لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش
يقول أوليفر كارول مراسل صحيفة “إندبندنت” في موسكو “بالنسبة لجيش خاص بدون اسم رسمي في بلد تعد نشاطاته غير قانونية، يبدو أننا عرفنا الكثير عن شركة “فاغنر”. وعلى ما يبدو نعرف أين يتدرب جنودها، في بناية أنشئت حديثا في كراسندور كراي، قرب أوكرانيا. ونعرف أن المقاتل منهم يحصل على 200.000 روبل وهو سبعة أضعاف الراتب العادي في روسيا، ونعرف عدد المقاتلين الذي يتراوح ما بين 1.500 – 2.000، كما ونعرف متى وأين قتلوا، وكل هذا من خلال التحقيقات في وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك من المصادر المفتوحة، وهي مصادر لم يكن الكرملين قادرا على الحظر”.
مواجهة في الصحراء
ويضيف إن المواجهات التي اندلعت الأسبوع الماضي في الصحراء السورية حيث قالت القوات المدعومة من الولايات المتحدة أنها هاجمت مقاتلين يساندون قوات نظام بشار الأسد، أدت إلى العودة للمصادر المفتوحة والتركيز على المرتزقة الروس. ويضيف إنه في غياب اعتراف رسمي بوجود هذه القوات فإن الأدلة من وسائل التواصل الاجتماعي خاصة “فكنتاك” تقدم الدليل الأكثر قوة حول الخسائر الروسية على يد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والذي يعتقد أنه بالعشرات. وهناك عدد من القتلى مرتزقة يعملون لصالح شركة فاغنر. وبعد فترة من الصمت والبيانات اعترفت موسكو يوم الخميس بمقتل خمسة مواطنين روس، مشيرة إلى أن هذا بحاجة إلى تأكيد وأن هؤلاء الخمسة الذين ربما قتلوا لا علاقة لهم بالنشاطات العسكرية الروسية. وتقول الصحيفة إن الكرملين اتخذ الإجراءات المشددة لإخفاء خسائره في سوريا. وقبل التدخل العسكري في سوريا عام 2015 جعل الرئيس فلاديمير بوتين من الخسائر العسكرية “سر دولة” سواء كان في حالة الحرب أو “السلم” إلا أن رواية الكرملين في ذلك الوقت أضعفت عندما انتشرت تقارير عن قتلى من الجنود الروس في العمليات العسكرية في شرقي أوكرانيا التي تدخلت فيها موسكو بدعم الإنفصاليين. ويعتبر الاعتماد على الجيوش الخاصة مثل فاغنر استمرارا للسرية. وروسيا ليست الدولة الوحيدة التي تستخدم الجيوش الخاصة. وفي الوقت الذي يعتبر فيه العمل بشركات التعهدات الأمنية أمرا معروفا إلا أنه في روسيا جريمة يعاقب عليها القانون. ولا يبدو أن الكرملين يريد تغيير القانون. ولهذا فالإنكار الظاهر لمقتل الجنود الروس في سوريا له وجه آخر- وهو إغضاب الجناح القومي الموالي للكرملين. وبدا التوتر واضحا هذا الأسبوع في البرلمان الروسي عندما بدأ النواب مثل نائب رئيس البرلمان إيغور ليبديف يتحدثون عن ضرورة أن تكون السلطات أكثر صراحة. وقال: “يجب أن نقدم التعازي لعائلات والاعزاء على من ماتوا” و “يجب على الحكومة أن تفعل هذا”. وقال فرانز كلينتسفيتش، نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الإتحاد “إن فعل الولايات المتحدة ذهب أبعد من المعايير القانونية”و “لم يتصرف الأمريكيون مثل هذا في سوريا.. وهذه سابقة. إلا ان تصريحاته كانت خارج السياق وادت إلى انتقادات له. وبعد أيام “استقال طوعا” من منصبه حيث وصفت المتحدثة باسم المجلس فالنتينا ماتفيينكو بأنه “تدوال عادي” للمنصب، إلا أن مصدرا مقربا من المجلس قال لـ “إندبندنت” إنه كان على كلينتسفيتش إغلاق فمه وأن “هناك لاعبين مهمين لهم علاقة بالأمر”. ورفض كلينتسفيتش التعليق على مقال الصحيفة بسبب انشغاله. ومع انتشار الفضيحة لم تحاول الحكومة التكتم فقط عليها بل إفراغ الأمر من معناه. وأصبحت المصادر أكثر انشغالا وبعدها صدرت تعليمات للجنود حول استخدام سائل التواصل الاجتماعي.
تهديد ورقابة
وبحسب صحيفة “إزفستيا” المقربة من الحكومة فقد طلب من الجنود الحفاظ على حساباتهم بشكل خاص والطلب من أقاربهم الامتناع عن نشر معلومات عن نشاطاتهم. وكان الهدف من هذا التدخل: تجفيف شريان الحياة للناشطين على المحققين في المصادر المفتوحة. وكان من أول الأهداف رسلان ليفيف ومؤسسته “كونفليك إنتلجنس تيم” من الباحثين على المصادر المفتوحة. وقامت الشركة بمراقبة والتحقق من مقتل الجنود في أوكرانيا وسوريا منذ أيار/ (مايو) 2104. وطلبت المؤسسة الأمنية من رسلان التوقف وأخبره محقق عسكري أنه قد يواجه السجن. وهناك رقابة وتنصت على الهاتف ومساءلة دائمة بل وقرصنة على حسابات فريق رسلان. ويقول الناشط رسلان إن وزارة الدفاع ركزت انتباهها على عائلات الضحايا الذين طلب منهم التوقيع على اتفاق عدم الكشف مقابل حصولها على تعويضات “قالوا لنا إن العائلات غير مسموح لها بالحديث معنا وإلا خسروا التعويضات”. ويقال إن كل عائلة تحصل على 3 ملايين روبل (53.190.000 دولار). ومن أجل التحايل على المنع تحدث رسلان مع أٌقارب. وتعرف المؤسسة الأمنية طريقته ولكنها “لم تكن قادرة على تحذير أي شخص”. ويقول الخبير في خدمات الأمن اندريه سولداتوف إن الرقابة الروسية ليست مصممة لمراقبة أعداد كبيرة “فالنظام ينقطع على المستوى الأدنى ونتوقع أن الحل هو مصادرة هواتف الجنود ولكنه لم يحدث بعد”.