إلغاء خانة الديانة: جدل ومشاريع قوانين ورفض من السلطة المصرية

تامر هنداوي
حجم الخط
7

القاهرة ـ «القدس العربي»: أقام المحامي المصري نجيب جبرائيل، الذي يعرف نفسه بمستشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، دعوى قضائية، طالب فيها بإلزام وزير الداخلية ومساعده لقطاع الأحوال المدنية بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.
وقال في دعواه إنه “في ظل ما تشهده مصر من وحدة صف غير مسبوقة تحت قيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومن ثم فقد آن الأوان للتخلص من كل ما لا يرتضي هذه الدولة بل أحياناً يكون لاستغلال بعض الأمور وبسوء نية في تقويض أركان الدولة، التي من بينها بعض الأوراق الثبوتية التي تصدرها وزارة الداخلية والمتمثلة في بطاقة الرقم القومي”.
وأضاف: “بطاقة الرقم القومي تعد مرآة عامة لإثبات الشخصية وأصبحت وثيقة هامة في كل دول العالم، حيث تدون بها البيانات الشخصية وتسهل كثيراً من الأمور الحياتية مثل التعامل مع البنوك والمرور وغيرهما”.
واعتبر أن “استمرار وجود خانة الديانة ببطاقة الرقم القومي يظل أمرا غير مفهوم، خاصة وأننا في دولة شعبها متدين بطبعه، وهذا سر تفرده وتفوقه، ومن ثم فإن وعي المرء وإدراكه وإيمانه بعقيدته لا يكون من خلال مجرد لفظ يكتب سواء بمسلم أو مسيحي ببطاقة الرقم القومي”.
وأكد على” ضرورة استغلال المداخلة التليفونية الأخيرة التي أجراها الرئيس السيسي، من خلال أحد البرامج التلفزيونية والتي تحدث فيها عن قضية الأديان والوعي والعقيدة، للتأكيد على أن الأديان أكبر من مجرد اختزالها في خانة ببطاقة الرقم القومي”.

مساوئ خانة الديانة

وعدد مخائيل في الدعوى مساوئ الإبقاء على خانة الديانة ببطاقة الرقم القومي، مؤكداً أن “بعض ضعاف النفوس يستبعدون بناء عليها بعض المواطنين من التعيين في الوظائف الكبرى، كما أن التضييق وصل إلى عقود الإيجار والتملك التي يؤثر على إتمامها في بعض الأحيان وجود تلك الخانة”.
وجاءت الدعوى القضائية بعد أيام من مطالبة السيسي المصريين بإعادة صياغة فهم معتقدهم الديني.
وأضاف: “القضية الأهم هي الوعي بمفهومها الشامل، سواء الوعي بالدين، كلنا المسلم ولد مسلم، والمسلم بالبطاقة (الهوية الشخصية)، ولكن علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نؤمن به، هل لديك استعداد للسير في هذا المسار لتصل إلى الحقيقة؟”.
وكثيرا ما أثارت خانة الديانة جدلا في مصر خاصة بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، حيث يعتبر المطالبون بضرورة إزالتها من الهوية الشخصية أنها ضد فكرة المواطنة، وأن العقيدة تخص الفرد فقط، فيما يؤكد المتمسكون ببقائها أنها ضرورية للحفاظ على تطبيق الشريعة، خاصة فيما يخص الزواج.
لم تكن دعوى جبرائيل هي الأولى، رغم أنها الأهم، باعتبارها جاءت من محام يعرف نفسه بمستشار الكنيسة المصرية، ما يعطي تعبيرا عن موقف الكنيسة، فقد سبقها عدد من الدعاوى أقامها محامون مصريون رفعت المطلب نفسه.
وأعادت الدعوى الجدل الذي هدأت وتيرته منذ عام 2018، بعد رفض اللجنة التشريعية والدستورية في البرلمان المصري، مشروع القانون الذي تقدم به النائب إسماعيل نصرالدين وقتها لإلزام الحكومة المصرية بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.
ووقتها تحدث نصر الدين عن أن “مشروع القانون يستهدف تحويل نص المادة 53 من الدستور إلى واقع حقيقي بوصفها مادة تنص على أن المواطنين سواء أمام القانون ولا تمييز بينهم لأسباب منها الدين أو العقيدة، وهي المادة التي تلزم الدولة باتخاذ تدابير للقضاء على كافة أشكال التمييز وتنظيم إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.
وقبله، تقدم النائب علاء عبد المنعم، وقت كان متحدثا باسم ائتلاف “دعم مصر” الذي كان يمثل الغالبية في البرلمان في 2016، بمشروع قانون من 17 مادة، نصت إحدى هذه المواد على إلغاء خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي، وكافة الوثائق والمستندات الرسمية ولا يجوز إجبار أي مواطن على الإفصاح عن ديانته إلا إذا كان الإفصاح ضروريا لترتيب مركز قانوني كالميراث والزواج.

خطوات عملية

ورغم أن الأمر لم يحسم، إلا أن مؤسسات مصرية وقتها اتخذت خطوات بعيدا عن الجدل الدائر في المجتمع، فقد بادرت نقابة المهندسين المصرية وجامعة القاهرة في أكتوبر/ تشرين الثاني 2016 بإلغاء خانة الديانة من كافة الأوراق والشهادات المتعامل بها في الجامعة وفي شهادة طلب قيد المهندس الاستشاري.
وأصدر قرار جامعة القاهرة وقتها، جابر نصار، الرئيس السابق للجامعة، ما استدعى إشادة من المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعقب القرار خرجت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف ورفضت إلغاء خانة الديانة من البطاقة، معتبرة أن المستندات التي تثبت شخصية وهوية إنسان أمور تنظمها الدولة، وأن وضع الديانة في البطاقة يساعد على معرفة وكشف الديانات الأخرى غير السماوية وحماية المجتمع من نسب ومصاهرة المخالفين كذلك انتهى تقرير اللجنة الدينية في مجلس النواب لرفض حذف خانة الديانة من البطاقة.
لا تقتصر أزمة خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي، حسب منظمات حقوق الإنسان، على التمييز الذي تسفر عنه بين المواطنين، لكنها أيضا تمنع مصريين من تسجيل ديانتهم الحقيقية، ففي مصر لا يعترف موظفو وزارة الداخلية المسؤولون عن تسجيل البيانات سوى بثلاث ديانات هي الإسلام والمسيحية واليهودية، ما يحرم أتباع ديانات أخرى مثل البهائية من تسجيل هويتهم الدينية في بطاقة الرقم القومي، كما يرفض الموظفون تغيير الديانة إذا تحول مسلم إلى المسيحية.
هذا ما أكدته دعوى قضائية أقامها علاء علي محمود، أمام مجلس الدولة. طالب فيها بإصدار حكم بإلزام كل من وزير الداخلية بتغيير خانة ديانته في بطاقة الرقم القومي من مسلم الى مسيحي.
وقال علاء في دعواه إنه اعتنق المسيحية فكرا وعقيدة عن إرادة حرة مستقلة دون أي ضغط أو تهديد أو مقابل مادي أو معنوي، ومارس حياته المسيحية وأسرارها، وكان من أبنائها منذ تاريخ اعتناقه الديانة المسيحية في كثير من الكنائس والأديرة واتخذ له اسما مسيحيا بدلا من الاسم الإسلامي وهو فادي عبد المسيح غبريال شحاتة، وأراد تغيير ديانته الجديدة في بطاقة الرقم القومي التي تعد الورقة الرسمية الوحيدة التي يتعامل بها في شتى مناحي الحياة الخاصة.
وأكد أنه تقدم بطلب لتغيير ديانته واسمه الى المسيحية إلا أن الطلب قوبل بالرفض، مؤكدا أن رفض وزارة الداخلية لطلبه مخالف للدستور المصري ومواثيق حقوق الإنسان والديانات السماوية التي شرعها الله، كما أنه مخالف للمادة 47 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 والتي ألزمت مصلحة الاحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية بإجراء التغيير والتصحيح للجنسية والديانة والمهنة في البطاقات القومية للمواطنين.
ونقل تقرير سابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” قصص بهائيين محرومين من تسجيل هويتهم الدينية في بطاقة الرقم القومي.
وحسب شهادة في التقرير، يقول أحد البهائيين : “حاولت استخراج بطاقة الرقم القومي، في استمارة الطلب كتبت بهائي أمام خانة الديانة، رفض الموظف استلام الاستمارة وطلب مني أن أقدم شهادة ميلادي، أبرزت له الشهادة التي تثبت أنني بهائي مولود لأبوين بهائيين، ورغم ذلك رفض الموظف قبول الاستمارة وطلب مني أن أقدمها إلى المكتب الرئيسي في القاهرة. عندما ذهبت إلى القاهرة قابلت ضابطاً يدعى وائل، فتح درج مكتبه وأخرج كومة كبيرة من المستندات والأوراق وقال (انظر، كل هذه استمارات من بهائيين يرغبون في استخراج بطاقات رقم قومي. لن تحصلوا عليها أبداً)”.
وأقصى ما حصل عليه البهائيون في مصر حكم عام 2009، الذي يسمح لهم بوضع شرطة “ما يعني ترك خانة الديانة فارغة”، بعد أن كانوا يسجلون في بطاقات الرقم القومي كمسلمين.
ويعد المصريون البهائيون، على قلة عددهم، أكبر الجماعات الدينية المستقلة غير المعترف بها في مصر، أو ربما كانوا الجماعة الوحيدة على الإطلاق، حيث يعد الإسلام السني هو الديانة الرسمية لما يقرب من 90% من سكان البلاد، بينما يشكل الأقباط أغلبية النسبة المتبقية. وبينما تحتوي كلتا المجموعان الرئيسيتان على بعض التنوعات الدينية داخلهما، فإن من ينتمون إلى طوائف مسلمة أو مسيحية لا يواجهون مشكلة في تسجيل أنفسهم كمسلمين أو كمسيحيين في الأوراق الرسمية.
أما المجموعة الثانية فتتمثل في المتحولين من الإسلام إلى المسيحية (أو أي ديانة أخرى)، فإنهم لا يتعرضون للحرمان من الوثائق الرسمية استناداً إلى أي قانون يجرم تغيير الديانة على هذا النحو، وإنما على أساس تفسير المسؤولين لتحريم الشريعة الإسلامية للتحول عن الإسلام باعتباره شكلاً من أشكال الردة. وعلى النقيض من ذلك، فإن المصريين الذين يتحولون من المسيحية (أو أي ديانة أخرى إلى الإسلام) نادراً ما يواجهون أي صعوبات في تغيير أوراق إثبات شخصيتهم لتعكس انتماءهم الديني الجديد.

