إيران تؤثر على سوريا أكثر من روسيا… وعلى أوباما التفاوض معها حول سيناريو التشارك في السلطة

حجم الخط
2

لندن ـ ‘القدس العربي’ قالت صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية إن ميليشيا ‘عصائب الحق’ الشيعية العراقية تحولت إلى أهم داعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، فمثل حزب الله الذي يدعم بقاء النظام ويطيل عمره من خلال الآلاف من مقاتليه، تقوم الميليشيا العراقية بإرسال متطوعيها للقتال في سوريا، باسم الدفاع عن المزارات الشيعية ومقام السيدة زينب قرب دمشق، لكنها تتكبد خسائر فادحة ‘ففي كل يوم خلال الأشهر التاسعة الماضية كانت جثث القتلى تأتي، بعضها محمول على نعش خشبي عادي مربوط على ظهر سيارة، فيما تحضر الأخرى بموكب من المشيعين يقوده رجال بالزي الأسود المميز لمرجعيات الشيعة ورجال بالزي العسكري ومحاطة بالتوشيحات الدينية الحزينة’.
وتمضي الجنازات في طريقها لمقبرة وادي السلام في النجف، المكان المقدس عند الشيعة والذي يدفن فيه كل شيعي، ويمر المشيعون على شواهد قبور عمرها مئات السنين قبل أن يتوقفوا عن حفر قبر حديث’.

بين الدنيا والآخرة

وتقول الصحيفة إن القادمين الجدد لأكبر مقبرة في العالم لم يقتلوا في العراق ولكن في سوريا، حيث قاتلوا إلى جانب النظام السوري وتحت الراية الخضراء للميليشيا الشيعية القوية ‘عصائب الحق’.
وتضيف الميليشيا هذه كانت مشغولة بالتحضير للآخرة واشترت 2.500 متر مربع من أرض المقبرة (وادي السلام) لدفن المقاتلين من أبنائها ممن يقتلون في سوريا.
ولا يقتصر نشاط الحركة هذه على القتال في سوريا بل وتحاول تعزيز قوتها في المشهد السياسي المتهشم في العراق وتقوم بتأكيد حضورها داخل مدينة النجف.
وتصف الميليشيا بالقوة السياسية المهمة التي برزت بعد شهرين من انسحاب القوات الأمريكية من العراق في كانون الأول/ديسمبر2011 كقوة يحسب لها حساب في الحياة السياسية والعامة في العراق. وتحمل بصمات راعيها الجنرال قاسم سليماني، قائد لواء القدس، وهو ما أعطاها القدرة على التأثير في البلدين، العراق وسوريا.
وأدى صعود هذه الميليشيا المسلحة لقلق في داخل النخبة العراقية الحاكمة ‘قبل سبعة أعوام لم يكونوا سوى مجموعات تابعة لإيران تستخدم لضرب الأمريكيين’ حسب قول وزير في حكومة نوري المالكي مضيفا ‘والآن أصبحت لديهم الشرعية السياسية وتمتد مخالبهم إلى كل النظام الأمني، ولم يلاحظ الكثيرون منا هذا إلا في وقت متأخر’.
وكلام الوزير فيه قدر من الصحة، فحتى عام 2007 لم يكن الكثيرون يعرفون أو قد سمعوا ‘بعصائب الحق’ والتي ظهرت خلال السنوات بعد انشقاقها عن جيش المهدي، الذي كان القوة الرئيسية بين الميليشيات الشيعية.
وتقول ‘الغارديان’ إن أساليب الميليشيا وتجنب إعلان المسؤولية تشير بشكل واضح لإسلوب ومراوغة الجنرال الإيراني، قاسم سليماني والذي زاد تأثيره على المصالح الإستراتيجية الإيرانية في السنوات العشر الأخيرة.
ولهذا تقيم الميليشيا العراقية علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني ولديها صلات أيديولوجية مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي.

