تعكس شخصية رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة العجز الدولي في مواجهة حضور هذا الرجل الصاخب، وعناده في رفض كل ما له علاقة بفلسطين. ولعل صخب هذه الشخصية عبر عنه نتنياهو في عدة لقاءات متلفزة سابقة، باتت تظهر تباعاً هذه الأيام، لتشخص وبشكل واضح حالة غرور مطبق وكراهية عرقية غير مسبوقة وتشخص إصراراً فعلياً على تطبيق رؤاه الإحلالية الإقصائية للشعب الفلسطيني عن أرضه التاريخية.
ولعل جبروت حاكم تل أبيب لم يأت فقط من وهن العالم العربي وسيطرته على مفاصل القرارات الدولية، بل من قناعة دفينة بأن مقص الشرذمة الذي فرضه الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الثانية قد «نسي» إسرائيل حسب نتنياهو ليقتطع فلسطين من لحم الأمة العربية لصالح الفلسطينيين آنذاك بينما كان من المفترض وحسب نتنياهو مرة أخرى، أن يقتطعها لصالح إسرائيل، حسبما تقوله أفعال الرجل وتصرفاته. ومن المؤكد أن هذا الأمر لم يجر التساوق الكافي معه عام 1948 تحديداً مع تبعات قرار التقسيم، بل بقيت عيون المشروع الصهيوني على كامل فلسطين التاريخية لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وعليه يأتي نتنياهو اليوم ليعالج، حسب اعتقاده هذه «التناسي» التاريخي عبر اغتصاب الأرض العربية بالكامل، وترحيل سكانها على طريق تنفيذ المشروع الأكبر والقائم على أرضية المقولة المنقوشة على مدخل الكنيست الإسرائيلي: أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل. ولذلك وبهذه العقيدة يسوق نتنياهو تباعاً لاءاته المتغطرسة.
مشكلة العالم الحر بمن فيهم جمهور اليهود المتنورون، الذين تظاهروا واحتجوا ليست مع وقف الحرب على الشعب الفلسطيني فحسب وإنما مع الخلاص من ظاهرة نتنياهو
تصريحاته تقول: لا لدولة فلسطينية ولا لعودة اللاجئين ولا لحل الدولتين ولا لحدود الرابع من حزيران/يونيو ولا للانسحاب من غزة ولا للسلطة الفلسطينية في غزة، بينما أفعاله تقول: لا لعودة قطاع غزة لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول ولا للترابط الجغرافي بين غزة والضفة الغربية، ولا لوجود فلسطيني في الضفة الغربية، ولا لرفع الحصار عن غزة، ولا لدخول المساعدات لغزة ولا لوحدة فصائلية فلسطينية، ولا لمقومات الدولة ولا لتوفير الاحتياجات البشرية، ولا لبقاء أي عامل من عوامل الحياة حياً، ولا لأي وجود فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. هذا الصلف المتفاقم إنما تفوق على النهج الاستعماري وجعل من الاحتلال إمبراطورية قمعية دموية إبادية، لا تذعن لأحد ولا تقبل الضغط من أحد ولا ترى أحداً عجماً كانوا أم عرباً، ديدنها منطق القوة في مواجهة قوة المنطق.
إمبراطورية السيد «لا» ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ لا يهمها استعداء العالم ومشاعره ومواقفه ولا يعنيها انقلاب تعاطف الأصدقاء التاريخيين معها لتعاطف مع الشعب الفلسطيني المذبوح. لا تكترث للأثر الكبير لصور الدمار والقتل ولا الخراب ولا تعنيها بشاعة المشهد وقباحة تفاصيله، على خلفية أن الفرصة التاريخية قد سنحت الآن لاستكمال تنفيذ المشروع الصهيوني وتجسيد إمبراطورية إسرائيل وتغيير مسار التاريخ، انسجاماً مع ما قاله نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي. نتنياهو تحدث عن خريطته الشهيرة التي شطبت الضفة الغربية وقطاع غزة آنذاك وأسهب في الحديث عن أحلامه الاقتصادية وعن الشرق الأوسط الجديد، وعن الخط التجاري المفتوح من الهند إلى المتوسط، من دون أن يصارح مستمعيه بأنه يترقب فرصة سانحة للانقضاض على الفلسطينيين فيشردهم ويستولي على ما تبقى من أرضهم ويسيطر على غازهم في غزة وبترولهم في الضفة، ويقضي على الكابوس الذي لطالما قض مضاجعه والمعروف بالقضية الفلسطينية.
وعليه فإن مشكلة العالم الحر بمن فيهم جمهور اليهود المتنورون، الذين تظاهروا واحتجوا وحاججوا ضد مطامح «الإمبراطور» الجديد ليست مع وقف الحرب على الشعب الفلسطيني فحسب وإنما مع الخلاص من ظاهرة نتنياهو، التي لن توّلد سوى العنف والكراهية والتحريض والحقد ليس فقط على أرض فلسطين وإنما في كل أرجاء المعمورة. فهل هذا هو العالم الذي ينشده الجميع؟ ننتظر ونرى!
كاتب فلسطيني
[email protected]