حرمان الفصائل من عوائد التهريب سيؤدي إلى تصاعد التوترات الداخلية في مناطق المعارضة، وإيكال إدارة معبر أبو الزندين إلى فرقة العوائد التركمانية سيزيد من سرعة الاقتتال بين الفصائل.
عادت قضية المعابر الداخلية في شمال وشرق سوريا إلى الواجهة مجددا بين مناطق السيطرة المختلفة، حيث انفرجت جزئيا بعد انخفاض التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والنظام السوري إثر الهجوم الذي شنه مقاتلو «جيش العشائر» المدعوم من النظام وإيران في مناطق سيطرة «قسد» في دير الزور شرق البلاد.
وفي ريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه فصائل الجيش السوري المعارض، استمر إغلاق الطريق الواصلة بين مدينة حلب ومدينة الباب شرقا من قبل محتجين مدنيين وعناصر منتسبة لفصائل الجيش المذكور، تحديدا قرب معبر أبو الزندين. ونجحت تجربة إدخال بعض سيارات القمح والدقيق والبضائع من مدينة الباب متوجهة إلى مدينة حلب، يوم الأحد، برعاية الشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع المعارضة.
بعد ذلك، لاقى دخول الشاحنات ردود فعل غاضبة، حيث اعترض مسلحون ينتمون إلى الجيش الوطني شاحنات تحمل القمح والشعير، متوجهة إلى معبر أبو الزندين، وهددوا سائقيها بحرق سياراتهم في حال عودتهم لنقل البضائع إلى مناطق سيطرة النظام.
وفي شرائط مصورة، تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، رفض المحتجون التطبيع مع النظام واعتبروا أن فتح المعبر سيؤدي إلى «إعطاء النظام الشرعية» وأنه «طوق نجاة اقتصادي للنظام» وطالبوا بإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين في سجونه.
وتحدى عدد من المتحدثين في مقاطع الفيديو السلطات التركية والحكومة السورية المؤقتة وفصيل «السلطان مراد» الذي يقوده القيادي التركماني فهيم عيسى المقرب من أنقرة.
وبين الحدثين، تعرض محيط معبر أبو الزندين لقصف بقذائف المدفعية، وأكد مصدر عسكري ميداني معارض لـ«القدس العربي» أن «مصدر القصف هو الجهة الشرقية التي تتداخل السيطرة فيها بين الفرقة الرابعة بجيش النظام وقسد وهو يطابق تحليل صور المواقع التي سقطت بها القذائف واتجاهها ما قاله المصدر، مضيفا «رجح عناصر إحدى نقاط الرباط مع قسد أن يكون مصدر القذائف هو مواقعهم». في حين، اعتبرت مصادر أخرى أن الفرقة الرابعة هي من قصف الموقع كونها تعارض فتح معبر رسمي، لأن افتتاح المعبر بمساع روسية وتفاهمات مع تركيا يلحق الضرر بحواجز الفرقة التي تسيطر على الطرق المؤدية إلى مناطق التهريب وتفرض إتاوات على المهربين والتجار والمسافرين المدنيين. حيث خلقت الفرقة التي يقودها اللواء ماهر الأسد شقيق رئيس النظام اقتصادا موازيا للاقتصاد الرسمي، وكانت أولى الفرق العسكرية التي شنت العمليات العسكرية ضد المتظاهرين السلميين في ريف دمشق الغربي وسيطرت مع الوقت على كل الطرق الرئيسية على الأراضي السورية واحتكرت التعفيش وتجارة الخردة والحديد.
واتهم ناشطون هيئة «تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) التي يقودها الجولاني و«أحرار عولان» الإسلامية الموالية للأخير بقصف المعبر. حيث اعتبروا أن فتح المعبر يهدد مصالحهم الاقتصادية. وهو الاتهام الذي وجهته صفحات موالية للنظام لنفس الجهات.
وفي سياق منفصل، علقت صحيفة «الوطن» المقربة من النظام السوري على تعثر إعادة فتح «منفذ أبو الزندين» وتنصلت من أن يكون للنظام أي يد في الاتفاق واعتبرته جزءا من التزامات أنقرة تجاه موسكو. وألمحت الصحيفة نقلا عن مصادرها «أن اتفاقاً مبدئياً جرى بإعادة وجهات النظر حيال المحتجين على إعادة فتح المنفذ مقابل افتتاحه في أقرب وقت ممكن».
ورأت أن هذه الخطوة جاءت لتحفظ ماء وجه أنقرة أمام الضامن الروسي لافتتاح أبو الزندين، وذلك للمضي قدماً في تفاهمات العاصمتين الروسية والتركية حول الملف السوري، والتي منها فتح منافذ وطرق دولية تصب في مصلحة الدولتين والشعبين السوري والتركي.
