دمشق – «القدس العربي»: تحضيراً لقمة «ثلاثي أستانة» في منتجع سوتشي، ومناقشة الملف الدستوري في سوريا، زار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون العاصمة الإيرانية طهران أمس في أول زيارة له لإيران، لعقد جولة من المباحثات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي التقى تزامناً بوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم. يجري ذلك وسط تهديد إيران لإسرائيل على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إسرائيل من رد رادع ان استمرت في استهداف مواقعها في سوريا، ترجمه خبراء على انه يندرج في اطار دبلوماسية حافة الهاوية، ضمن الخطاب الموجه للداخل الإيراني في ظل ظروف معاناته السياسية والاقتصادية.
المعلم يبحث في طهران صياغة دستور جديد لبلاده
وحسب مراقبين فإن زيارة وليد المعلم إلى العاصمة الإيرانية طهران جاءت من اجل بحث دستور بلاده من هناك، لاسيما في ظل رفض الجانبين تطبيق القرارات الدولية خشية انعكاساتها التي سوف تقود إلى تغيرات دستورية ضمن عملية الانتقال السياسي، وبالتالي فإن للجانب الإيراني مخاوف واضحة، اذ ينظر إلى الدستور على انه مسألة حساسة وبالغة الأهمية. وقال مصدر دبلوماسي غربي في جنيف لصحيفة «الوطن» المقربة من النظام السوري إن زيارة «المعلم إلى طهران تتضمن بحث كل الملفات المشتركة بين البلدين»، لافتاً إلى تركيز الطرفين «على ملف اللجنة الدستورية».
ويبدو الجانب الإيراني غير منفتح على ما يسمى اعلاناً دستورياً او تغيرات جوهرية في الدستور الحالي التي قد تصل إلى تقليص الصلاحيات الواسعة لرئيس النظام وهو ما يؤدي إلى تداعيات خطيرة بالنسبة إلى إيران التي راهنت ومازالت على الدور المحوري والأساسي لشخص بشار الأسد، بعد ان ابرمت معه عقود انتفاع، تسمح لإيران بتطوير مناجم فوسفاتية في سوريا، بالإضافة إلى عقود استثمار 12 ألف فدان من الأراضي في محافظتي حمص وطرطوس، لبناء محطات للنفط والغاز.
مكاسب استراتيجية لإيران
د.نبيل العتوم المختص بالشأن الإيراني اكد لـ»القدس العربي» وجود مشاكل متعددة امام لجنة صياغة الدستور، وذلك لرفض الجانب الإيراني تطبيق القرارات الدولية، على اعتبار ان اي تنازل في هذا الصدد يعتبر خسارة لمكاسب إيران الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها من خلال مدخل الأزمة السورية، كما أنها تخشى من توافق روسي – تركي على حساب الجانب الإيراني وهذا التوافق ربما يقود إلى صفقة ما مع الدول الغربية. وأشار إلى الاتفاقيات الأساسية الخمس التي وقعتها إيران مع النظام السوري في ما يتعلق بالتعليم والاستثمار بالطاقة والاتصالات وببناء البنية التحتية وإعادة الإعمار. المعلم معني ببحث موضوع الدستور في طهران، برأي العتوم، وذلك لوجود نقاط توافق فيما يتعلق بوجود ممثلين عن اطياف الشعب السوري كافة أبرزها المعارضة، وخوف النظامين الإيراني والسوري من التعديلات على الدستور التي تمهد لمرحلة انتقالية في سوريا تنتهي برحيل بشار الأسد، حيث يركز الجانب السوري على نقطة محورية فيما يخص المساس بصلاحيات رئيس الجمهورية في هذا الوقت بالذات لما سيكون له من تداعيات خطيرة.
وحول الملفات المطروحة للنقاش في طهران، حيال صياغة الدستور السوري، ومخاوف الجانب الإيراني، قال الخبير في الشأن الإيراني لـ»القدس العربي»، إن هناك جوانب في الدستور تتعلق بطبيعة تشكيل القوات المسلحة، لافتاً إلى رغبة إيران في استثمار ما يسمى الميليشيات الموزاية، التي أسستها، وذلك من خلال استراتيجيتين، الأولى بقاؤها بهذا الشكل على غرار الحشد الشعبي في العراق وإدخال نقاط محددة في الدستور السوري تضمن قانونية مثل هذه التشكيلات او محاولة دمجها داخل جسد الجيش السوري خاصة ان المفقود من المخزون السني كان كبيراً، ومحاولة تعويض ما تم فقدانه بالميليشيات التي تدين بالولاء لايران بعد ان تم منحها الجنسية السورية رغم انها ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات. ويبرز هذا كنقطة مهمة لصناع القرار السياسي والأمني في ايران، بيد انه لن يكون مقبولاً لدى بعض الدول، وربما من ضمنها موسكو، إضافة إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين، لاسيما تركيا والدول العربية لما سيكون لذلك من تداعيات سياسية داخل سوريا والأمن القومي العربي.
مطامع روسية… وأخرى إيرانية
ورأى المتحدث أن إيران تتوافق مع النظام السوري في الحفاظ على بقاء الأسد ضمن المرحلة الانتقالية وعلى عدم رحيله، خاصة في ظل معلومات يتم تداولها في الإعلام الإيراني حول مساعٍ روسية تراهن على المؤسسة العسكرية في انتاج قيادة سورية جديدة، يكون ولاؤها لموسكو وبالتالي «هناك صراع مرير داخل المؤسسة العسكرية بين تيار تحاول إيران تعزيزه من ناحية وتيار يسعى الروس لاستقطابه».
ولفت الخبير في الشأن الإيراني إلى التحديات الكبيرة امام لجنة صياغة الدستور، عازياً السبب إلى مطامح إيران الراغبة في ان يقوم الدستور على فكرة المحاصصة الطائفية على غرار ما حصل في العراق حتى يكون لها دور محوري من خلال استراتيجية ملء الفراغ الذي تسعى إلى تطبيقه ومحاولة تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع الأسد، وما يقابل ذلك من حرص الجانب الروسي على الوصول إلى حل سياسي تمهيداً لعودة الإعمار وعودة اللاجئين، وبحث الروس عن الاستقرار في سوريا من أجل جني المكاسب. ومن المعروف ان الدول الأوروبية تربط مساعدتها الاقتصادية لسوريا فيما يتعلق بإعادة الاعمار بحل مشكلة اعادة اللاجئين، الذي يعتبر عقبة امام اي توافق سياسي، كما تدرك موسكو استراتيجية طهران الدعمة لاستنزاف القدرات الروسية وقدرات الخصوم والمنافسين الاقليميين لها وبالتالي الانسحاب، في ظل وضع قائم «السماء لروسيا والأرض لإيران» من خلال الميليشيات الموازية التي قامت بإنشائها.