إندبندنت: الإدمان على مادة “الميثامفيتامين” منتشر في العراق ويدمر الشباب

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن ــ “القدس العربي”:

في بلد نشأ فيه الشباب وسط النزاع ولا يجدون العمل أو دعما من الحكومة استغلت عصابات المخدرات الفراغ. في تقرير لها وجدت مراسلة صحيفة “إندبندنت” بيل ترو من بغداد إلى البصرة أعدادا كبيرة من مدمني المخدرات ونظاما يكافح للتعامل مع الحالات. وأشارت إلى انتشار تعاطي مادة الميثامفيتامين، وفي شهادة عن عينة لهؤلاء تقول إن الشاب علي (وهو ليس اسمه الحقيقي) اكتشف أن هذه المادة باتت تستنفذ كل ما يملك بعدما حاول بيع أنبوبة الغاز التي سرقها من بيت والديه.

فقد باع هاتفه النقال والكراسي وحتى الفراش الذي ينام عليه لشراء عدة غرامات من المادة المخدرة. وآخر ما تبقى كانت الأنبوبة القديمة لكن سعرها لا يكفي لأن يغطي السعر المحدد للمخدرات. وكان يشعر بالحمى وحاجة جسده للمخدر عندما أوقف عند نقطة تفتيش في حيه ببغداد. ولا يتذكر الشاب النحيل ما حدث له في السجن سوى أنه كان محروما من المخدرات التي أدمن عليها جسده.

ونقلت عنه الصحيفة من مركز شرطة القناة في شرق بغداد، حيث يقضي أربعة أشهر بسبب حيازة المخدرات “كنت في عالم آخر، وكنا جميعا نريد الهرب من حياتنا البائسة”. وأضاف أن المخدرات “أثرت على مجتمعنا بشكل كبير، وهنا الكثير من المعدمين أو الذين ماتوا ولكن الحياة صعبة”. وهو واحد من آلاف العراقيين الذين أدمنوا على مادة الميثامفيتامين في العراق، وهو البلد الذي لم يعان أبدا من انتشار المخدرات على مستوى عام بنفس الطريقة التي انتشر فيها بأفغانستان وإيران اللتين غمرتا بالمخدرات.

ووصف مسؤولون صحيون في العراق الوضع بأنه “وباء خفي” وحذروا من أنه أصبح أخطر منذ وصول فيروس كورونا. وقال مسؤول الممرضين في مستشفى ابن رشد للطب النفسي ببغداد، أهم مركز تأهيل من الإدمان على المخدرات وسوء استخدام المواد، قاسم الوراش “الميثامفيتامين يدمر دفاعات الجسم ويتسبب بنقص الوزن ويعرض الشخص للإصابة بكل الأمراض بما فيها كوفيد-19”.

الميثامفيتامين يدمر دفاعات الجسم ويتسبب بنقص الوزن ويعرض الشخص للإصابة بكل الأمراض بما فيها كوفيد-19

فهذا المخدر الذي اخترع في اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية بهدف إبقاء الجنود يقظين، يضرب نظام المناعة عند الإنسان ويترك آثارا جانبية متعددة بما فيها فشل في عمل القلب والكلى وخسارة كبيرة في الوزن. إلا أن المخاطر التي جلبها فيروس كورونا لم تكن حاجزا لمنع المتعاطفين للمخدر. وقال علي “لا تفكر في المخاطر، أنا عامل وبدأنا بتناوله لأن حياتنا صعبة” و”ينقلك إلى عالم آخر أحسن ويجعلك لا تهتم”.

وتضيف الصحيفة أن أعدادا متزايدة من العراقيين بدأوا بتناول مادة “الميث” للهرب من الواقع الذي يشهد معدلات عالية من البطالة وانتشار الفساد الذي دمر الاقتصاد وبنى تحتية متداعية في بلد انتقل من نزاع إلى آخر منذ الغزو الأمريكي عام 2003.

وبحسب تقرير نشره المجلس الأطلنطي في شباط (فبراير) فنسبة 60% من سكان العراق هم تحت سن الـ 25 عاما ويصل معدل البطالة بين الشباب إلى 36%. وحذر مكتب المخدرات والجريمة في الأمم المتحدة أن مادة الميثامفيتامين باتت تثير القلق في البلد، ذلك أنها لم تعد تستورد من الجارة إيران فقط بل وتصنع في مختبرات سرية محلية. ويظل مركز المادة في المحافظات الجنوبية، البصرة وميسان، وهناك عصابات قوية قامت باستيراد المادة من إيران، حسب شخص محلي على معرفة بالصناعة.

