قبل أن يسقط وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من شدة الاستغراب بسبب العنوان الوقح لهذا المقال، سأشرح بأن هناك نوعين من اللاساميين، الأول تقليدي، ما في قلبه على لسانه، يكره اليهود وبالتأكيد يكره العرب أيضاً، ويعبر عن غضبه بتصريحات عنصرية وتحريض مسموم، لذلك تسهل محاربته ومحاربة تحريضه. جيد، أيها الوزير المحترم بلينكن، أرح عقلك، لست من هذا النوع. فما يخرج من فمك عسل نقي.
لكن لا تسارع إلى الاحتفال، لأن هناك نوعاً آخر من اللاساميين، أكثر خطراً، يحتضن اليهود، لا سيما المتطرفين ومن بينهم الفاشيون. هو يخرج عن أطواره كي يحارب ضد التصريحات الفاشية لغير اليهود، لكنه يقف بصمت أمام الأفعال المرعبة للمتطرفين اليهود مثل قتل 150 فلسطيناً منذ بداية السنة، وأمام قتل شيرين أبو عاقلة، التي هي فلسطينية وأيضاً مواطنة أمريكية. اللاسامي من النوع الثاني يهمس في أذن المتطرفين في إسرائيل “افعلوا كل ما يخطر ببالكم. سأغفر وسأدعم وسأشجع. حتى في الأوقات الصعبة حيث يقف العالم كله ضدكم، سنحرص على أن يكون انتقادنا ضئيلاً. نعم، استمروا في سرقة الأراضي في الضفة الغربية وقتل الفلسطينيين كما تشاؤون، وإذا كان الثمن الذي سيدفعه المجتمع الإسرائيلي بسبب استمرار الاحتلال سيكون الإكراه الديني وكم الأفواه، فهذا غير فظيع؛ سنتحفظ قليلاً وسنقوم بليّ الأنف قليلاً، الأساس هو أن تواصلوا الدفاع عن مصالحنا، لا سيما عن مصالح تجار السلاح. المكان الذي نخجل فيه من ارتكاب المظالم، ستقومون بها أنتم، بحماستكم المسيحانية، وسيكون هذا جيداً”.
اللاساميون من هذا النوع لا يهمهم أن يتراكم في الرأي العام الدولي غضب كبير على اليهود لكونهم يهوداً، بسبب سلوك حكومة إسرائيل، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من موجات اللاسامية والتنكيل. الأساس هو أن لا تتضرر مصالح مثيري الحروب وتجار السلاح. لا توجد قومية للسلام، ولا إله أو قيم. صحيح أن له الكثير من الضحايا، لكن من يعنيه ذلك؟ وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن بلنكن يريد التهدئة، وإزاء صعود الفاشية إلى الحكم في إسرائيل فإنه يشرح في مؤتمر “جي ستريت” بأن أمريكا ستحاكم حكومة نتنياهو “وفقاً للسياسة التي ستتبعها وليس حسب هوية الأعضاء فيها” (“هآرتس”، 4/12). من المؤسف أن ليبرالي واشنطن لم يطلب بصورة قاطعة “أعطوا فرصة للفاشيين”. أقوال وزير خارجية دولة عظمى، تملأ مخازن السلاح في إسرائيل، هي أفضل هدية لبن غفير وسموتريتش ونتنياهو. هذه الفرصة لا يعطيها الأمريكيون لحكومة النمسا، مثلاً، بعد انضمام الحزب اليميني المتطرف فيها، يارغ هايدر، إلى الائتلاف في 2000. الحديث هنا يدور عن امتياز، لكنه امتياز مسمم. فهو تجسيد لللاسامية الثانية، امتياز يقول اتركوا اليهود والعرب الذين يعيشون معهم النضج في مرقهم.
ما الذي يهم بلينكن إذا كانت إسرائيل عقلانية أو هستيرية، ما دام بيغاسوس يراقب محاربي الحرية الذين يتسببون بوجع رأس لحلفاء أمريكا؟ يتبين أنها هي “القيم المشتركة” التي تتقاسمها إسرائيل مع الأمريكيين.
في فترة حكم مناحيم بيغن، اعتقد المثقفون في إسرائيل بأن أمريكا ستنقذ إسرائيل من نفسها، لكن حتى في حينه والآن أيضاً فإن أصحاب الشأن سيحافظون على العقلانية في دولتهم. مع كل الاحترام، ليقوم بلينكن في دس نصيحته في جيب معطفه. التقدميون في إسرائيل لن يعطوا الفرصة للفاشيين. هم يتذكرون الدرس الذي تعلمه اليهود الذين عاشوا في ثلاثنيات القرن العشرين في أوروبا، ولن يسمحوا بـ “لعب نظيف” على صيغة “لننتظر ونرى” كما يقترح بلينكن. لا يتم اللعب مع الفاشيين الظلاميين، ولا حتى اللعب النظيف.
بقلم: عودة بشارات
هآرتس 12/12/2022
حبذا لو يدرس وزراء خارجية الدول العربية المطبعة مع اسراءيل هذا المقال ويثيروا هذه الاسئلة مع المسؤولين الغربيين عندما يتحدثوا عن الماسي الانسانية التي يعاني منها الفلسطينين تحت الاحتلال او الحصار الاسرائيلي.
أحسنت التحليل سيّدي عودة بشارات.
كلام صائب وفي الصميم . وشكراً لك يا استاذبشارات . وبلينكن لن يغيّر موقفه وهو في النهاية الدفاع عن اسرائيل مهما كان . وحتى إن أدرك بلينكن أن الفلسطينيين سواء كانوا من أصول كنعانية تعود الى عشرات الألوف من السنين أم عرباً أم سريان – فجميعهم ساميين 100% وينتمون الى هذا البلد – بلينكن لن يغيّر موقفه هذا . المتطرّفون الإسرائيليون ولو كانوا يهوداً فالقسم الأعظم منهم في الأصل اوروبييون . وبلينكن ما زال لن يغيّر موقفه في دعم اسرائيل . باطل . فلسطيني حر