إلى وزراء الأردن: تواضعوا قليلا

أنهت حكومة «الطموح والمشاريع» الحالية في الأردن «100» يوم في الحكم، بحيث أصبح التشريح والتعليق شرعيا.
يبدو أن الطاقم الوزاري الحالي مع الاحترام لكل شخوصه لا يعمل بطريقة منسجمة ولا في سياق يظهر للجميع بأن الحكومة متضامنة وتعمل بصفة جماعية ومؤسسية، حيث تكثر المبادرات الفردية، وثمة زحام شديد على الميكرفونات، يقابله نسبة صمت تحتاج لتفسير عندما يتعلق الأمر بالإفصاح عن التفاصيل. ويبدو أن إشكالات التناغم بين أفراد الطاقم الوزاري تحتاج لمراجعة، ومن غير المستبعد أن يكون رئيس الوزراء يعرف ذلك، ولديه ملاحظات مماثلة، وبالتالي الطريقة الوحيدة لمعالجة هذا الإشكال هي الحد من ظهور الوزراء في الإعلام والتقليل من الكلام الكبير والكثير الذي يمكن الاستغناء عنه. كذلك تبني روايات موحدة، وقد تكون الطريقة الأسلم بعد 100 يوم وتقييم الأداء العودة إلى سيناريو تعديل وزاري، يتميز بالمرونة اللازمة، ويمنح الحكومة فرصة أفضل للإنجاز والتعبير عن نفسها مع إظهار قدر من الرشاقة تخفف الزحام.
تجربة وجود 3 نواب لرئيس الوزراء مع تداخل الملفات والصلاحيات قد لا تكون منتجة أو مفيدة، خصوصا وأن حجم الحكومة أصلا عريض، فهي حكومة واسعة وصلاحيات أفراد الطاقم فيها متداخلة. ولذلك يتحدث أعضاء مجلس النواب عن «قصور» في الإجابة على الأسئلة الدستورية، وأحيانا نلاحظ بأن الإجابة فيها قدر من الاجتهاد، أو لا تنبع من الاختصاص، وهي مسألة ينبغي أن تعالج.
بين الملاحظات الأساسية حصول تجاوب يهدر الوقت من قبل بعض الوزراء مع ما يثار في المنصات التواصلية والإعلام الإلكتروني، علما بأن وقت الوزير ينبغي أن ينشغل بما هو أهم دوما، حيث الظروف تحتاج لعمل مجهد ولوقت طويل، بدلا من الانشغال في الرد على ما تقوله منصات التواصل لأن ما يناقشه ويدعيه ويقوله المتفاعلون على الشبكات المحلية مرهق ومتعب ولا يمكن اللحاق به.
أحصيت شخصا عدد مرات ظهور واشتباكات أحد الوزراء مع ما ينشر على المنصات وفي المواقع وكان عدد ساعات الانشغال هنا على مقربة من عدد ساعات العمل المكتبي على الملفات، تلك معادلة لا يمكنها إلا أن تكون مختلة.

الحديث مثلا عن تحويل الأردن إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة يحتاج لعمل كثير، ولسنوات ولا يتناسق مع وضعنا المربك في مجالات الطاقة، حيث تصرح الحكومة بأن المحروقات المحلية لا تتفق مع المواصفات الأردنية

وفي الواقع لا نعرف سببا يدفع الحكومة وأحيانا الوزراء للمبالغة في الطموحات والإكثار من التوقعات والمشاريع وبصورة تعكس تناقضا في بعض التصريحات أحيانا.
بصراحة عانى الجميع في عهد الحكومة السابقة من كثرة الكلام الإنشائي، والحديث عن مشاريع عملاقة وطموحة، من الجيد أن توضع بين الخطط، لكن شريطة أن تتحول إلى واقع على الأرض، بدلا من إرهاق الوطن والمواطن بكثرة الحديث عنها ورقيا أو أمام الكاميرات. ونحسب بأن الإخوة الوزراء عليهم إظهار قدر من التواضع وضبط إيقاع التصريحات.
الحديث مثلا عن تحويل الأردن إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة يحتاج لعمل كثير، ولسنوات ولا يتناسق مع وضعنا المربك في مجالات الطاقة، حيث تصرح الحكومة بأن المحروقات المحلية لا تتفق مع المواصفات الأردنية، وحيث عدة ملفات لها علاقة بمشاريع الطاقة قيد التحقيق والتحقق، إما عبر التحكيم الدولي أو عبر القضايا التي أحالتها هيئة مكافحة الفساد. وحيث عطاءات بالجملة في مجال الطاقة البديلة تعرضت لهزة بيروقراطية في عهد حكومات سابقة ويشوب بعضها أقاويل شبهات الخلل في الترخيص أو الفساد.
أضم صوتي للقائلين بأن نرتب أوراقنا أولا في مجال الطاقة، ثم ننطلق لتحويل بلدنا إلى مركز»إشعاع» لعبور الطاقة في الإقليم مع ثقتي بحسن نوايا الوزيرة الحالية للطاقة والاحترام الشديد لمبادراتها مع طاقمها.
كذلك الأمر عندما يتعلق بالطموحات المشروعة في مجال الأمن الغذائي والزراعة، حيث مشكلات كبيرة في القطاع الزراعي يتحدث عنها وزير الزراعة وحيث حديث صريح وعلني لسلفه يعلن فيه بأن «الاستراتيجية الوطنية الزراعية السابقة غير صالحة ولم ولن تنفذ». وبالمقابل الإصرار على الحديث عن تحويل الأردن إلى مركز إقليمي للأمن الغذائي والزراعي… أسأل برغبة في الاستفهام فقط: كيف سنفعل ذلك ونحن لم نتفق بعد على استراتيجية وطنية للزراعة؟
في الاتصالات والنقل ثمة تعبيرات مماثلة وحتى في أمانة عمان وبلديتها ثمة هتافات ضخمة مبالغ فيها عن تحويل أو تحول العاصمة لمدينة كونية، فيما نعلق للعام العاشرعلى التوالي بمشروع «باص سريع» أو «صريع» على حد تعبير الصديق عبدالله بني عيسى.
ومن هنا ندعو الوزراء للتدقيق فيما ينقل على لسانهم، وأحيانا لإظهار قدر من التواضع في الحديث عن مشاريع إقليمية بصورة لا تجعل الكلام مجرد أفكار لا تناسب الواقع الموضوعي أو مقترحات على الورق تتجاوز الإمكانات الحقيقية لبلادنا.
ومن الآخر ما نحتاجه أن يرحمنا الوزراء والمسؤولون، ويظهروا قليلا من الصبر البيروقراطي، ثم التواضع في الطموح بصورة تناسب الوطن والمواطن، والأهم تناسب «حالتنا الإدارية» والنخبوية التي نعرفها جيدا فالبلد «قرية صغيرة» وكل من فيها يعرف إمكانات الآخر على الأرجح، والله أعلم.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *كل التوفيق للحكومة بإنجاز جميع المشاريع
    ومحاربة الفساد والفقر.
    حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين والمفسدين بالأرض.

إشترك في قائمتنا البريدية