نواكشوط – «القدس العربي»: استمر الإعلام الموريتاني مكتوبا ومسموعا ومرئيا وكذا الإعلام المالي أمس في تحليل أبعاد الوساطة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز آخر الأسبوع الماضي، وأوقفت إطلاق النار في الشمال المالي.
وتوقفت صحف ومواقع ألكترونية موريتانية خاصة وكتاب مقالات موريتانيون عند الرسائل التي تضمنها هذا النجاح وانعكاسه على موقع موريتانيا في خارطة الصراع المحتدم بين المغرب والجزائر والذي تحدث البعض عن انتقاله من الصحراء الغربية نحو الشمال المالي بدفع من المغرب.
واعتبر محللون في الصحافة المالية، حسبما نقله موقع مالي- ويب، أن «الرئيس ولد عبد العزيز اختطف بوساطته الناجحة في شمال مالي الأضواء وانتزع المبادرة من أيدي المتصارعين الكبار الذين تتقدمهم فرنسا والمغرب والجزائر».
وأكدت صحيفة «أطلس انفو» الموريتانية المستقلة «أن نجاح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في وقف إطلاق النار في شمال مالي بعد مواجهات خلفت قرابة 40 قتيلا، يجعل موريتانيا تنافس كلا من المغرب والجزائر في الساحة المالية وترسم لنفسها سياسة مستقلة عن دول المغرب العربي مستفيدة من تولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئاسة الاتحاد الإفريقي».
وأشارت الصحيفة إلى «أن المغرب والجزائر حاولا القيام بالوساطة في الأزمة المالية الأخيرة لكنهما فشلا، حيث وظفت الجزائر علاقاتها بمختلف الحركات السياسية ومنها المسلحة، بينما وظف المغرب علاقته بالحركة الوطنية لتحرير الأزواد التي كان الملك قد استقبل زعيمها بلال آغ شريف خلال يناير/كانون الثاني الماضي علاوة على علاقاته المتميزة مع رئيس مالي إبراهيم كيتا».
«وبهذا»، تضيف الصحيفة، «ترسم موريتانيا لنفسها مسافة عن كل من المغرب والجزائر اللذين يتنافسان في المغرب الغربي وفي منطقة الساحل، وتمكنت موريتانيا من تأسيس منظمة دول الساحل رفقة مالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر خلال فبراير/شباط الماضي في العاصمة نواكشوط، ورسمت لنفسها استراتيجية التعاون في الأمن والتنمية».
وأكدت «أطلس انفو»، أن «موريتانيا تعمدت إقصاء كل من المغرب والجزائر بعدم استدعائهما ولو بصفة ملاحظين، للاجتماعات الأمنية الكبيرة التي استضافتها نواكشوط وحضرها الاتحاد الأوروبي والسنغال وفرنسا».
أما صحيفة «زهرة شنقيط» المحسوبة على الإخوان المسلمين فقد أكدت «أن الاهتمام المغربي بجمهورية مالي، ازداد خلال الفترة الأخيرة من عمر الصراع المعقد، محاولا تجاوز عوامل الجغرافيا والروابط التاريخية بين بلدان الإقليم المضطرب، وسط قراءة غبية لمعطيات القوة على الأرض، وآليات التحرك على الميدان، بالجارة المنكوبة بانفلات الأمن، واحتلال الغرب لجزء كبير من أراضيها». وذكرت الصحيفة «أن قبضة الحكومة الموريتانية بدت قوية على الحركات الأزوادية الثلاثة، ومن نواكشوط رسمت الحكومة للحركة مسارا آخر هو العلاقة مع روسيا ذات الدور المتنامي في العالم والرافض للهيمنة الغربية وهو ما يحتاج إليه مقاتلو أزواد باعتبار أن مشكلتهم مع الماليين عقدتها تحركات الطائرات الفرنسية في سماء مالي وآلياتها المتمركزة في أكثر من مكان بعد دعوة وجهها لهم الرئيس المالي المنصرف قبل شهور».
