إلى متى تظل أقطار الخليج العربي مجرد شركات مساهمة؟

حجم الخط
5

اقطار الخليج العربي غنية بسلعتين استراتيجيتين مهمتين للاقتصاد العالمي هما النفط والغاز. ولعل هذا هو سبب الصراع بين ايران من جانب وبين الغرب وربيبته ‘اسرائيل’ من جانب آخر في الوقت الراهن، وحرص الغرب الدائم والمستمر على ان تكون له اليد العليا في المنطقة وقطعا أمن ‘اسرائيل’ يأتي دائما في المقدمة. ولهذا السبب حرصت الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها دول الغرب على ان تنأى اقطار الخليج العربي بنفسها عن الحرب العراقية الايرانية التي دبرها الغرب نفسه لاضعاف اكبر قوتين اقليميتين في الخليج العربي، وثمة من يذهب الى انه لولا قيام تلك الحرب لَما قام اصلا مجلس التعاون، رغم كل عيوبه، وكان بقرار امريكي غربي محض، وهو بطبيعة الحال دون سقف اهتمام الشعوب الخليجية بكثير. وعندما غزا العراق (في زمن صدام حسين) الكويت ـ ولم تكن الاصابع الامريكية والغربية والصهيونية ذاتها التي دبرت الحرب العراقية الايرانية غائبة عن المشهد – هب الغرب عن بكرة ابيه بقيادة امريكا لتحرير الكويت، ليس قطعا حبا في الكويت، ولكن حرصا على ان تبقى الكويت ويبقى الخليج العربي كله منطقة لنفوذ امريكا والغرب فحسب، ومن خلالهما ‘اسرائيل’، والعكس يمكن ان يكون صحيحا حسب محللين امريكيين واوروبيين. ولعل هذا كذلك هو السبب ربما في ان اقطار الخليج العربي ينظر اليها الكثير من المحللين على انها شركات مساهمة. بمعنى انه ولا واحدة منها استطاعت رغم ثرائها العريض ـ بمعيار بيع البترول والغاز ـ ان تصبح احد الاقتصادات الناشئة كدول البركس الخمس، التي هي الان تنافس الاقتصادات التقليدية الضخمة كالاقتصاد الامريكي واقتصاد دول منطقة اليورو والاتحاد الاوروبي والاقتصاد الياباني. ونطرح هنا عدة تساؤلات، هل السبب راجع الى ان اقطار الخليج العربي لم تستطع ان تدخل الى مجال التصنيع المستقل الثقيل كصناعة السيارات والقطارات والطائرات والاسلحة، كالبرازيل والهند والصين وروسيا وجمهورية جنوب افريقيا، التي يُطلق عليها دول ‘البركس’؟ وهل صحيح ان اقطار الخليج العربي بلعت الطعم الذي سوقته لها دول الغرب بان تكلفة استيراد تلك الاحتياجات منها اقل بكثير من تكلفة تصنيعها في الداخل الخليجي؟ وهل عدم الدخول هذا يمثل عجزا في القرار السياسي لاقطار الخليج العربي او لارتهانه للخارج؟ وهل ان الولايات المتحدة الامريكية وبنسب متفاوتة دول الغرب الاوروبي ـ كما يُشاع – لم تأذن لاقطار الخليج العربي ان تصبح بلدانا مصنعة على الاقل مثل تركيا وماليزيا وايران، وان صممت على ان تفعل ذلك فان الغرب سيرفع غطاءه الحمائي التقليدي عن حكومات المنطقة، ويشجع الخلايا النائمة او الكامنة للانتفاض ضدها مطالبة بالديمقراطية والحرية والشفافية والعدالة؟ ولو افترضنا ان اقطار الخليج العربي احادا لا تحتمل الدخول في التصنيع الثقيل بالنظر لقلة السكان في كل منها مقارنة مثلا بالهند والصين وغيرهما من دول البركس، فلماذا اذن لم يحدث الى الان اتحاد بين اقطار الخليج العربي يتجاوز المجلس الحالي الذي ما زال رغم مرور اكثر من ثلاثة عقود يراوح مكانه؟ وهل صحيح ان فكرة الاتحاد الفيدرالي اوالكونفيدرالي التي اطلقها صادقا ـ كما نستشف – خادم الحرمين الشريفين منذ سنتين تقريبا (التي يمكن ان ينجم عنها مثلا دخول اقطار الخليج العربي في مجال الزراعة والتصنيع وبلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي والتقليل على الاقل من مخاطر تهديد الأمن الغذائي والصناعي التي تلوح بصورة واضحة في الافق القريب) وذلك لتوافر الارادة الجمعية والعنصر البشري والاقتصادي التي ستتيحها اي وحدة فاعلة محتملة بين اقطار المنطقة، وهل صحيح ان دعوة الملك عبدالله قد تم اجهاضها امريكيا وغربيا وصهيونيا، لتبقى اقطار الخليج العربي شركات مساهمة وسوقا تزود الغرب باحتياجاته النفطية، وسوقا لاستهلاك منتجاته وتكريسا للتبعية للغرب، اكلا ومشربا وملبسا وركوبا واتصالا، رغم كل عوامل التجانس التي تكاد تكون كلها متطابقة بين اقطار الخليج العربي، على عكس مثلا دول الاتحاد الاوروبي ودول منطقة اليورو او دول البركس التي يكاد التجانس يكون في ما بينها صفرا؟
في رأيي ان حكومات الخليج العربي لديها الان الفرصة السانحة تاريخيا لتطبيق برنامج الوحدة الكونفيدرالية في الحد الادنى، والموجود منذ زمن في ادراج الامانة العامة للمجلس وذلك للاسباب التالية :
ضعف الولايات المتحدة الامريكية عسكريا واقتصاديا نتيجة ترنحها تحت ضربات طالبان في افغانستان والعراق .دخول المجتمع الامريكي في مرحلة التفتت نتيجة الكراهية بين افراد شعوبه والاضرار الاقتصادية التي تلحقهم بسبب السياسات’الامريكية داخليا وخارجيا، والمس بحرياتهم الشخصية نتيجة الفضائح التي اعلنها سنودن، والتي عرت امريكا امام العالم وافقدتها مصداقيتها بانها زعيمة للعالم الحر، وحوادث اطلاق النار الذي لا يكاد يمر اسبوع الا ونشهد حادثة او اثنتين نتيجة للاحباط والكآبة اللذين يمر بهما الكثير من الامريكيين.

رغبة الادارة الامريكية الحالية من الانسحاب من العالم العربي (الشرق الاوسط) كمل يسمونه بسبب وجود اسرائيل فيه وايمان اوباما بان امريكا لم تعد قوة استثنائية، والتركيز على اسيا، الصين والكوريتين واليابان.
اما اوروبا فنصفها تقريبا مشغول بافلاس دول منطقة اليورو وتذمر كثير من الالمان والفرنسيين من تمويل بلديهما لدول منطقة اليورو، وانشغال بريطانيا بمشاكلها الاقتصادية الداخلية، ومنها البطالة بين مواطنيها نتيجة اغراق سوق العمالة البريطانية بالبلغاريين والبولنديين والرومانيين، مستغلين حرية الحركة في دول الاتحاد الاوروبي.
قيام دول البركس يشير الى ان التبعية لامريكا والغرب والبنك الدولي وصندوق النقد لن تكون للابد، وان اقامة تجمع اقتصادي مستقل ممكن الحدوث.
النجاح النسبي للحوار العربي الامريكي اللاتيني وقيادة اقطار الخليج العربي له، رغم محاولات الافشال الامريكية والغربية والصهيونية الى حد ما له، الذي ان استمر، يمكن ان يؤدي الى استئجار مناطق زراعية واسعة نتيجة لخصوبة اراضي امريكا الجنوبية، تستطيع اقطار الخليج ان تحل من خلالها مشكلة الغذاء نظرا لقلة الاراضي الصالحة للزراعة فيها.
قيام الثورات الشعبية العربية رغم نجاحها المحدود وتعثرها في الوصول الى اهدافها في دول تعتبر حليفة ‘لاسرائيل’ وامريكا والغرب، مثل مصر يؤشر على ضعف امريكا والغرب و’اسرائيل’، رغم نجاح الصهيونية و’اسرائيل’ في تخريب الديمقراطية المصرية نتيجة لدعمها لغزة ومطالبتها المبكرة بتحرير الاقصى، غير انه، كما يبدو من المؤشرات، تأثير مؤقت وستعود ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني. ونضيف الى ان تململ امريكا والغرب الى حد ما من ‘اسرائيل’ وانتقادها وتهديدها بقطع المساعدات اذا لم تقدم على حل الدولتين وانتشار الوعي بين شعوب امريكا والغرب عن حقيقة ‘اسرائيل’ وممارساتها القمعية، مما نأمل ان يسفر عنه ضعف ‘اسرائيل’ الذي سيؤدي الى اقامة حكم ديمقراطي حتى في دول الطوق العربي. لان ‘اسرائيل’ قوية هو الذي لم يسمح باقامة ديمقراطية، ولاسيما في الدول المجاورة لها، لان اي ديمقراطية ستكون خطرا عليها وعلى امريكا وعلى الغرب، اضافة الى وجود البترول والغاز في العالم العربي غير ان الامر يبدو مختلفا الان مع الضعف الاقتصادي لامريكا والغرب واعلان اوباما عن عدم اهمية ما يسميه بالشرق الاوسط ونسميه نحن العالم العربي، للولايات المتحدة الامريكية وبالتالي للغرب.
اذن كل تلك العوامل يمكن ان تحفز حكومات الخليج العربي لان تخرج من الكهف الامريكي الغربي وتستقل بقرارها السياسي. مطلب الاتحاد الكونفيدرالي هو مطلب شعوب الخليج العربي في الحد الادنى الذي سيتيح الارادة الجمعية الشعبية للتحول نحو حكم ديمقراطي ومجتمع خليجي صحي، يؤمل ان تنتشر في ربوعه الحرية والعدالة والشفافية، ويشعر فيه المواطن بأنه شريك في اتخاذ القرار وشريك في ثروة خليجه العربي من غير ثورات شعبية يمكن ان ينفذ من خلالها اعداء الامة وعلى رأسهم ‘اسرائيل’ لتعطيل وهدم ما تم بناؤه عبر عقود.

‘ استاذ جامعي وكاتب قطري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حورية الجزائر:

    مقال رائع جزاك الله خيرا عمي علي .

  2. يقول د. سهى بعيون ـ لبنان:

    مقال رائع دكتور علي..

  3. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    قد أصبت المقتل وكفيت ووفيت يا أستاذنا الفاضل…جزاكم الله خيراً

  4. يقول خالد:

    فكر راقي وصحيح ليتنا نطبقه …….الفكر موجود والمصادر موجودة والإرادة موجودة عندنا وأصحاب القرار معنا فماالذي ينقصنا (العمل) فقط لننهض بامتنا مع ألأمم الاخرى

  5. يقول باسل+سورية:

    شو وضع الحرية و الشفافية ببلدك ؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية