لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “إندبندنت” افتتاحية طالبت فيها برحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى يكون هناك أيّ أمل للسلام في الشرق الأوسط.
وقالت إن المنظور يبدو بعيداً، لكن إسرائيل بحاجة لزعيم يعقد سلاماً مع الفلسطينيين ويمكنه تعزيز الأمن في مواجهة التهديدات من إيران، وإعادة بناء التحالفات الإقليمية، وهو ليس الرجل الذي يصلح لهذه المهمة.
لو واصل نتنياهو هجومه على رفح فسيزيد من الأمور سوءاً له وللإسرائيليين، قانونياً ودبلوماسياً وعسكرياً
وقالت إن نتنياهو، الذي يقدم نفسه بصورة الرجل القوي، سينزعج، من احتمال إصدار محكمة الجنايات الدولية أمرَ اعتقال ضده ووزير الدفاع يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب. وسينزعج أكثر لكونه في نفس القائمة مع زعيم “حماس”، يحيى السنوار ومحمد الضيف، وهو أمر لم يتصوره أبداً مع بداية الحرب ضد غزة.
وبالتأكيد سيعبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي وأنصاره عن غضبهم من تحركات محكمة الجنايات الدولية، تماماً كما فعلوا عندما كانت مزاعم جنوب أفريقيا ضد الحكومة الإسرائيلية معقولة لدرجة وافقت محكمة العدل الدولية النظر فيها.
وقريباً، سينضم نتنياهو إلى قائمة محاكم الجنايات الدولية، ومع فلاديمير بوتين وسلوبدان ميلوسوفيتش وبول بوت، هذا إنْ واصلت محكمة الجنايات الدولية إجراءاتها.
ورأت إسرائيل “الديمقراطية” مقاربة أفعالها بأعمال “حماس” “الإرهابية” أمراً مؤذياً بدرجة كبيرة. ومثلما ناقش الإسرائيليون دائماً، فإن الجرائم التي ارتكبتها “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ضد المدنيين كانت فعلاً إرهابياً يحتاج لرد، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. ومع ذلك، وكما كان واضحاً لبعض الوقت، وبغض النظر عن الصراع، سواء القريب، أو الذي يمتد على مدى عقود، فإن إدارة الحكومة الإسرائيلية للحرب قادت حتماً إلى هذه النتيجة.
فمنع وصول المساعدات الإنسانية، وهي إستراتيجية تمّت للقرون الوسطى، واستمرار تشريد السكان الذين فقدوا بيوتهم، وخسارة أكثر من 35,000 شخص، وحصيلة الضحايا 100,000 شخص، والدمار الكامل للمدن والبلدات، والأطفال الذين تيتّموا، ومعاملة أسرى الحرب، ونقص التغذية والمجاعة المحتومة، كلّها سمات لا أحد يجادل فيها لهذه الحرب.
وتشمل على أدلة من الصعب دحضها أن وزارة الدفاع وجهت كل هذا ولم تلتزم بقانون الحرب أو قواعد الاشتباك. وببساطة لم توفر الحماية للمدنيين، وخاصة الأطفال.
ويتم فحص المدى وطبيعة الإهمال، أو أسوأ من هذا، أمام محكمتين دوليتين. ولم يتم بعد توجيه اتهامات إلى دولة إسرائيل أو بنيامين نتنياهو وزملائه بالإبادة الجماعية أو ارتكاب جرائم. وبالتأكيد فلم يصدر المدعي العام للجنائية الدولية مذكرات اعتقال بعد، وعليه إقناع زملائه في المحكمة. لكن حقيقة مناقشة هذه المزاعم وبشكل معقول، هي في حد ذاتها إدانة فظيعة لطريقة إدارة الحرب.
ويقوم دفاع نتنياهو على أن “حماس” هي التي شنت الحرب، وأن المدنيين هم ضحايا حتميون للحرب، وأكثر من هذا، ففي غزة تستخدم “حماس” المدنيين كدرع بشري، وتختطف الأسرى، وتختبئ بالأنفاق التي حفرتها بمناطق مكتظة بالسكان. وحتى لو أخذنا هذه العوامل بالحسبان، تظل أفعال إسرائيل غير متناسبة. وهذا هو التوازن الذي يقوم المحامون بالنظر إليه. ولكن الكثيرين من أصدقاء إسرائيل وحلفائها أصدروا قرارهم، وبناءً على الحقائق الواضحة، وهي أن هذه الحرب تسبّبت بألم فادح على الناس الأبرياء.
الصحيفة: في الوقت الذي قد تتحول إيران لدولة غير مستقرة بعد وفاة رئيسها، فإن إسرائيل بحاجة لرئيس وزراء يستطيع توفير الأمن الذي تحتاجه لمواجهة التهديد الوجودي من طهران
ولعل أكبر فشل لنتنياهو أن هذه الحرب الضخمة، التي دمرت نصف بنايات غزة وقصفت البنى التحتية فيها وأعادتها إلى العصر الحجري، لم تؤد لتحقيق هدف الحرب وهو محو “حماس” أو استسلامها. فالحركة التي انخفض حجمها لا تزال ناشطة في مناطق في الشمال أعلنت عنها إسرائيل أنها “نظيفة”. ولا يزال مصير الأسرى مجهولاً، ما يزيد من سخط الإسرائيليين. وكما تذكرنا طلبات المحكمة الجنائية الدولية، فقادة “حماس” لم يقتلوا أو يقبض عليهم.
ولو واصل نتنياهو هجومه على رفح فسيزيد من الأمور سوءاً له وللإسرائيليين، قانونياً ودبلوماسياً وعسكرياً.
وبطريقة ما فقد كان تحقيق الجنائية الدولية حول نتنياهو انتصاراً لـ “حماس”، وبات معزولاً دولياً، ويقترب من حرب مع إيران، وبطريقة لم تر من قبل. ولكن الزعيم الإسرائيلي اتخذ قراراته الجسيمة، وعليه تحمّل المسؤولية.
وفي الوقت الذي قد تتحول إيران، أكبر عدو لإسرائيل، لدولة غير مستقرة بعد وفاة رئيسها. فإن إسرائيل بحاجة إلى لرئيس وزراء يستطيع توفير الأمن الذي تحتاجه لمواجهة التهديد الوجودي من طهران.
ومع أن منظور السلام يبدو بعيداً في الوقت الحالي، فإن إسرائيل بحاجة لزعيم يعقد سلاماً مع الفلسطينيين، ويعيد بناء التحالفات مع الدول الجارة والشركاء الأقوياء. والهدف هو تحييد التهديدات لا مفاقمتها.
وبطريقة ما دفعت “حماس” نتنياهو لتبديد التحالفات الإقليمية الناشئة والنوايا الدولية الحسنة التي تمتع بها بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وحوّل نتنياهو إسرائيل إلى دولة منبوذة، وباتت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي، محبطة وغاضبة. ولم تكن “حماس” تتمنى أكثر من هذا. وهدّد عضو حكومة الحرب بيني غانتس بالاستقالة، لو لم يقدم نتنياهو خطة لما بعد الحرب في غزة. وأفضل ما يمكن لغانتس عمله هو الضغط، وإنهاء فترة نتنياهو الكارثية.