وقالت نساء إن مُصدر المادة يستخدم الحمير في نقلها لأنها لا تفتش كثيرا في العادة. ويمكن شراء الحزمة بحوالي 5.000 دينار عراقي أو ما يعادل 2.50 جنيه إسترليني ثم يباع الغرام الواحد بأربعة أو خمسة أضعاف السعر الأصلي، مما يعطي تجار المخدرات أرباحا عالية. وفي السنوات الأخيرة لم يعد العراق معبرا للمخدرات إلى تركيا بل ومقصدا حيث زاد العنف والفقر. وكانت البصرة الهدف الأول نظرا لموقعها الجغرافي. فهذه المدينة التي كانت تعرف بفينسيا الشرق تحولت إلى منطقة فقيرة ارتفعت فيها معدلات البطالة بشكل كبير وافتقدت البنى التحتية مثل مياه الشرب الصحية. وقال أحد سكان المدينة: “هنا في البصرة لا توجد متنزهات ولا نواد ولا توجد حتى سينما. ولا يوجد أي مكان للذهاب إليه”. وأضاف “عاش الشباب وسط عدة حروب، ويخبرني المدمنون أنهم بلا عمل أو هوايات وبدون طرق أخرى للهروب”.

وأدت زيادة معدلات الإدمان للضغط على النظام القضائي، ففي مركز شرطة القناة حيث وحدة محاربة المخدرات، هناك إلى جانب علي 217 شخصا اعتقلوا بتهمة تعاطي مادة الميثامفيتامين، والمكان مزدحم بهم. وقال الضباط إن حالات الإدمان زادت منذ 2017 حيث انكمش الاقتصاد وانخفض سعر المادة. وقال الرائد حيدر “في هذه المديرية سجلنا زيادة 40% في حالات الإدمان منذ 2017 و30% في نسبة تجار المخدرات”. وقال إن زيادة توفر المادة أدى لخفض سعرها. ففي عام 2017 كان سعر الغرام من المادة يكلف 100 دولار أمريكي أما اليوم فلا يتعدى 20.000 دينار عراقي أي 10 جنيهات إسترلينية. ولا يعرف عدد حالات الإدمان في العراق، لكن الرائد حيدر قال إنه تم اعتقال 6.000 شخص في العام الماضي مع مصادرة 120 كيلوغراما من المادة. وتصدر المديرية العراقية العامة لمكافحة المخدرات تقارير دورية على صفحة الفيسبوك التابعة لها وبدأت حملة توعية تطالب المواطنين بالإبلاغ عن تجار المخدرات.

وقالت وزارة الصحة إن مادة الميثامفيتامين تأتي في المرتبة الثانية بعد المخدرات من ناحية سوء الاستخدام. وأظهرت البيانات الأخيرة أن 813 شخصا يتعافون من الإدمان في مراكز التأهيل الحكومية. ومن بين هؤلاء أحمد، 32 عاما، الذي دخل مستشفى ابن رشد بعد طرد عائلته له. ويعد المستشفى من مستشفيين حكوميين متخصصين بمعالجة الأمراض النفسية، وخصص 13 سريرا لمعالجة المدمنين على الميثامفيتامين. وقال أحمد إن الرجال والنساء يستخدمون المخدرات مع أن النساء لا يتحدثن خوفا من العار.

وأضاف أن تجار المخدرات يستخدمون طرقا جديدة لجذب المتعاطين. فبدلا من بيع المادة في الشوارع بشكل يعرضهم للسجن يعطي تجار المخدرات كميات مجانية للمناطق الفقيرة وينتظرون إدمان زبائنهم حيث يأتون ويطالبون بالمزيد. و”عندما تحتاج بشكل ماس يقول لك تاجر المخدرات، اذهب واسرق أشياء مثل دراجة نارية أو أي شيء لتغطية ثمن المخدرات”. وأضاف أن المتعاطين أصبحوا تجار مخدرات لتمويل عادتهم. وفي حالته كان يجب أن يتزوج وينشئ عائلة لكن العادة دمرت حياته. فقد استخدم كل قرش وباع كل شيء بشكل نفر أصدقاءه وعائلته منه. وطرد من البيت. وقيل له إنه لن يعود حتى يتعافى من الإدمان. وفي العراق كان يحكم على المدمن وتاجر المخدرات بالإعدام لكن تم تمرير قانون 2017 يأمر فيه القاضي بتحويل المدمن لمستشفى تأهيل وعلاج أو سجن تاجر المخدرات لمدة تصل إلى 3 أعوام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد سالم:

    نعم هذه هي طريقة تعامل ايران مع العراق. احتلال و نهب وسلب والآن تدمير النسيج الاجتماعي والشباب هم المستقبل.

إشترك في قائمتنا البريدية