تتباهى الأمم باحترامها لحق الإنسان مهما كانت قوميته أو دينه أو مذهبه أو انتماؤه السياسي أو جنسه، ورعايته وتبجيله ووضعه في المكان الذي يليق به في الحياة، وتتباهى الأمم أن تجعل إيراداتها ومواردها في خدمة الإنسان، وأن توفر له ما يليق بإنسانيته وقيمته في الحياة، وان تكون سلطاتها بخدمة الناس وحمايتهم لا العكس. الأمم مثل البشر تنهض بعد أن تكبو، وتتألق بعد النكوص، وتستفيد من تجربتها، وتدرس سبل إخفاقها وفشلها حتى تتجاوزها، ولا تكرر الوقوع في أخطاء قد تعيق مسيرتها لتلحق بركب التطور والتقدم البشري. إن الأمة العربية منذ عرفها التاريخ وهي تعيش زمناً يسوده الجهل والظلم والبؤس، حتى جاء الإسلام الذي وضع حداً لأوجاعها وهمومها، وبالتالي ارتقى مقامها، واستقامت أمورها، حتى سقوط مملكة غرناطة المسلمة في أواخر القرن الخامس عشر، حينها كان العرب قد ذاع صيتهم بين الأمم بفضل النموذج الحضاري المتميز، الذي كان بمثابة تاج يعلو رأس هذه الأمة مما جعلها أكثر الأمم تفوقاً في ذلك الزمان في العديد من المجالات، ولكن بعد هزيمة العرب في غرناطة بدأ العد التنازلي في تدهور هذا النموذج الحضاري، حين تساهلت هذه الأمة بقيمها ومبادئها التي كانت تمارسها وتدعو لها، ومنذ ذلك الوقت، وهذه الأمة تعاني الأمرّين، التشتت والتشرذم من ناحية، والجهل والفقر والظلم من ناحية أخرى. وبذلك يعيدُ التاريخ نفسه، ويعيد هذه الأمة إلى سابق مجدها قبل الإسلام وهي الجاهلية العربية وما تحمله من بذور العشائرية والعنصرية، التي قادتها إلى الانقسامات، بل جزأت الأمة إلى دويلات، وإمارات، هذه هي حقيقة تاريخ الأمة، فهناك دول تعرضت لكبوات، وسقطت تحت حوافر الخيول ونصل السيوف في الحروب، وتحت لهيب قذائف الدبابات وأصوات المدافع، والقتال على الحدود، ولم تستفد من تجاربها المريرة ونهوضها بحالها. ماذا بعد هذا التاريخ الطويل والمليء بالمعاناة القاسية، التي عاشتها الأمة بأجيالها المتلاحقة؟ ولذلك نجد أجيالا بعد أجيال تتساءل متى يتغير الحال؟ وفعلاً حدث ما حدث وما هو متوقع! ما يحدث حالياً في مصر، بالفعل ثورة عارمة قاتلة سميت بثورة الربيع العربي. لأن الربيع العربي ما هو إلا هرطقة كغيرها من الهرطقات السياسية والاجتماعية السابقة التي عاشتها الشعوب العربية، وخدرتها لقرون عاشت خلالها في أوهام الشعارات وآمال الانقلابات أودت بها إلى التخلف، والفقر والتشريد، هذه هي بالفعل حقيقة الربيع العربي الذي يعتبر بدعة جديدة كتب سناريوهاتها قوى الاستعمار الدولية والمؤسسات الدولية المهيمنة عليها، ونفذتها حفنة من قوى الشر العربية المحسوبة على قوى الاستعمار مقابل السلطة أو المال وذلك لإدخال شعوب هذه الأمة مرة أخرى في سراب جديد، بل في سراديب وأنفاق مظلمة، لن يكون في نهاية هذه الأنفاق ضوء مشرق. إن ما تعيشه أمتنا اليوم من تفكك وتشرذم يشبه – إلى حد بعيد- حالات عاشتها من قبل، تقطعت فيها الراية الواحدة إلى عدة رايات.. يقاتل بعضها بعضا، وتمزق فيها الشعب الواحد إلى شعوب ودول، ولا يكاد يختلف اثنان على أن الوحدة هي السبيل الأمثل – إن لم نقل الأوحد- لتجاوز تحديات المرحلة. السيناريوهات متعددة، وأخطر ما فيها أنها تتم في غياب العرب، ودون أي اعتبار لمصالحهم، وهو غياب سيظل مستمرا ما استمرت أزمة مصر وتواصل تغييبها، وللأسف فإن المتعاركين في مصر مستغرقون في تجاذباتهم وذاهلون عما يمثله ذلك من خطر كارثى على الأمة العربية جمعاء. نحن مطالبون اليوم – أكثر من أي وقت مضى- بالاستفادة من تلك التجارب والسيناريوهات ودراستها بجدية ووعي، كي نتعلم منها، ونعمل لتحقيق هدف الوحدة الذي تتوق إليه الأمة. أيمن هشام عزريل – فلسطين [email protected]