إنجاز عملياتي واستخباري

حجم الخط
0

برغم أن غطاء السرية حول الهجوم الذي نفذ في سوريا في فجر يوم الجمعة لم يُزل تماما أصبح من الممكن الآن أن نقرر في حذر عددا من الحقائق وهي أن اسرائيل تُصور على أنها تعمل في احباط نقل وسائل قتالية متقدمة الى حزب الله؛ وأنهم في سوريا ولبنان يُحجمون عن الرد الآن؛ وأن الولايات المتحدة في حيرة بسبب سلبية ادارة اوباما.

رسالة الى المحور الشيعي
إن جملة التقارير الاخبارية التي تدفقت حتى الآن وهي في البعض منها متناقضة، من مصادر غربية وعربية، ترسم الصورة التالية: على حسب ما تقول وكالة الأنباء ‘رويترز’ اجتمع في مساء يوم الخميس المجلس الوزاري السياسي الامني المصغر كي يقرر الهجوم على شحنة مُرسلة من الصواريخ الدقيقة لحزب الله. وقد زعمت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ أمس أن الحديث عن صواريخ من طراز ‘فتح 110’ صُنعت في ايران وتم الهجوم عليها في مطار دمشق. ومع افتراض ان هذا التقرير الاخباري صادق، يثور تساؤل مركزي واحد وهو ان ‘فتح 110’ (الذي ينتج في ايران) يُعرف عندنا ايضا باسم ‘إم 600’ (الذي ينتج في سوريا). فلماذا هاجمت اسرائيل سلاحا لا يُعرف بأنه ‘يكسر التعادل’ بل صواريخ كانت مئات مثلها موجودة من قبل في لبنان وعرضت نفسها لخطر رد محتمل من سوريا أو من حزب الله؟
قد يكون الجواب موجودا في عالم ‘الاشارات الخفية’. ان هجوما كهذا، فضلا عن حقيقة أنه يسلب حزب الله كمية كبيرة اخرى من الصواريخ الثقيلة القادرة على ايقاع مصابين وأضرار كبيرة واسعة، يُبين لسوريا ولحزب الله ان اسرائيل جدية في حديثها عن أنها ستعمل في تثبيط نقل سلاح متقدم الى الغرب من سوريا الى لبنان، وبخاصة حينما يكون الحديث عن هجوم ثان في مدة قصيرة نسبيا. وتُنقل رسالة ثانية الى ايران ايضا وهي ان اسرائيل ستحارب جهودها لتسليح أعدائها في السودان وغزة وسوريا ولبنان.
صحيح أنه كان يبدو الى أمس ان الرسالة قد فُهمت في الحدود الشمالية. فالانكار السوري اللبناني لوقوع هجوم يشهد على أنهم غير معنيين برد في الجانب الثاني. في كانون الثاني الاخير، بعد ان دمرت اسرائيل (بحسب أنباء اجنبية منشورة) كتيبة صواريخ ارض جو من طراز ‘إس.إي 17’ كانت متجهة الى لبنان في ظاهر الامر، أوضحت سوريا وحزب الله أنهما لن تسكتا عن مثل ذلك في المرة القادمة، وها هي ذي جاءت المرة القادمة ولا يوجد رد؛ والسبيل الوحيدة التي يستطيعون بها تفسير هذا في دمشق وبيروت، الآن على الأقل، هي زعم انه لم يقع هجوم.

الصمت حسن للجميع
أرى ان اسرائيل كان يرضيها حال ألا تُنشر أنباء عن تفصيلات الهجوم ألبتة. فكل نشر كهذا يحرج سوريا وحزب الله ويحشرهما في زاوية وسيضطران في وقت ما الى الرد.
يبدو أن من كان مسؤولا أمس عن جملة الأنباء المنشورة أو تحريكها على الأقل هو عنصر امريكي كان مطلعا على سر تفصيلات الهجوم. إن ذلك العنصر ‘أحرق’ اسرائيل كما يُقال في اللغة المختصة وورطها، لكن ربما كان هدفه الحقيقي ‘أن يحرق’ ادارة اوباما. يتم تصوير اسرائيل بنظر امريكي غير مختص بتفصيلات نقل السلاح والأطراف المتقاتلة على أنها تعمل على مواجهة الشر الجاري في سوريا، في حين تستمر الادارة في واشنطن على الاكتفاء بتصريحات فارغة. ويمكن ان نُقدر ان كل نشر كهذا يأتي على أعقاب كلام رئيس قسم البحث في ‘أمان’ على استعمال ادارة الاسد للسلاح الكيميائي يُقرب الولايات المتحدة من نقطة الحسم بشأن تدخل فعال فيما يجري في سوريا.
الى جانب هذا التورط الجغرافي السياسي الذي يزداد حدة، سجل الجيش الاسرائيلي (مرة اخرى) اذا كانت الانباء المنشورة صحيحة حقا انجازا عملياتيا مدهشا. فان هذا الهجوم يحتاج الى معلومات استخبارية دقيقة ليس من السهل الحصول عليها وبخاصة مع عدو متشكك مستخفٍ أصيب من قبل ويحرص على الامتناع عن الكشف عن نفسه.
ويحتاج التخطيط العملياتي ايضا الى دقة كبيرة لمضاءلة الانكشاف والخطر على الطائرات المهاجِمة. إن هذا التأليف بين المعلومات الاستخبارية والعمليات سجل في السنين الاخيرة سلسلة نجاحات طويلة، ولا يكمن فيها فقط مفتاح منع اجراءات تسلح خطيرة بل رد حاد قاطع ايضا في حال أفضت عملية الآن أو في المستقبل الى تصعيد عسكري.

اسرائيل اليوم 5/5/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية