إيران والعراق

سئل وزير عراقي سابق عن دور إيران الحالي في بلاده، خصوصا مع ما يتردد عن وجود آلاف من عناصر الحرس الثوري هناك، فأجاب «وما المشكلة؟!! لنكن صريحيين وواقعيين، إيران تدعم الحكومة (..) أعتقد أن هذا أمر طبيعي».
بون شاسع بين هذا الاعتراف الصريح لسلام المالكي وزير النقل السابق، والذي من النادر أن ينطق به مسؤولون عراقيون سابقون أو حاليون، و بين النفي الدائم للمسؤولين الإيرانيين لوجود أي تدخل مهما كان. و بين الكلامين عشرات التصريحات بين من يعتبر طهران مورطة حتى العنق في الشأن الداخلي العراقي و بين من يراها مجرد جار مشغول البال وقلق. غير أن الراصد لكل الإشارات الأمريكية والغربية المتعلقة بإيران وعلاقتها بما يجري في العراق سيلاحظ بلا أدنى عناء أنها تحرص بحذر شديد على تجنب اتهام طهران أو استثارتها، وصولا إلى عدم استبعاد التنسيق معها هناك. هذا المزاج مرتبط بلا شك بالمفاوضات الغربية الإيرانية حول ملفها النووي والتي تشارف على ما يبدو على الوصول إلى صفقة كبرى متكاملة لن تقتصر بالتأكيد على الموضوع النووي.
في المقابل، المرتعبون من الدور الإيراني المتنامي كل يوم في العراق نراهم غير راغبين أو قادرين على مواجهته بل وحتى على التنديد به بصوت عال.
أنقرة التي شرعت مؤخرا في تحسين علاقاتها مع طهران، التي لم تتدهور يوما على كل حال، لا تبدو في وارد إفساد كل جهودها السابقة في هذا الاتجاه، في وقت اختفى فيه أي موقف موحد لدول الخليج العربية تجاه ما كانوا يسمونه باستمرار «الخطر الإيراني» وأحيانا الشيعي بسبب الشرخ الذي أحدثته في تماسكهم الأدنى خلافاتهم الأخيرة وتناقضاتهم من مسائل إقليمية مختلفة وعلى رأسها مصر.
و بين الغرب المخاتل والجوار العاجز أو المتردد، تزداد الأصوات الأمريكية المطالبة بتدخل ما في العراق. من بين هذه الأصوات على سبيل المثال جايمس جيفري السفير الأمريكي السابق في بغداد الذي يرى أن الخطر الأكبر هو أن المسلحين يحاولون السيطرة على المناطق الشيعية في العراق وهو أمر سيؤدي إلى تدخل إيران (هي لم تتدخل بعد!!؟) و»عندها سنكون في مواجهة حرب أهلية تمتد من سواحل لبنان و البحر المتوسط إلى إيران» فيما أشار السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام عضو لجنة المهام العسكرية في الكونغرس إلى أنه حال سقوط حكومة بغداد فستسيطر إيران على الجنوب (هي لم تسيطر بعد!!؟) بجميع موارده النفطية وهذا يحتم التدخل لوقف تقدم المسلحين باتجاه بغداد.
أما المختصر المفيد فقاله بول بريمر الحاكم السابق للعراق بعد الاحتلال عام 2003 عندما أشار إلى أن على واشنطن أن تدرك الآن بأن هناك أمرين هامين يحدثان في العراق في الوقت نفسه «الأمر الأول هو إمكانية سيطرة تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) على مناطق ثرية للغاية ومركزية ليتم استعمالها كقاعدة عمليات ضد الولايات المتحدة تماما كما فعلت «طالبان» من قبل، والأمر الثاني هو أن هناك انهيارا كاملا للنسيج السياسي الذي تشكل عقب الفترة العثمانية في المنطقة بما يجعلها كلها في خطر، و هذا من شأنه أن يهدد أصدقاءنا وحلفاءنا في المنطقة أيضا، ولذلك فليس هناك متسع كاف من الوقت لجدل كبير، وآمل أن يتخذ الرئيس أوباما مع نهاية الأسبوع قرارا سريعا لمساعدة الحكومة العراقية». هنا تحتاج واشنطن إن لم يكن لتعاون طهران فعلى الأقل لعدم ممانعتها… وستظفر بأحدهما بالتأكيد و لكن بثمن.

محمد كريشان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول salem Ateek:

    إذا كانت الدلائل التي تشير على تدخل إيران الشيعية في الشأن العراقي أكثر من واضحة وكافية، فهل سيبقى الطرف الآخر السني بقيادة السعودية متفرجاً؟! بالتأكيد كلا، فهنا الدلائل تشير بدورها الى أن هذا الطرف متورط أيضاً في دعم الثورة أو الإرهاب السني، سميه كما تشاء، المهم أن هذا الدعم موجود، وإلا من أين لها أن تصمد وتهاجم وتحتل مدن بحجم الموصل. أمّا عن واشنطن فحدث ولا حرج فعلى الأرجح ستلعب على الحبلين، لأن من مصلحتها ومصلحة المشروع الصهيوني في المنطقة إستنزاف الطرفيين الإسلاميين المتحاربين كما في سوريا الى أبعد حد ممكن دون أن يُكلفها هي شيئاً من الخسائر، خاصة البشرية. للأسف، المنطق المذهبي الشيعي والسني يحكم على الأمّة الإسلامية بمزيد من الضعف والإنكسار، وذلك منتهى الغباء القيادي.

  2. يقول غادة الشاويش:

    مقال موضوعي رائع قصير وعميق

  3. يقول محمد ساعد الجزائر:

    بكل روح رياضية
    إلى الأستاذ كريشان شكرا على هذا المقال
    إلى الأخ سالم عاتق تحليلك في محله

إشترك في قائمتنا البريدية