«والتزمت الحكومة الموريتانية الصمت»، تضيف زهرة شنقيط، «في انتظار لحظة الحسم لعل الحكومة المالية تستوعب أن مصالحها الأهم تمر عبر نواكشوط وليست الدار البيضاء، وأن فرض الأمن لا يمكن أن يتم دون تعاون مع الجيران قبل الأشقاء مهما كانت القوة الدافعة وعرى التعاون المشترك وثيقة بينهما».
وتابعت الصحيفة «هرع الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كيتا إلى الاتحاد الإفريقي ورئيسه طلبا للنجدة، كما سارعت الحركات الأزوادية الثلاث إلى إعطاء مفتاح الحل للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مع مناشدته التدخل لتسوية الأزمة رغم أنها على الأرض هي الطرف المنتصر، وأن أرقام الرباط قد تكون مفتوحة وسط الأسبوع ونهايته».
وختمت الصحيفة تحليلها قائلة «ظهر ولد عبد العزيز فجأة في كيدال مع عدد من معاونيه وكأنه يقول للمغرب «..اللعب في صحراء مالي مرهق، وتكوين الأئمة ليس البوابة الأفضل لفرض الاستقرار أو بسط النفوذ».
يعاد إلى الأذهان أن قضية الطوارق التي يعود تاريخها لستينيات القرن الماضي، قد تحولت بسبب إخفاقات التفاهم بين طرفيها، لكرة تتقاذفها الصراعات الإقليمية والدولية. وزاد من حدة هذا الصراع انتقال مقاتلي تنظيم القاعدة من افغانستان في تسعينيات القرن الماضي، للمنطقة الساحلية الصحراوية، وتأسيسهم تنظيما مسلحا يتخذ من الشمال المالي مجالا للانتشار ومن محاربي الطوارق مجندين أقوياء.
ولعل المعطى السياسي الجديد في ملف الشمال المالي هو دخول «الديبلوماسية الملكية المغربية» لحلبة الصراع، مما أثر كثيرا على الدور الجزائري الذي شهد جمودا في الآونة الأخيرة لأسباب داخلية وأخرى خارجية أهمها تحفظ الحركة الوطنية لتحرير أزواد وهي أكبر وأقوى فصائل الطوارق في شمال مالي على الدور الجزائري.
فالحركة الوطنية لتحرير أزواد تأخذ على الجزائر تدخلها في الأزمة في مالي لصالح الحكومة في باماكو وتوقيعها سلسلة من الاتفاقيات الأمنية معها التي تطال الطوارق وليس الحركات المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما تأخذ على الجزائر عدم جدوى الاتفاقيات الموقعة في الماضي مع السلطات المالية والتي لم تترجم جزئيا إلى خطوات عملية من جانب الحكومة المركزية التي ظلت تتعامل مع مشكلة الطوارق من المنظور الأمني البحت.
وقد فطن المغرب لجمود الدور الجزائري فبادر ضمن الصراع المحتدم بينهما لاستغلال الوضع والإمساك بورقة الطوارق لتكون موازية للورقة الصحراوية التي تمسك بها الجزائر.
وقد تمكن المغرب من تحويل ثقة الطوارق من الجزائر ونواكشوط إلى الرباط فنقلت الحركات الأزوادية مراكز قيادتها من نواكشوط إلى الرباط التي قامت باحتضانها برحابة صدر.
وتستفيد الحركات الوطنية الأزوادية من تقبل الأمم المتحدة وفرنسا لطرحها واعتدال مواقفها، كما تتقوى بعامل هام آخر هو ضرورة الاعتماد عليها في مواجهة تنظيم القاعدة، والمجموعات المسلحة التي تهدد الحدود في منطقة الساحل وتشيع الجريمة المنظمة، والتي أظهر التدخل العسكري الفرنسي عجزا عن القضاء عليها دون «أهل مكتها الأدرى بشعابها».
عبد الله مولود