قتل واختطاف

وكانت الميليشيا قد ظهرت للعلن في كانون الثاني/يناير عام 2007 بهجوم على موقع للجيش الأمريكي في مدينة كربلاء جنوب مدينة النجف وقتل فيه خمسة جنود أمريكيين.
وبعد ذلك بأشهر ألقت القوات الخاصة البريطانية ‘أس إي أس’ القبض على قائد الميليشيا قيس الخزعلي وشقيقه ليث وأحد قادة حزب الله علي موسى الدقدوق.
وأعقب ذلك سلسلة من الأحداث التي أدت إلى ظهور الميليشيا وحصولها على اعتراف وشرعية. ويشير التقرير إلى قيام الميليشيا في أيار/مايو 2007 باختطاف خبير الكمبيوتر البريطاني بيتر مور وحراسه ومعهم اختطف عناصر من قوات الأمن العراقية من بناية تابعة للحكومة في شرق بغداد.
وتم الإفراج عن مور في عام 2009 مقابل إطلاق سراح الشقيقين قيس وليث الخزعلي. فيما قتل الحراس البريطانيين وتم تسليم جثثهم فيما بعد واحدا بعد الآخر مقابل الإفراج عن سجناء ‘عصائب الحق’ الذين أطلق سراحهم من السجون الأمريكية والعراقية، اما الدقدوق فقد أفرج عنه ورحل إلى لبنان عام 2012.
ومع اقتراب الإنتخابات البرلمانية العراقية في 30 نيسان/إبريل المقبل صعدت الميليشيات من حملتها لدعم بشار الأسد ونشاطها السياسي في بغداد.
وأكد الخزعلي في كل مقابلاته وخطاباته على الدور الذي لعبته جماعته في ‘هزيمة’ الأمريكيين. وأدت رسالته لإلهاب حماس آلاف الشيعة الذين تطوعوا للقتال إلى جانب الأسد. ويشير شولوف إلى مظاهر قلق داخل التجمعات الشيعية العراقية التي ترى في مشاركة أبنائها في حرب طائفية لا تعرف الحدود وبثمن عال.
وأدى تزايد القتلى لانشغال حفاري القبور في مقبرة وادي السلام .
وقال أحدهم كان يقف إلى جانب قبر حفر حديثا ‘وصلت من سوريا الكثير من الجثث، وبسهولة يمكن أن يكون عددها 500 جثة ودفنت هنا، وتصل الجثث بالسيارات عبر الحدود مع إيران، حيث ينقل القتلى بالطائرة إلى هناك’.

السيدة زينب

ولاحظ الكاتب شاهدة قبر جديدة تتحدث عن جهادي شيعي قتل في مكان في سوريا وهو ‘يدافع عن المزار المقدس للسيدة زينب’.
فهذا المزار الذي يقع في جنوب دمشق أصبح المبرر للجهاديين الشيعة من كل أنحاء الشرق الأوسط للقدوم لسوريا، ويلبون نداءات القادة الشيعة الذين يقولون إن المزار يتعرض لهجمات من المتطرفين السنة.
وهو نفس ما برر به حزب الله اللبناني تدخله العسكري في سوريا إلى جانب النظام للدفاع عن المقام، وكذا ‘كتائب حزب الله’ وهي مجموعة عراقية أخرى تلقى الدعم من إيران والتي يدفن مقاتليها إلى جانب مقاتلي ‘عصائب الحق’.
ويقاتل عناصر الجماعتين تحت راية الفصيل الذي أطلق عليه ‘كتائب أبو الفضل بن العباس’ والذي يحاول إلى جانب عناصر الحرس الثوري الإيراني حرف ميزان القوة لصالح نظام الأسد، الذي كان يخسر مواقع مهمة حول العاصمة دمشق في نهاية عام 2012 وعندها ‘جاء القرار الإستراتيجي من الجماعات الشيعية للدفاع عن الأسد حسب سفير عمل في المنطقة سابقا ‘وبدا هذا واضحا على الأسد بشكل فوري، وبدا حتى في خطاباته وقوله: إننا نستطيع الإنتصار’.

أموال إيرانية وحرج المالكي

ويتراوح عدد المقاتلين الشيعة في سوريا ما بين 8.000 إلى 15.000 ومهما كان الرقم فمشاركة أعداد كبيرة في سوريا ليست سرا كما يقول.
ولاحظ التقرير صورا وملصقات لعصائب الحق معلقة أمام جامعة بغداد والجامعات العراقية الأخرى، إضافة لصور مقام السيدة زينب ولا تهتم القوى الأمنية بهذه المظاهر حيث يقول مسؤول عراقي ‘قدمت لهم الحكومة الغطاء السياسي والأمني’، وأضاف أن المالكي قلق منهم ولكنه لا يستطيع عمل شيء تجاههم، وطبيعة المالكي أنه عندما لا يستطيع مواجهة أمر يحول نظره عنه، وقام عام 2010 بإنشاء خلية لمراقبة عصائب الحق، ولكنهم اكتشفوا الخلية مما أدى إلى إحراجه. ودعاه للإعتذار وتقديم المال لهم ولهذا ‘هم لا يحترمونه’.
ويعتقد مسؤول أمني عراقي أن عصائب الحق تتلقى ما بين 1.5- 2 مليون دولار أمريكي شهريا من إيران ‘وينظرون إلى أنفسهم على أنهم ‘جنود المرجعية’ ولا أحد يتجرأ على تحديهم’.
وينقل عن حفاري القبور الذين جلسوا في الأكواخ ينتظرون ظهور نعش جديد قولهم إن الجميع يخشون من قوة ‘عصائب الحق’ ‘فهم في كل مكان’، وهم موجودون في المؤسسات الرسمية ومن يسأل عنهم يعتقل.

مراكز التجنيد

ويقول التقرير إن الميليشيا اشترت في العاصمة بغداد بيوتا ومكاتب وفي بعض الحالات يديرها قادة الجماعة والذين يستخدمونها كمراكز للتجنيد وإعداد أي شخص راغب في الذهاب إلى سوريا. وينقل عن شخص في بغداد جلس بين المتطوعي أن ‘المتطوع يجب أن يكون شابا ويجب أن يحصل على خطاب مكتوب’، و’هذه ضمانات مهمة ومن الأفضل لو لم يكن عندك أولاد أو زوجة’.
وفي حالة الموافقة على المتطوع أن ينقل لإيران للتدريب هناك مدة أسبوعين وبعدها إلى سوريا، ‘وهو نفس طريق العودة إذا مت، وتقوم إيران بتدبر أمر من يقتل، ويدفع لعائلات الشهداء 5.000 دولار أمريكي، وفي حالة كانت عائلاتهم فقيرة فيتم تدبر أمر دفنهم’.

إيران وسوريا

وما دام الحديث يدور حول دور إيران في سوريا يكتب جوناثان سيتفنسون في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ مقترحا صيغة للعمل مع طهران. ويطرق ستفينسون المحاضر في الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب البحرية الموضوع من جهة فشل الولايات المتحدة في تعاملها مع روسيا التي تعتبر الحليف الأكبر لنظام الأسد، ذلك أن جوهر السياسة كان يقوم على فرضية التوصل لحل سياسي من خلال ممارسة موسكو الضغط على النظام.
لكن العلاقات الأمريكية- الروسية لم تكن في أحسن حالاتها، وحتى قبيل الأزمة في القرم، كان أكثر ما توصف به أنها جليدية. ولهذا فعلى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما البحث عن طرق لوضع سوريا على طريق السلام.
وهذا يقتضي من الإدارة إعادة النظر في مدخلها ورؤيتها للمنطقة. ويعني كما يقول التعاون مع دولة أبعدت بطريقة مدروسة عن طاولة المفاوضات: إيران.
ويعتقد الكاتب هنا إن جهود أمريكا مع روسيا فشلت علاوة على كون موسكو ليست شريكا مخلصا في سوريا. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصمم على إفشال كل سياسات واشنطن في الشرق الأوسط، وينظر باحتقار لما يراه سذاجة الولايات المتحدة حول تزايد مظاهر الجهادية داخل المعارضة، وقد لا يكون لديه النفوذ الكافي لدفع الأسد لإحداث تغييرات ذات معنى.
ورغم أن الموقف الإيراني من سوريا ليس أقل عنادا من الموقف الروسي إلا أن موقفها من الولايات المتحدة بدأ يتسم بالدفء، كما بدا في المحادثات الناجعة حول الموضوعات النووية. يضاف إلى هذا أن اعتماد الأسد على إيران ووكيلها حزب الله يمنح طهران تأثيرا كبيرا.

إطار إنتقالي

وبناء على هذه الرؤية يرى ستيفنسون أن أمريكا وإيران قريبتان في الموقف من سوريا أكثر مما يبدو على السطح. ومن هنا يبدو أن الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين قد دفعوا المعارضة السورية تجاه عملية إنتقالية لا تقتضي رحيلا للأسد. مشيرا إلى أن بيان الإئتلاف الوطني السوري عن المبادئ الأساسية لم يتطرق لرحيل الأسد.
وعليه يدعو الكاتب إدارة الرئيس باراك أوباما للتفكير جديا والقيام بمناقشة مباشرة وسرية لسيناريوهات التشارك في السلطة مع إيران، بما فيها سيناريو بقاء الأسد في السلطة وإن كان لأمد محدد. وبحسب رأيه سترحب إيران بالنافذة الدبلوماسية هذه خاصة بعد أن وجهت لها الأمم المتحدة دعوة لحضور مؤتمر جنيف-2 ثم سحبتها في اليوم نفسه. ويرى ستيفنسون أن المحادثات يجب أولا أن تتم بعيدا عن سياق محادثات جنيف، ويمكن أن لا تكون ثنائية ويمكن لفرنسا أو بريطانيا المشاركة فيها وتسهل عقدها الحكومة السويسرية.
ويقول إن الحديث عن التشارك في السلطة يجب أن يسبقه اتفاق بين الأطراف على وقف إطلاق النار، حيث يتم من خلال اقناع الولايات المتحدة المعارضة والدول العربية التوقف عن القتال، وبدورها تقوم إيران بعمل نفس الشيء مع الأسد.
ويتبع هذا تسريع جهود وصول الإغاثة الإنسانية للمدنيين. وستكون إيران مفيدة في هذا أكثر من روسيا لأن لديها جنود ومقاتلون من حزب الله على الأرض. ولن تساعد المعونات الإنسانية المحتاجين على الأرض ولكنها ستخلق الظروف الجيدة لبدء التفاوض.

موقف المعارضة

ويشير الكاتب إلى مشكلة تتعلق بموقف المعارضة السورية التي لن ترضى بدور إيراني. وهنا يجب على المعارضة مواجهة الحقيقة فبإيران وبدونها ستظل الولايات المتحدة وحلفاؤها قلقين من أي صفقة سياسية حتى تطهر المعارضة المعتدلة صفوفها من الجهاديين الذين دخلوا إلى سوريا وبأعداد كبيرة.
ويعتقد الكاتب أن نجاحا في هذه الجهود ولو كان بسيطا سيدفع روسيا الخائفة من الإرهاب العالمي على حث الأسد للمشاركة في السلطة ولخروج مشرف من الحكم.
ومع أن إيران تفضل الوضع القائم، لكن السؤال ماذا نتوقع من هذا المدخل؟ يجيب الكاتب أن دعم الأسد يؤثر على مصادر إيران وحزب الله، ولهذا فقد تحاول إيران تحسين مزاج المفاوضات حول ملفها النووي وتظهر استعدادا للتعاون وتقبل إطارا يمكن أن يحتفظ به بعض عناصر النظام بسلطة ذات معنى في البلاد، وهذا يتساوق مع موقف الولايات المتحدة وسياستها التي تدعو للحفاظ على مؤسسات الدولة الهامة كما هي وتجنب ما حدث في العراق بعد الغزو.
ويقول ستفينسون إنه في حالة نجاح قنوات الإتصال الخلفية هذه فعندها يمكن دعوة إيران للمشاركة في المحادثات إلى جانب المعارضة وأمريكا وروسيا.
وفي ضوء التنافس الإقليمي بين إيران والسعودية فيمكن منح الأخيرة الدور نفسه حيث تتعاون الدولتان في تطبيق الإطار الإنتقالي للحكم.
ويدعو الكاتب في النهاية لفصل الملفين السوري والنووي، ويجب أن لا تربط واشنطن نجاح المحادثات النووية بتعاون إيران في سوريا. بالعكس فلو وقع اتفاق نووي وتحسنت علاقات إيران مع الغرب، فستحترز طهران عن القيام بأي عمل يؤثر على علاقتها مع الغرب، وهذا ينسحب على سوريا ولبنان. وفي النهاية تظل الأزمة السورية من أصعب الموضوعات التي تواجه أوباما. فيما أظهر الأسد تصميما وصمودا في السلطة.
وعليه فحل واقعي يجب أن يظل ضمن ما دعا إليه أوباما في حملته الإنتخابية عام 2008، تجنب استخدام القوة ‘أحيانا عليك التحدث مع أعدائك’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالله ناصر:

    ايران سوف تضحي باﻻسد في حالة موافقة المعارضة السورية على اقامة دولة محاصصة طائفية(الحل السلمي) في سوريا كما هو الحال في لبنان والعراق ﻻنها تعلم ان اﻻسد انتهى دوره، وفقدت اﻻمل في بقاء سورية موحدة تحت سلطته
    ولهذا فان اﻻستماتة واﻻستمرار في دعمه انما للوصول الى ذلك الهدف تحقيقا لمشروعها الذي انفقت عليه المليارات كما ان مثل هذه الدولة سوف يساعد في بقاء حزبها في لبنان وفي استمرار المحافظة عليه.
    مشروع المحاصصة الطائفي يؤيده اﻻمريكان والروس خدمة لربيبتهم اسرائيل و تعاونا مع ايران.
    لذلك ستبقى الحرب مستمرة حتى يتم تطبيق هذا المشروع الذي يمنع من قيام ديمقراطية حقيقية فضلا عن نظام اسلامي في هذا المنطقة وهو هدف المتدخلين جميعا في الثورة السورية.

  2. يقول احمد العربي-سوريا:

    اجهل واغبى ثورة في التاريخ !!

إشترك في قائمتنا البريدية