إنعاش النظام القومي العربي

لا يوجد في الوقت الحاضر في ساحة العمل العربي المشترك أهم من إنعاش وإصلاح الجامعة العربية. فمنذ إنشائها في أربعينيات القرن الماضي، تكالبت عليها قوى خارجية لاستبدالها، كمؤسسة معنية باستقلال دولها الوطنية، وخروجها من هيمنة الاستعمار الأوروبي من جهة، وكحاملة لأمل وحدتهم في المستقبل من جهة أخرى، بشتى صنوف المشاريع الشرق أوسطية، التي لا تعترف بالعرب إلا ككيانات متباعدة لا تربطها روابط التاريخ واللغة والمصالح المشتركة، وآمال التوحد في كيان قومي واحد.
إضافة إلى ما فعله بها الخارج، عملت بها ظروف ذاتية، تمثلت في وجود نقاط ضعف متناقضة في ميثاق تأسيسها، الأمر الذي ساهم في شل قدراتها على المساهمة في حل المشاكل والصراعات التي تميزت بها الحياة السياسية العربية المشتركة منذ استقلال أقطارها، وفي منعها من تفعيل قرارات الكثير من المبادرات التوحيدية في شتى الميادين، التي قررتها شتى مجالس الجامعة ومؤتمرات القمة العربية عبر السبعين سنة الماضية. وقد جرت منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وعلى الأخص بعد السبعينيات، محاولات كثيرة لتعديل الميثاق، وكونت لجانا لتقديم مقترحات بشأن ذلك إلى مؤتمرات القمم العربية، لكن غالبية تلك القمم انشغلت بمواجهة أحداث سياسية وأمنية كبرى وظلت تؤجل النظر في مقترحات تعديل الميثاق مرة تلو الأخرى.

لا شك في أن الجامعة العربية مصابة بشتى العلل لأسباب خارج سيطرتها، لكن بقاءها والعمل على إصلاحها هو الحل الذي يجب عدم التنازل عنه

اليوم، وفي هذا الفراغ السياسي والأمني القومي المفجع، الحامل لأخطار مستقبلية هائلة، وعلى ضوء ما أصاب العديد من الأقطار العربية، بسبب ما فعلته قوى الخارج الاستعمارية والصهيونية، وقوى الجهاد التكفيري المجنون المخترق، وبعض القوى العربية المتعاونة مع الخارج، تنادي بعض الأصوات المرتبطة بالخارج، أو البليدة في فهمها السياسي بضرورة إماتة الجامعة العربية وبناء بديل لها. وهي دعوات فيها بعض الحق الذي يراد به باطل. إذ لا شك في أن الجامعة العربية بوضعها الحالي مصابة بشتى العلل لأسباب خارج سيطرتها، لكن بقاءها والعمل على إصلاحها هو الحل الذي يجب عدم التنازل عنه. فإذا غابت الجامعة العربية، حتى بعللها ونقاط ضعفها، فإن النظام العربي الإقليمي القومي المشترك سينهار ليفسح المجال أمام المشاريع الشرق أوسطية، المليئة بالخبث والتآمر التي تريدها أمريكا والكيان الصهيوني لتحل محل أية محاولات مستقبلية لتوحيد هذه الأمة ولبنائها الحضاري من جديد. من هنا الأهمية الكبرى لأن تتحرك دول كمصر والجزائر والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، لاقتراح خطوة تعديل الميثاق البالغة الأهمية، التي بدونها لا يمكن إعادة تفعيل الجامعة العربية. إنها خطوة متواضعة ولكنها بالغة الأهمية للانتقال من بعدها لإصلاح ما فعله بعض أعضائها من أخطاء وخطايا بحق التزاماتهم القومية والأخلاقية، وحتى تجاه أدنى متطلبات العمل العربي المشترك.
إن أهم تعديل في الميثاق يجب أن يطال نظام التصويت، إذ ليس من المنطق الاستمرار في نظام الحاجة لإجماع الأصوات بالنسبة لكل قرار، وأن ينال تركيبة ومسؤوليات أجهزة الجامعة العربية، لتصبح قادرة على المبادرة والمحاسبة في شتى ساحات الحياة العربية، وعلى الأخص ساحات الأمن القومي والاقتصادي العربي ووجود محكمة عدل عربية تساهم في منع الحرائق والتخريب المتعمد، وإعادة الحياة للمجالس المختصة في حقول الاقتصاد والدفاع وصناعة الأسلحة، وخطوات التوحيد التربوية والثقافية والصحية… والقائمة طويلة.
وأخيراً، لا بد أن يوجد مكان للمواطنين العرب ومؤسسات المجتمع المدني في هذا الصرح وأن لا يقتصر على الحكومات. هذه خطوة أولى لإنقاذ النظام الإقليمي القومي العربي قبل أن ينهار ويصبح الإقليم ملكاً لغيرهم.

*كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صياد كمال خنشلة الاوراس:

    معظم العرب بيادق في يد دول اجنبية فكيف سيتم الاصلاح اذا كان نتيجته اصلاح اوضاع الامة .

  2. يقول مسلم:

    لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم

  3. يقول ismail el jundi:

    من المعلوم ان بريطانيا هي صاحبة فكرة تاسيس الجامعة العربية بعد ان عملت مع غيرها على تجزئة العالم العربي منذ
    حوالي ثماتين عاما ويقينا لم يكن في بال بريطانيا ان تكون هذه الجامعة حاملة لامل الوحدة في المستقبل بل انها ساعدت لاحقا على مزيد من تفتيت العالم العربي ومحاربة بعض المحاولات الواعدة لانشاء كيان عربي واحد وذلك بالتعاون مع جهات عربية لسوء الحظ
    اذا كان هناك اي بصيص من الامل في اصلاحها فان ذلك ممكن فقط بواسطة لجنة شعبية اي بعيدا المؤسسات الرسمية من مفكري الامة العربية واعتقد وبدون اي مجاملة تكون انت احد اعضائها
    اقول بكل تواضع وقد ناهزت الثمانبن من عمري انني املك تصورا لهذا المشروع ويمكنني ان ارسل نسخة منه لكم بالبريد الاكتروني ان اردتم وكذلك للجادين

  4. يقول خالد مصطفى الجزائر:

    لا حل للدول العربية وأنظمتها,إلا العودة الى ربها بأنظمة إسلامية كنظام طالبان وتحكم بالشريعة الإسلامية ,والباقي تحصيل حاصل فمثلا حقا أفغانستان لها مشاكل إقتصادية لكنها صادقة مع ربها أقامت الشرع وجاهدت أعدائها لا حل للأنظمة العربية إلا بإنتهاج سياسة طالبان والعودة الأى ربها “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”

إشترك في قائمتنا البريدية