في سياق السنة الماضية، فرضت إدارة ترامب عقوبات متشددة على الاقتصاد الإيراني، على صناعة الطاقة الإيرانية وعلى كبار الطغمة الدينية السائدة هناك. وتركزت العقوبات على شخصيات معينة في القيادة، بينهم وزير الخارجية ظريف والزعيم الروحي الأعلى خامينئي. والعقوبات جزء من سياسة أمريكية جديدة تجاه النظام في طهران، بدايتها في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق لمنع التسلح النووي لإيران، الذي تشارك فيه الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا.
أخذت العقوبات الشعب الإيراني وهو في حالة من خيبة أمل عميقة. فالاتفاق النووي في تموز 2015 لم يحقق انعطاقة حقيقية –لا سياسية ولا اقتصادية– وبعد انتعاش قصير، كان نتيجة ارتفاع لمرة واحدة في تصدير النفط وتحرير جزء من أرصدة العملة الصعبة المحتجزة في البنوك الدولية، عاد الاقتصاد الإيراني إلى مسار الجمود. تشويهاته معروفة: انعدام نجاعة عالية، وتحكم مطلق من جانب هيئات سياسية ودينية بأجزاء واسعة في الاقتصاد، ورقابة غير ناجحة على العملية الأجنبية، وفساد لا يقدر، وغيره. وحسب معطيات صندوق النقد الدولي، التي نشرت لتوها، فإن الناتج المحلي للفرد في العراق المحطم من الحروب والإرهاب أعلى من الناتج للفرد في إيران، التي لم تشهد حرباً لعشرات السنين. مستوى المعيشة الحقيقي للفرد في إيران اليوم أدنى مما كان في أواخر حكم الشاه الفارسي في نهاية السبعينيات.
المرض الاقتصادي والاجتماعي البنيوي لإيران، والذي ليس له شفاء في ظل النظامي القائم، خلق ظروف بداية مريحة لنجاح العقوبات.
إن المرض الاقتصادي والاجتماعي البنيوي لإيران، والذي ليس له شفاء في ظل النظامي القائم، خلق ظروف بداية مريحة لنجاح العقوبات. فناتج الاقتصاد الإيراني في نهاية السنة سيكون أقل بعشرين في المئة –عملياً، بـ 90 مليار دولار– مما كان متوقعاً أن يكون لولا العقوبات. ويصل التضخم المالي لوتيرة سنوية معدل 40 في المئة، العملة في هبوط حر، والبطالة تصل إلى 18 في المئة من قوة العمل و 30 في المئة في أوساط الشباب. المنظور أسود.
إن محاولة شركاء الاتفاق النووي الأوروبيين إطلاق مشروع “اينستيكس”، وآلية تحويل الأموال الدولية المتجاوزة للعقوبات والتي تتيح لها التجارة مع إيران – ظاهراً لأهداف إنسانية، وعملياً لأهداف تلطيف حدة العقوبات والحفاظ على النفوذ الأوروبي – كان من شأنها أن تخرب نجاعة العقوبات. لقد نجحت إدارة الرئيس أوباما في إخضاع إيران وإجبارها على التراجع المؤقت عن التنمية العسكرية النووية فقط بعد أن قطعت المنظومة المالية الإيرانية عن “سويفت”، شبكة الاتصال والتسديد بين البنوك على المستوى العالمي، والتي فيها الكلمة المقررة للأمريكيين: البنك الذي ليس عضواً في السويفت هو جسم مالي أعمى وأطرش. ولحظ الأسرة الدولية الديمقراطية، فإن اينستيكس البديلة لم تفعّل بعد. ليس في أوروبا مديرو مؤسسات بنكية راغبون في المخاطرة بإغضاب وزارة المالية الأمريكية، المسؤولة عن فرض العقوبات. فمن ناحيتهم، تعدّ سويفت شبكة ناجعة وسريعة ورخيصة في الاستخدام، ومجالس إدارة البنوك غير مستعدة لإقرار استثمارات في بدايل متعثرة.
تشير الاستفزازات العسكرية شبه الصبيانية للجسم السرطاني المسمى “الحرس الثوري” إلى الضائقة والقلق اللذين ينتشران في أوساط الطبقة الحاكمة في إيران. فهو لا يحرس الثورة، بل يحرس الثراء والقوة لمسؤوليه. فهو مكروه ومرعب أكثر من أجهزة قمع الشاه الفارسي التي حل محلها.
إن طرح الأزمة الإيرانية على طاولة المباحثات من أجل تغيير وتعديل الاتفاق النووي ومنع تسلحه بسلاح الصواريخ الهجومية لن يتحقق بوسائل عسكرية. لهذا الغرض، مطلوب توافق ومثابرة وتصميم مشترك لزعماء الدول التي تقف حيال إيران. ليس هناك ما يعتمد عليه على بوتين الروسي وشي الصيني، وليس مؤكداً أيضاً أنه يمكن الاعتماد على ترامب الأمريكي وجونستون البريطاني، المعروفين بتقلباتهما.
في نهاية المطاف، الشعب الإيراني وحده يمكنه أن يسقط نظام الشر في بلاده وهو لن يفعل ذلك إذا ما نشأ في إيران الانطباع بأن الغرب بعمومه، والولايات المتحدة بخاصة، يبحثون عن مواجهة عسكرية مع الوطن. بالمقابل، فإن تركيز العقوبات الدولية على فروع النفط، الغاز والشؤون المالية، والانضمام التام للاتحاد الأوروبي إليها وتوجيهها نحو شخصيات أساسية في أجهزة القمع ورجال الحكم المكروهين سيسرع الاحتجاج والمعارضة، ويفكك بالتدريج سيطرة الخمينيين وخلفائهم في البلاد التي كان يمكنها اليوم أن تكون قدوة في التقدم والتنمية في المنطقة.
بقلم: سيفر بلوتسكر
يديعوت 15/8/2019