إلى أين تتجه الأوضاع العربية؟

حجم الخط
0

علي الجوادي طغاة عرب، بين التحالف والعداء، يجرمون ويقمعون كل من يخالف سياساتهم. وجماهير عربية تتقاذفها أمواج الفقر والبطالة، وعوائد التنمية الفاسدة في أيدي عصابات الحكم وثلة من رجال أعمال متحالفة مع المؤسسات الأمنية. ثورات عربية تبحث عن الحرية والكرامة والتغيير وتقاسم الثروات عدلا، غير أن المسار بطيء وغامض. هلال شيعي تحركه إيران ويضم طهران الخمينية ونظام الأسد وحزب الله اللبناني وحكام بغداد الجدد، عنيد ومغامر. وهلال إخواني بدعم قيادة التنظيم في قطر وإعلام وتمويل قطر وبإسناد أعضاء التنظيم في مصر وتونس وقطاع غزة و… يلهث وراء الهيمنة على مفاصل الدولة بتحفيز الأنصار واختطاف أصوات المحرومين وبالتحالف مع السلفيين وبضع علمانيين واستخدام الإغواء السياسي والمالي. واستعمار جديد متحالف مع الصهيونية ينهب ويسلب ويعمل على إلحاق أكبر قدر من الإهانة والإذلال بالشعوب العربية… فإلى أين تسير أوضاعنا العربية؟. الوطن العربي مصطلح جغرافي ـ سياسي يطلق عندنا نحن معشر العرب على منطقة جغرافية، ذات تاريخ ولغة وثقافة مشتركة، تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى بحر العرب والخليج العربي شرقا، في حين تستعمل أطراف غربية أو متأثرة بالغرب مصطلح العالم العربي، أما الولايات المتحدة والبنك العالمي وبقية المؤسسات المالية الدولية والإقليمية فيستعملون مصطلح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويمتد الوطن العربي على مساحة 1.4 مليار هكتار أي حوالي 10.2 بالمائة من المساحة الكونية، ويقدر مجموع السكان العرب بنحو 367.5 مليون نسمة أي ما يقارب 5.19 بالمائة من مجموع سكان العالم البالغ عددهم 7.076 مليار نسمة في عام 2012. ولأن حدة وتنوع مشاكلنا وأوضاعنا العربية تختلف من جهة إلى أخرى أرى من المنطق والمعقول تقسيم البلاد العربية في هذه الدراسة إلى أربع مناطق جغرافية تختلف من حيث الحجم الجغرافي والسكاني والثروات والتنوع الطائفي والمذهبي والعرقي وهي:ـ أولا: منطقة شمال أفريقيا وتتكون من بلدان المغرب العربي الخمسة ـ تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا ـ إضافة لمصر والسودان، وحوالي 56.89 بالمائة من سكان الوطن العربي يقطنون في هذه المنطقة. إقليم المغرب العربي تحكمه نظم سياسية غير متجانسة، فتونس قطعت شوطا في عملية الانتقال الديمقراطي والكل يتطلع إلى إنجاح المسار الديمقراطي رغم الارتباك السياسي والانفلات الأمني وضخامة البطالة أما ليبيا فلا تزال تواجه تحديات أمنية ومؤسسية في حين تسير المغرب ملكية مطلقة والجزائر متمسكة بالنموذج الجمهوري المدعم من المؤسسة العسكرية وموريتانيا لا تزال تفتقر إلى الحداثة والاستقرار. وبالرغم من عدم وجود تهــــديد استراتيجي أو بؤر توتر مرتفعة الحدة في هذا الإقليم باستثناء نزاع الصحراء الغربية المــــجمد منذ 1991 وتنافس في العلاقات المغربية ـ الجــــزائرية على الزعامة الإقليمية وسباق التسلح، تواجه بلدان المغرب العربي كل على إنفراد حدة تزايد الضـــغوطات الاقتصـــادية والاجتماعية والأمنية وقضية الهجرة السرية الإفريقية والحال أن الجميــع يجابه شح الموارد المالية. أما الشارع المصري وإن أطاح بنظام مبارك وصعد الإخوان إلى الرئاسة فلا يزال يعيش حالة من الغليان والانفلات الأمني وعدم اليقين’وتزايد الفقر والبطالة بسبب تعنت الإخوان والسلفيين وإقصائهم للآخرين في هذه المرحة الانتقالية، ويبقى