تاريخ خانة الديانة

ويعود تاريخ خانة الديانة في مصر إلى عام 1958، بعد تأسيس الجمهورية وإلغاء الملكية، عندما تغير شكل البطاقة الشخصية وتم إصدارها من وزارة الداخلية وأصبحت البيانات بها: الاسم، تاريخ الميلاد، الديانة، الحالة الاجتماعية، الوظيفة، محل الإقامة، فصيلة الدم.
وتمتعت حرية الدين والمعتقد بالحماية القانونية في مصر منذ أول دساتيرها الصادرة في عام 1923، والمادة 64 من الدستور الحالي المعدل في 2019، تنص على : “حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون”.
كما تنص المادة 53 على “تجريم التمييز بين المواطنين: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عادل ساتى:

    يجب الغاء الديانة ، و المهنة ،او المؤهل ، اذا أرادوا المساواة بين المواطنين

  2. يقول عبد الكريم البيضاوي:

    دساتير الدول العربية سمن على عسل !

  3. يقول عبدالرحمن عبدالحليم:

    في سويسرا يجب على كل انسان ان يسجل
    في أوراقه الرسميه ديانته لان لهذا الأمر تبعات من فرض الضرائب إلى الزواج الكنسي حتى مراسم الدفن ومكان الدفن
    المسيحيون في مصر الذين يطالبون بالغاء خانه الديانه هم أكثر الناس حرصا على وشم ايديهم بعلامات الصليب
    في كوريا الجنوبيه المتنصرون يزينون بيوتهم باضواء الصليب ليلا
    إلغاء خانه الديانه سيتبعه إلغاء حصر تعداد النصارى والمسلمين في مصر ومن ثم بعد عده سنوات سنسمغ عن ادعائات عن نسبه غير حقيقيه لعددهم

    1. يقول هشام:

      كلام غير منطقي فيه نفس تعصب اعمى.

  4. يقول خالد ابو سفيان:

    نحن في المغرب ..لا توجد في بطاقة التعريف..خانة الديانة او خانة الحالة الاجتماعية و لا خانة المهنة ..وذلك احترام للخصوصية و منعا للتميز..واتمنى ان تحذف جمهورية مصر..خانة الديانة ..المهنة و الحالة الاجتماعية من بطاقة الرقم القومي و تعويضها ببطاقة ذكية..منعا للتميز..

    1. يقول مجدي شاهين:

      حضرتك في الغرب وليس في مصر. مصر دولة عربية مسلمة لها سياساتها اللي تخصها ولا نتشبه بالغرب

  5. يقول مجدي شاهين:

    واللي بيتكلم عن خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي هدفه واضح جدا وهو انه ممكن واحد مسيحي يتقدم لوظيفة لاتصلح الا لمسلم والعكس. وايضا التعداد السكاني لا يمكن حصر المسلمين والمسيحيين.. والخلاصة خانة الديانة في البطاقة ضرورة وليس لها اي علاقة مع المساواة في الدستور او القانون لانها اساسا لاعتبارات دينية وايضا اكثر منها اعتبارات أحصائية

إشترك في قائمتنا البريدية