرد.
يمكن الافتراض بأن الأحداث التي تعرضت للهجوم أمس لم تجمع في يوم واحد. بعضها (مثل “البيت الزجاجي” الذي تنزل فيه قيادة قوة القدس في نطاق مطار دمشق الدولي) سبق أن تعرضت للهجوم في الماضي وبعضها أضيفت الآن. هذه وتلك أقرت على أي حال كأهداف منذ زمن وضمت إلى ملفات الأهداف المناسبة، وانتظرت الفرصة – التي وصلت أمس.
الأول، مسؤوليتهم المباشرة والحصرية عن العملية المخطط لها. ومثلما في ساحة العبوات السابقة التي انكشفت في الجبهة ذاتها في الصيف، هذه المرة أيضاً كان زارعو العبوة سوريين من الجولان، ولكن التمويل والتدريب والتوجيه كانت لقوة القدس التابعة للحرس الثوري، من خلال رجاله العاملين في سوريا.
أما الدافع الثاني، فهو الرغبة في دفع سوريا إلى أخذ المسؤولية الكاملة عما يجري في الجولان. بافتراض (معقول) بأن الأسد غير معني بأن تتدهور بلاده إلى الحرب مرة أخرى. تتوقع إسرائيل منه أن يتأكد من أن مجال الحدود سيكون هادئاً ونقياً من أعمال الإرهاب. مشكوك أن يكون هذا التوقع واقعياً إذا أخذنا بالحسبان قدرات الجيش السوري وقيوده تجاه إيران وحزب الله، وهذه مشكلة الأسد، وبهذه الصفة فإنه وفي ضوء موجة الهجمات الأخيرة سيدفع الثمن عليها أيضاً.
الثالث، حيال حزب الله، الذي لا يزال يحتفظ بملف مفتوح مع إسرائيل. فقد حاولت المنظمة مرتين (وفشلت) الثأر أثناء الصيف لموت ناشطها في هجوم سلاح الجو على مطار دمشق، وأوضحت بأنها ستحاول مرة أخرى. وفي الهجوم في سوريا، أشارت إسرائيل إليها أيضاً بأن صبرها قصير وأن ردودها كفيلة بأن تكون غير متوازنة مع الفعل نفسه.
الرابع، لأصحاب القرار في إيران، وكذا للقوى العظمى، ممن هم كفيلون بأن يعتقدوا خطأ بأن انتهاء ولاية ترامب ودخول جو بايدن المرتقب إلى البيت الأبيض سيؤديان إلى سياسة أكثر رقة تجاه طهران. في هذا الهجوم أوضحت إسرائيل بأنها ليست جزءاً من هذه القصة، وبقدر ما يتعلق الأمر بمصالحها – في الساحة الشمالية، ويحتمل في المستقبل أيضاً بالنسبة للنووي – فإنها ستواصل العمل بشكل مستقل.
تفيد تجرية الماضي بأن إيران لا تسارع إلى الرد على المس بها. قد تحاول الآن البحث عن فرصة مناسبة، قبل أن تعمل مرة أخرى. وهذا يستوجب من إسرائيل كما هو الحال دوماً اليقظة الاستخبارية العالية والتأهب في منظومات الدفاع الجوي، وأكثر من ذلك – الفهم بأن الوضع في الشمال يتغير، مرة أخرى ويحتمل أن يصل الهدوء النسبي الذي ميز الجبهة في الأشهر الأخيرة الآن إلى نهايته.
بقلم: يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 19/11/2020