إيران تراقب قرارات أوبك بلس وتأمل عودتها إلى السوق النفطي

صادق الطائي
حجم الخط
0

كان عام 2020 كارثيا بالنسبة لنادي مصدري النفط في العالم منظمة «أوبك» والكارتل الذي تعاون معها فيما بات يعرف بـ «أوبك بلس». إذ ألقت جائحة كورونا بظلالها القاتمة على اقتصاديات العالم ومنها اقتصاد البترول في أسوأ أزمة شهدتها أسواق النفط العالمية. ففي عام 2020 ومع تداعيات جائحة كورونا شهد السوق النفطي حرب أسعار بين أكبر عضوين في أوبك بلس روسيا والسعودية، وقد أدت هذه الحرب إلى زيادة هائلة في حجم العرض مما أصاب الأسعار بهبوط حاد حتى وصلت عقود الأجل إلى ما تحت الصفر في سابقة تاريخية، قبل أن يتدارك الجميع الأمر وتخفض مجموعة أوبك بلس الإنتاج تخفيضا تاريخيا لانقاذ اقتصاديات الدول من الانهيار الحاصل.
نادي أوبك بلس الذي تم تشكيله إبان أزمة انهيار أسعار البترول العالمية عام 2017 حين هبط سعر برميل النفط إلى 25 دولارا، ونتيجة شعور الدول الأعضاء في أوبك، المنظمة العتيدة بعجزهم أمام انهيار الأسواق وحاجتهم لإيجاد حلول، إذ تم إدخال عشرة أعضاء إلى النادي الجديد الذي بات يضم 23 عضوا بغرض خلق سياسات تهدف لتنسيق وتوحيد السياسات النفطية للدول الأعضاء، وتأمين أسعار منصفة ومستقرة للمنتجين، وتوفير إمدادات كافية ومنتظمة من النفط وبأسعار معقولة للدول المستهلكة. فكان قرار أوبك بلس التاريخي حينذاك تقليل الإنتاج بمقدار عشرة ملايين برميل يوميا يتم تقاسمها عبر تقليل حصص الأعضاء كل حسب نسبة إنتاجه في السوق، والغاية رفع أسعار البترول العالمية لتصل إلى معدلات منصفة للمنتج والمستهلك.

مفاوضات

وبعد أن شهد سوق النفط العالمي تحسنا في الأسعار، إذ ارتفع خام برنت متجاوزا عتبة الـ 70 دولارا للبرميل، قررت أوبك بلس زيادة الإنتاج بشكل تدريجي في نيسان/أبريل الماضي لإعادة 5.8 مليون برميل يومياً، بواقع 400 ألف برميل شهرياً من الإمدادات إلى السوق في الفترة من آيار/مايو الماضي إلى تموز/يوليو الجاري، توقعا لزيادة الطلب العالمي، واستعدادا لدخول النفط الإيراني والليبي إلى السوق مجددا. لكن يبدو أن هذا الإجراء لاقى رفضا إماراتيا، إذ شهدت اجتماعات أوبك بلس نزاعا بين السعودية والإمارات على خلفية هذا الإجراء، ما أدى إلى تأجيل اجتماع المنظمة في 5 تموز/يوليو الجاري إلى المستقبل من دون تحديد موعد لذلك.
وقال بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الحكومية؛ «للأسف، طرحت اللجنة الوزارية في أوبك بلس خيارا واحدا فقط وهو زيادة الإنتاج مشروطا بتمديد الاتفاقية الحالية إلى كانون الأول/ ديسمبر 2022 وهي اتفاقية غير عادلة للإمارات من ناحية نقطة الأساس المرجعية لحصص الإنتاج». بينما قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في مقابلة مع تلفزيون «بلومبرغ»؛ «إنه قرار كل المجموعة مقابل اعتراض دولة واحدة، وهذا أمر محزن بالنسبة لي ولكن هذا هو الواقع».

إيران تراقب

من جانبها بدأت إيران تراقب قرارات أوبك بلس وتحاول استقراء الوضع عن كثب، إذ تعد أكثر الدول تضررا نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصادرات النفطية الإيرانية حتى أوشكت على تصفيرها. فمنذ 2018 تعاني الصادرات النفطية الإيرانية من أزمة خانقة انعكست بشكل كبير على اقتصادها وأصابته في مقتل. واليوم ومع جولات مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني بين طهران ومجموعة دول (5+1) تطلب طهران من واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية عن صادراتها النفطية كبادرة حسن نية، وكمؤشر على استعداد إدارة الرئيس جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي بصيغته التي تم الاتفاق عليها عام 2015.
وقد أعلن وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنكنة في تصريح للصحافيين في ختام الاجتماع الوزاري الـ 18 لمجموعة أوبك بلس الذي عقد عبر تقنية الدائرة الفيديوية، أعلن أنه تم بحث عودة إيران إلى السوق النفطي أثناء الاجتماع، وأضاف؛ «لقد أعلنت بأن أي قرار يتخذ لن يؤثر على عزمنا، ومتى ما تم رفع الحظر سنعود للسوق في أقصر فترة زمنية ممكنة وسنرفع الإنتاج إلى مستوى ما قبل الحظر على الأقل». وأكد زنكنة على دور منظمة «أوبك» وشدد على دور إيران باعتبارها إحدى الدول المؤسسة للمنظمة قبل ستين عاما، وقد أشار بقوله؛ «إن قبول التعاون على أساس المصالح الوطنية للدول وانتهاج قاعدة العقلانية في العلاقات هما المبدآن الرئيسيان اللذان أدّيا إلى بقاء ونجاح المنظمة، وقد استفاد الجميع من هذه العلاقات».

عودة البترول الإيراني

ينظر المحللون الاقتصاديون إلى عودة البترول الإيراني إلى السوق العالمي من عدة زوايا، إذ كانت إيران تنتج 3.9 مليون برميل يومياً حتى 2018 ومع فرض الرئيس الأمريكي ترامب حزم العقوبات المتصاعدة على طهران، انخفضت الصادرات الإيرانية بعد ستة أشهر إلى 1.2 مليون برميل يومياً، وسجلت بعد ذلك أدنى مستوى لها في شباط/فبراير 2020 حين شحنت 137 ألف برميل يومياً فقط من النفط الخام. لكن ومع دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في شباط/فبراير الماضي، شهد قطاع البترول الإيراني انفراجا نسبيا، إذ ارتفعت صادراتها مجددا عبر تجهيزات غير رسمية لعملاء إيران الآسيويين في الهند والصين إلى 1.7 مليون برميل يومياً، وحسب التقارير الاقتصادية مثلت الصين أكبر المستوردين للبترول الإيراني عبر الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعها البلدان مؤخرا.
إذن؛ كيف سيكون شكل عودة النفط الإيراني إلى السوق؟ يجيب المختصون على ذلك بأن عودة إيران بكامل حصتها النفطية إلى السوق، أي تصدير 3.9 مليون برميل يومياً يعد أمرا محتملا بعد التنسيق مع بقية كارتل أوبك بلس، لكن من جانب آخر، هذا الأمر يعني أن حديث وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنكنة عندما قال؛ «إن صادرات إيران من البترول من الممكن أن تصل بسهولة إلى 6.5 مليون برميل يومياً عند رفع العقوبات الأمريكية، وأن زيادة الإنتاج ستعزز النفوذ السياسي للبلد» لا يعدو كونه مبالغات غير دقيقة. ويجب أن لا ننسى أن محاولة إيران الوصول إلى مستويات الإنتاج والتصدير التي كانت عليها قبل فرض العقوبات بحاجة إلى استثمارات ضخمة لتطوير قطاع الطاقة فيها، ومن المرجح أن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلا.
وتتوقع مؤسسة «إس آند بي غلوبال بلاتس» أن اتفاقا بين إيران والولايات المتحدة قد يحصل حال تقدم مفاوضات فيينا بين الجانبين، وسيتضمن إعفاء 500 ألف برميل من الصادرات الإيرانية، يليه رفع كامل للعقوبات على النفط الإيراني لاحقاً، ما يعني وصول صادرات إيران من النفط إلى 1.5 مليون برميل يومياً في كانون الثاني/يناير 2022. هذه الرؤية تعني إن عودة النفط الإيراني إلى الأسواق ستكون غالباً تدريجية، سواء تم ذلك عبر تدرُّج تخفيف العقوبات، أو نتيجة لمشكلات فنية مرتبطة بإنتاج وتصدير النفط الإيراني نفسه، وربما سيكون لهذه العودة تأثيراً محدوداً على أسواق النفط بشكل عام، ومن ضمنها حصص دول الخليج التي تعتمد ميزانياتها على إيرادات النفط والغاز بشكل متفاوت فيما بين دولها.
ومن المؤكد أن عودة البترول الإيراني ومنتجاتها البتروكيميائية للسوق العالمي وبشكل خاص السوق الآسيوي سيفتح باب التنافس الشرس على مصراعيه، إذ تعتبر الصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة أكبر أسواق المكثّفات، أي النفط الخفيف جدا، والتي تعتبر إيران منتجاً رئيسياً لها، وأن عودة إيران إلى السوق الآسيوي جعل المحللين الاقتصاديين يتوقعون أن المعركة في سوق المكثّفات ستكون شرسة، وسوف تحتاج إيران إلى عرض إنتاجها بخصم لتحفيز المشترين، وهذا سيحل محل حجم كبير من مكثّفات المراجحة والنافثا في جميع أنحاء آسيا، وسيؤدي أيضاً إلى انخفاض الأسعار، كما سيؤثر الرفع المحتمل للعقوبات على المنتجات الإيرانية على أسواق المكثّفات بشكل أقوى بكثير من النفط الخام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية