إن مؤتمر اعمار غزة الذي يبدأ اليوم في القاهرة كان يمكن أن يكون ذا أهمية كبيرة لتسكين النفوس في الساحة الاسرائيلية ـ الفلسطينية، لكنه يحتاج لذلك الى مزاج عام مختلف تماما لأنه لا تلاحظ ارادة طيبة من الطرفين، وتتساءل في العالم ايضا جهات مهادنة مثل «نيويورك تايمز» تلميحا عن أنه أليس الحديث عن تبرع مُهدر. يأمل أبو مازن الحصول على 4 مليارات دولار، لكن الدول المانحة بعيدة عن هذا الهدف فهي متجهة الى جمع 1.5 مليار، ويتساءل الجميع كم سيطلب اليهم أن يدفعوا في الجولة التالية ومتى ستكون.
طلب نائب الامين العام للجامعة العربية محمد صبحي من اسرائيل أمس ضمانات كي لا تكرر الهجوم على غزة. لكنه لم يقترح أن يضمن لها ألا تهاجَم بقذائف صاروخية ومحاولة اختطاف كما حدث في الماضي. وقد ردت اسرائيل على قتل حماس لثلاثة فتيان أبرياء باقتراح مصالِح لا مثيل له وهو أن «الهدوء سيُرد عليه بالهدوء»، فما المطلوب عدا ذلك؟ إنه لا ضمانات إلا أن تكون على أساس متبادل، ولا حاجة إليها في واقع الامر لأن اسرائيل لن تهاجم أبدا دون أن يسبق ذلك تحرش فلسطيني.
يوجد أمل ضعيف في أن تضعف مكانة حماس إثر عملية الجرف الصامد وتقوى السلطة الفلسطينية، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن من ذا يُقدر حقا أن حماس ستدع أبو مازن يراقب ما يجري في القطاع؟ تدرك الولايات المتحدة ايضا التي يتبين الآن ضعفها في حربها لداعش أن تقوية أبو مازن لن تكون وأنها على كل حال ليست بذات معنى من غير المسيرة السياسية التي أوقفها هو نفسه قبل خمسة اشهر.
إن جون كيري الذي يقضي هذا اليوم في العاصمة المصرية سيُحدث أبو مازن في تجديد المسيرة، ولا يجب على اسرائيل فقط أن تشجع ذلك بل أن تسهم في تحقيقه ايضا لا بالشواقل لغزة كما يقترح يساريون متطرفون بغية ردع اسرائيل عن تكرار عملية الجرف الصامد اذا نشأت الحاجة لذلك مرة اخرى.
بل يحتاج الى اسهام اسرائيلي بتوجه مصالِح ومعتدل وحذر يشجع أبو مازن على العودة الى طاولة المحادثات بدل الشجارات في الامم المتحدة ومؤسسات القضاء الدولية وتشجيع سلسلة اعلانات قطيعة في انحاء العالم.
إن عمل اسرائيل أن تبين أنها ترى الاعمار الحقيقي لغزة مسألة انسانية من الطراز الاول تخدم مصلحتها ايضا على ألا يكون ثمن ذلك تجديد العدوان العسكري على صورة قذائف صاروخية على بلدات غلاف غزة وعلى تل ابيب بعد ذلك، أو بتجديد حفر انفاق من غزة الى صوفا وناحل عوز.
إن نجاح مؤتمر الاعمار مشروط بالتصميم المصري على منع حماس من الاستمتاع بسخاء العالم. وعلى عكس ذلك فان من مصلحة الفلسطينيين في القطاع أن يزيح أبو مازن خالد مشعل واسماعيل هنية الى هامش الساحة، وهذا هو الاهتمام الحقيقي للغزي ايضا. ومع هذه المعطيات يوجد لكيري دور ثانوي مهم هو أن يقنع أبو مازن بأن يقبل باسم حكومة الوحدة شروط الرباعية للتسوية وأن يجعل شركاءه من حماس يوقعون عليها وإلا فليضغط ليعترف العالم بأن الفلسطينيين رافضون للسلام. ستتحول اموال الاعمار الى «رمي للمال» من غير الانجاز السياسي المصاحب الذي يحاول كيري أن يعيد تحريكه.
اسرائيل اليوم 12/10/2014
دان مرغليت