واستغربت «الوطن» حال الفلتان الأمني التي شهدها المنفذ في الأيام الثلاثة الأولى من افتتاحه، والتي قد تتكرر في الأيام المقبلة، ولفتت إلى أن «أنقرة لم تحاسب المسلحين الذين تهجموا على الشاحنات التجارية داخله، وهو ما يضع موقف إدارة اردوغان على المحك في الوفاء بالتزاماتها أمام القيادة الروسية» حسب تعبيرها.
وفي جهة النظام اعتبر عمر رحمون عضو لجنة المصالحة السورية، أن فتح معبر أبو الزندين «دليل تفاهم وتقارب روسي سوري تركي» حسب ما كتب في حسابه الرسمي في منصة التواصل الاجتماعي «اكس» (تويتر سابقا) وزاد «هو خطوة مهمة لفتح معبر الترمبة بسراقب وميزناز بريف حلب الغربي». وشدد رحمون الذي انتقل من صفوف المعارضة العسكرية إلى معسكر النظام أن «فتح المعابر أقوى رسالة تقارب بين الخصوم».
في تفاصيل شرق سوريا خفضت «الإدارة الذاتية» التي يتزعمها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من حدة الإجراءات الأمنية، وأصدرت قرارا الخميس بإلغاء القرارات السابقة الصادرة مطلع شهر اب (أغسطس) والقاضي بفرض حظر التجوال الكلي وجرى استبداله بفرض حظر تجوال جزئي من الساعة السادسة مساء إلى السادسة صباحا بمعدل 12 ساعة. كما أعادت «الإدارة الذاتية» بقرار منفصل عمل المعابر التجارية والمدنية مع مناطق سيطرة النظام السوري. ويأتي ذلك بعد تدخل من قائد القوات الروسية في سوريا، الفريق سيرغي كيسيلاف للتخفيف من حالة الاحتقان الحاصلة وخصوصا التي قامت بها «قسد» عندما حاصرت المربعين الأمنيين للنظام في القامشلي والحسكة.
اقتصاديا أوضح الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، مناف قومان أن هناك جوانب سلبية وأخرى إيجابية من قضية فتح المنفذ، فالمعبر سيساعد بشكل ما في تعزيز الحركة التجارية ونقل البضائع بين الطرفين، وهذا «من شأنه أن يسحب العوائد المالية الآتية من نقاط التهريب وتقليل تكاليف النقل، وستؤدي وفرة السلع في مناطق المعارضة والنظام وانخفاض التكاليف إلى خفض الأسعار نسبياً وهذا سيخفف الأعباء المعيشية للمواطنين» وقد تؤدي الحركة التجارية المتحصلة من فتح المعبر إلى زيادة الإيرادات المالية من رسوم العبور وهذا من شأنه أن يدعم الموازنة المالية للمجالس المحلية وبالتالي تحسين الخدمات العامة وإعادة تأهيل البنى التحتية وما شابه.
ونوه إلى أن فتح المعبر ليس هو «بيضة القبان أو القشة التي ستعيد للاقتصاد السوري توازنه، لكن أنظر للموضوع من ناحية الفوائد المتأتية منه، وأنظر إليه أيضاً في ظل الظروف الحالية من انخفاض التمويل الدولي وسوء الأحوال الاقتصادية وحركة التطبيع والتقارب مع النظام».
وحول سلبيات إعادة فتح المعبر الذي اغلق بسبب جائحة «كوفيد -19» أشار قومان إلى أنها موجودة لدى «الطرف الأضعف» من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن غير المستبعد أن يعمل النظام على «سحب النقد الأجنبي من مناطق المعارضة بعدة طرق بما يعود بالنفع على خزائن المصرف المركزي» كما سيؤدي الارتباط الاقتصادي بين الطرفين -بشكل ما- إلى «تأثر مناطق المعارضة بالأزمات الاقتصادية التي يعاني منها النظام» ويعتبر الباحث أن الخطر المحتمل الأكبر هو ارتباط ملف التعافي المبكر وإعادة الإعمار بدمشق وسحب أي فعالية سياسية من المعارضة.
إضافة إلى ما ذكر، فإن حرمان الفصائل من عوائد التهريب سيؤدي إلى تصاعد التوترات الداخلية في مناطق المعارضة بسبب انخفاض المالية، ومن المرجح ان إيكال إدارة معبر أبو الزندين إلى فرقة العوائد «السلطان مراد» التركمانية سيزيد من سرعة الاقتتال بين الفصائل، وبالطبع ما يخفف من حدة الصراع على إدارة المعابر الداخلية الرسمية وغير الرسمية هو حل جذري وكبير تفرضه أنقرة على فصائل المعارضة السورية ينهي مسألة الصراع على تلك المنافذ بشكل نهائي، وهي قضية شائكة وصعبة بسبب رغبة أنقرة الأساسية بعدم توحيد ومؤسسة الجيش الوطني المعارض. فتعزيز الفصائلية التي عملت عليها كانت كلمة السر بسهولة السيطرة على الفصائل واقتيادها إلى مسار أستانة وفرض مناطق خفض التصعيد عام 2018.