السودان هزيلا مريضا مفككا نتيجة تعدد الانقلابات والاقتتال الداخلي وحروب الإقصاء وسياسات القمع والتهميش. ـ ثانيا: منطقة شرق أفريقيا، وتتركب من الصومال وجيبوتي وجزر القمر، وتضم حوالي 3.19 بالمائة من مجموع السكان العرب. هذه المنطقة أنهكتها أزمة الصومال حيث لا توجد حكومة مركزية منذ الإطاحة بالرئيس سياد بري عام 1991. الحكومة الفدرالية الانتقالية وإن حازت على اعتراف دولي لا تسيطر إلا على أجزاء صغيرة من البلاد، وتوصف الصومال بدولة فاشلة وأحد أفقر وأعنف دول العالم. أما خمس سكان جيبوتي المقدر عددهم بنحو 860 ألف نسمة فيعيشون تحت الخط العالمي للفقر. وجزر القمر التي لا تبتعد كثيرا عن حي التضامن وما جاوره من حيث المساحة وعدد السكان، على الأرجح لها احتياطات كبيرة من النفط والغاز مع أنها تزال تفتقر للحداثة والاستقرار. ـ ثالثا: منطقة الهلال الخصيب، وتغطي الدول التي شكلتها اتفاقية سيكس بيكو وهي العراق وبلدان المشرق العربي ـ سورية ولبنان وفلسطين والأردن ـ وحوالي 20.62 من سكان الوطن العربي يقطنون في هذا الإقليم. والتركيبة الديمغرافية لهذا الإقليم متنوعة دينيا وعرقيا ومذهبيا، فيه المسلمون السنة والشيعة والدروز والمسيحيون والأكراد والتركمان والأرمن. الثورة السورية التي تدخل هذه الأيام عامها الثالث لم تخلف سوى الرعب والدمار، القتلى والمفقودين بعشرات الآلاف وجميع قطاعات الإنتاج خربت. ومواقف الطوائف والأقليات حول الانتفاضة السورية مختلفة، فطائفة الشيعة العلوية كانت وتزال تقف في صف النظام وقد انضم إليهم المسيحيون حين نجح النظام في إخافتهم من وصول الإسلاميين للحكم في دمشق. والأزمة السورية حاضرة بكل أشكالها في دول الجوار، يوجد أكثر من مليون لاجئ سوري بين الأردن وتركيا ولبنان والعراق، وفي مدينة طرابلس شمال لبنان تنشب مواجهات من حين لأخر بين مجموعات سنية وأخرى علوية. وفي الأردن اغتنمت المعارضة، والإخوان بوجه خاص، الوضع وصعدوا الاحتجاجات مطالبين بإصلاحات سياسية والحد من سلطات الملك المؤيد للغرب والمعادي للهلال ألشيعي مع تحميل الأسد الأردن بتهريب السلفيين المجاهدين عبر الحدود مع سورية لإسقاط النظام. وأنقرة المتهمة أيضا من قبل دمشق ببناء نفوذها في سورية عبر دفع الإخوان إلى لعب أدوار قيادية في الانتفاضة الحالية تخشى من أن يؤدي انهيار الدولة السورية إلى تعزيز النزاعات الانفصالية للأكراد. لا حل أنجع للأزمة السورية الراهنة يجنب البلاد مزيد من الدمار والخراب إلا بتوصل طرفي الصراع إلى حل سلمي… والقضية الفلسطينية راكدة مع تعنت إسرائيل في ظل مجريات الربيع العربي وملف إيران النووي وكيفية الخروج من الانكماش العالمي وتصحيح أزمة الديون السيادية وقد يصل الهلال ألإخواني هذه الأيام إلى انتزاع حماس الفلسطينية من الهلال الشيعي ويخفف وطأة العداء الموجهة ضد إسرائيل.الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مجمل البلدان العربية المستوردة للنفط متردية للغاية وخاصة في الصومال ومصر واليمن وسورية وتونس وموريتانيا والسودان ولبنان والمغرب… معدل النمو لكل هذه البلدان لا يتعدى 2 بالمائة عام 2012 وهو أقل بكثير من المطلوب لمعالجة البطالة المزمنة والمتزايدة، فضلا عن تفاقم عجز الموازنة وتراجع عائدات السياحة وتضخم التضخم وارتفاع الدين العام إلى أكثر من 50 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي وانخفاض حاد في الاحتياطيات الدولية الرسمية بسبب اتساع عجز الحسابات