بغداد ـ”القدس العربي”:تباينت التحليلات السياسية بشأن مدى فاعلية الضربة الإيرانية الأخيرة، التي استهدفت قواعد أمريكية في الأنبار وأربيل. ففيما اعتبر فريق إن الردّ الإيراني على مقتل قائد الحرس الثوري في فيلق القدس قاسم سليماني “لم يكنّ مؤثراً” بكون إن وضع طهران لا يساعدها في تحمل ردود فعل واشنطن في حال استهدفت مصالح أمريكية “مؤثرة” رجّح الفريق الآخر تخطيط الجانب الإيراني لـ”ردّ نوعي” مع عودة لغة التصعيد الأمريكية مرّة ثانية.
الباحث والكاتب العراقي غالب الشابندر قال لـ”القدس العربي” إن “جميع الآراء والتوجهات سواء كانت حيادية أو تُنسب لشخصيات ذات موقف سلبي من إيران، تتفق على إن الضربة الإيرانية في العراق لم تكن بمستوى ما تعتبره الجمهورية الإسلامية الإيرانية جريمة كبيرة” مبيناً إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني “ليس قائداً ميدانياً فقط، بل هو منظر وقائد ميداني، وكان محور أمل القيادة الإيرانية المتمثلة بعلي خامنئي، بكونه قائد التغيير وعملية التحوّل في داخل المنطقة”.
وأضاف: “الردّ لم يكن بمستوى ما تصرح به إيران حول قيمة سليماني ومنزلته ودوره” لافتاً إلى إن سليماني “كان أحد المشاركين في احتلال السفارة الأمريكية في إيران (عام 1979). وأمضى أكثر من 30 عاماً في حومة الوهج الثوري الإيراني”.
وعن الأسباب التي منعت إيران من “الثأر” لمقتل سليماني في العراق 5 كانون الثاني/يناير الجاري باستهداف المصالح والقواعد الأمريكية المنتشرة بالخليج، يرى الشابندر إن “هذا الأمر هو ما يحرج المحللين السياسيين الإيرانيين. لماذا لم تكن هناك ضربة إيرانية موجعة وذات آثار في المناطق الحساسة في المنطقة، والتي من شأنها أن توجع الولايات المتحدة الأمريكية حقاً؟”.
وأكمل: “إذا أرادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إحراج الولايات المتحدة الأمريكية، فلا تضرب مناطق بعيدة ونائية، وإنما تستهدف مناطق حيوية جداً بضربة تؤدي إلى قتلى أمريكان كثر” لافتاً إلى إن “الرأي العام الذي يغير المسار، ويضع الإدارات الأمريكية في حرج هو الرأي العام الأمريكي”.
وتابع قائلاً: “الرأي العام الأمريكي يتحرك بفعل عدّة أمور، أحدها سقوط قتلى في صفوف الجيش الأمريكي، سواء في ألمانيا أو إيطاليا أو العراق، لذلك فإن الضربة الإيرانية الأخيرة لم تكن مؤثرة، وكان بإمكان الإيرانيين أن يختاروا منطقة حساسة جداً تُعرض المصالح الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية للخطر، وتصيب أهدافا بشرية أمريكية من الجنود، حتى يمكن أن يكون هناك رأي عام أمريكي مضاد للإدارة الأمريكية وقد يطيح بها”.
واعتبر الشابندر إن “وضع إيران لا يساعد على تنفيذ ضربة مؤثرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، بكونها محاصرة اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن كونها امتدّت أكثر من قابليتها” منوهاً إلى أن “أي دولة إقليمية الآن سواء كانت تركيا أو مصر أو إيران عندما تمتد أكثر من طاقتها وقابليتها ستنتهي. هذا ما رأيناه مع مصر والسعودية وصدام حسين (الرئيس العراقي الراحل) ومعمر القذافي (الرئيس الليبي الراحل)”.
ومضى إلى القول: “أي دولة مهما قويت ومهما كان نفطها غزيراً ومهما كانت مساحتها كبيرة ومهما كان شعبها كبيراً ومهما كانت قابلياتها الثورية والتثويرية كبيرة، إذا امتدّت أكثر من اللازم في منطقة اسمها الشرق الأوسط فإنها ذاهبة نحو النهاية”.
وردّاً على سؤال شأن موقف أذرع إيران في العراق وسوريا ولبنان، وهل ستكتفي بالردّ الإيراني أم إنها ذاهبة نحو التصعيد. يقول إن “هذه الفصائل إنما تتبع الخطى الصادرة من القيادة الفقهية والسياسية والثورية في إيران. لا يمكن أن تتخطى هذه الحدود إلا في حالة واحدة، تتمثل بتغيير الاستراتيجية وتقرر إيران تنفيذ ضربات كثيفة وغير مؤثرة وتكلّف الأذرع بأن يقوموا بضربات ثقيلة” لكنه رأى في الوقت عينه إنه “حتى الآن يبدو إن طهران لم تُصدر أوامرها للفصائل بأن تكون هناك ضربات قوية ومؤثرة، لأنه في حساب إيران والعالم إن أي ضربة توجّه من قبل هذه الفصائل إلى أمريكا ذات أثر ووقع كبير، يُفسر بأنه بتدبير وتوجيه من طهران”.
اتفاق إيراني أمريكي
في المقابل، قال المحلل السياسي واثق الجابري لـ”القدس العربي” إن “الكثير من الأنباء أفادت بأن الضربة الإيرانية في العراق ربما تأتي باتفاق بين الجانبين الإيراني والأمريكي” مبيناً إنه “إذا صدقت هذه الرواية فإنها تعني إن الجانب الأمريكي بدأ يتفاوض مع إيران، وبدأ يُدرك مستوى وخطر إيران على المصالح الأمريكية في المنطقة. هذا يدلل على قوة إيران وتأثيرها وامتلاكها قُدرة الردع”.
وأكمل: “نقرأ من الضربة الإيرانية أمران؛ الأول سياسي بكونها استهدفت العراق لأن الضربة الأمريكية التي استهدفت سليماني كانت في العراق، أما الأمر الثاني وهو عسكري، فإن وسائل الدفاع الجوي الأمريكية التي تُصور بأنها مُرعبة لم تعترض صاروخاً إيرانياً واحداً”.
وأضاف: “الجانب الإيراني حقق مكسباً، فبوجود اعتراضات على النظام فضلا عن تداعيات الحصار الاقتصادي على الواقع الإيراني، غير إنه استطاع من خلال الضربة استعادة حشد الشارع مرة أخرى، وإعادة صناعة التفكير الإيراني باتجاه رؤية الدولة وشعور المواطن بتنمية العقل الوطني الجمعي باتجاه واحد ضد الأمريكان وما يسمونه الشيطان الأكبر”.
ورجّح المحلل السياسي العراقي، إن “الأزمة لن تنتهي بالضربة الإيرانية فقط، بل إن هناك ردّاً نوعياً ستُنفذه إيران مستقبلاً، بالتزامن مع عودة الجانب الأمريكي إلى التصعيد مرة ثانية” معتبراً إن “خطاب ترامب الثاني ليس كما الأول. هو بدأ بالتصعيد مرة أخرى، الأمر الذي يُنذر باستخدام أذرع إيران مرة أخرى في المنطقة والعالم، لاستهداف المصالح الأمريكية”.
واستبعد أن تكون الضربة الإيرانية المقبلة في العراق، عازياً السبب في ذلك إلى إن “إيران لا تريد خسارة العراق. في حال أقدمت على ضربة ثانية في العراق فإنها ستخسر الشارع العراقي، وستتلقى ردود فعل سلبية تجاهها”.
وعن دور الوساطات والمفاوضات في نزع فتيل الأزمة، أكد الجابري إن “الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت استعدادها للدخول بمفاوضات، لكن هذه المرة سيكون التفاوض بتنازلات كبيرة من الجانب الأمريكي ليس من الجانب الإيراني، على اعتبار إن إيران تعتبر نفسها معتدى عليها ولديها ثأر فلا بدّ أن يؤخذ بشروطها”.