الجارية الخارجية في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود الدولية وازدياد تكاليف الواردات مع هبوط ملحوظ في الصادرات عقب انكماش النشاط الاقتصادي لدى الشركاء التجاريين لاسيما في أوروبا التي تربطها علاقات اقتصادية مهمة ببلدان الضفة الجنوبية للمتوسط. إضافة إلى أن التعثر السياسي في المراحل الانتقالية للثورات واستمرار ظاهرة الفساد والانفلات الأمني وتقاسم غنائم الثورة وعدم وضوح البرامج الاقتصادية، يؤدي إلى تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي ويقلل من ثقة المستثمرين ومؤسسات التمويل. رابعا: منطقة شبه الجزيرة العربية، وتتكون من دول مجلس التعاون الخليجي الست ـ السعودية والإمارات وعمان والبحرين وقطر والكويت ـ إضافة لليمن، وفيه يستقر حوالي 19.30 بالمائة من مجموع سكان الوطن العربي. هذا الإقليم جزء من منطقة الخليج التي تتركب من ثلاث كتل جغرافية تختلف أيضا من حيث الحجم الجغرافي والثروات، وهي إيران والعراق وشبه الجزيرة العربية، وتستأثر منطقة الخليج بنحو 65 بالمائة من إجمالي الاحتياطيات النفطية في العالم وهو ما يؤهلها لأن تكون محطة أطماع القوى الدولية والإقليمية. منطقة الخليج كانت وتزال تحفل بمختلف الأسباب والدوافع التي تؤجج الحروب وبخاصة منذ وصول الخمينيين إلى الحكم في طهران عام 1979، فقد تتالت الصراعات بين الخمينيين والبعثيين في عهد صدام، وهنالك نزاعات بين حكام طهران الجدد وأنظمة دول مجلس التعاون الخليجي كالنزاع الإيراني الإماراتي على جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى، واتهام البحرين والكويت واليمن والسعودية لجارتهم إيران بمساعدة الطائفة الشيعية في الأحداث التي تعيشها البحرين والكويت واليمن والمنطقة الشرقية للمملكة السعودية حتى أن ضاحي خلفان قائد شرطة دبي ما انفك يهدد إيران بأن دول مجلس التعاون ستعترف بإقليم عربستان في إيران كدولة تطمح إلى الاستقلال إذا لم تضع طهران حدا لعدائها تجاه جيرانها العرب. ويضاف إلى هذا التوتر ملف إيران النووي الذي خلق حالة من التصلب الحاد في المنطقة، ما جعل العديد من الدول الغربية والعربية تتحمس لخيار ربيع في إيران كأحد الطرق التي يمكنها أن تكبح خيار الحرب في الخليج خاصة وأن الوضع الداخلي في إيران ليس في أفضل حالاته حيث توجد حالة من الاستقطاب الحاد بين التيار المحافظ المتشدد والتيار الإصلاحي منذ انتخابات الرئاسة الإيرانية في العام 2009… اقتصاديا تحتفظ بلدان مجلس التعاون الخليجي بمعدلات نمو معتبرة تدعمها سياسات المالية العامة التوسعية والأوضاع النقدية التيسيرية، غير أن سرعة النمو السكاني وارتفاع نسبة الشباب في مجموع السكان باتا يشكلان تحديا هاما على المدى المتوسط في توفير مواطن شغل جديدة ومستقرة. ما نود أن نؤكد عليه في ختام هذه الورقة هو أن تدهور أوضاعنا الإنمائية والاجتماعية ناجم عن سياسات القمع والاستبداد وتفشي ظاهرة الفساد وغياب الديمقراطية، فكما أن الديمقراطية توفر الأرضية الخصبة للتنمية والإبداع والازدهار فإن التنمية الشاملة والعادلة تخلق بدورها مناخا سليما لانتعاش الديمقراطية، ففي حالات الفقر والقمع والفساد والبطالة تصبح المجتمعات أكثر عرضة للعنف والتوتر والإجرام في حين يقود الازدهار الاقتصادي وتكافؤ الفرص وحرية الإعلام والتعبير إلى الانفتاح والاعتدال والتسامح والديمقراطية. ‘ ناشط حقوقي وكاتب صحفيqmdqpt

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية