إيران والمثال الكوري

حجم الخط
1

الفشل أو عدم التوصل إلى تفاهم حول الأولويات في قمة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون في العاصمة الفيتنامية هانوي، من المرجح أن تتحول إلى مادة للجدل الإيراني، بين المعسكر الرافض للاتفاق النووي، وما يليه من اتفاقيات محتملة (FATF) والمعسكر الذي تولى مهمة التفاوض للوصول إلى الاتفاق النووي، الذي يدفع إلى ضرورة انضمام إيران إلى اتفاقيات مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
التيار الإصلاحي ومعه الجناح المعتدل الداعم لرئيس الجمهورية حسن روحاني وإدارته للملفات الدولية والحساسة، يحاولان الدفع باتجاه تحويل أزمة الانضمام إلى المعاهدات الدولية، منصة جديدة للصراع مع قوى التيار المحافظ، وبعض مراكز القرار في النظام، من خلال الدعوة إلى تحويل الجدل حول أزمة هذه الاتفاقيات إلى مدخل لفرض سياسات على النظام، طالما رفض وعارض اللجوء إليها حتى في المفاصل الخطيرة والحياتية التي واجهتها إيران. هذه الأطراف (الاصلاحية والمعتدلة) لا تتردد في إعلان موقفها المؤيد لإقرار الاتفاقيات ـ بشكل مباشر أو غير مباشر- وضرورة أن يلجأ مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي دخل على خط الجدل بين مراكز القرار في النظام حول هذه الاتفاقيات، إلى حسم الموقف وإعلان تأييد لسياسات الحكومة في هذا الإطار. أما في حال عدم الموافقة عليها من قبل هذا المجمع، فان الامور لا بد أن تذهب إلى الدعوة لاجراء «استفتاء» شعبي لحسم الموقف.
والدعوة لاجراء استفتاء شعبي يعتبر من المسائل المحرمة، التي لم يسمح النظام باللجوء إليها على مدى ثلاثين عاما منذ الاستفتاء الأخير الذي أجري قبيل وفاة مؤسس النظام الامام الخميني عام 1988، الذي شهد تعديلا في الدستور تضمن إضافة صفة «مطلقة» على صلاحيات ولي الفقيه، إضافة إلى إلغاء منصب رئيس الوزراء وتحويل السلطة التنفيذية إلى سلطة رئاسية.
وتعتبر الدعوة للاستفتاء العام والشعبي، من صلاحيات ولي الفقيه ومرشد النظام الحصرية، حسب الدستور الايراني، وإن نتيجة أي استفتاء ستعني أن ولي الفقيه سيكون مسؤولا عن نتائجه والالتزام به وتنفيذه، وهو ما لا يمكن أن يحدث في مثل هذا الأمر، خصوصا أن تداعيات ستكون صعبة وقاسية على النظام، حسب اعتقاد التيار المحافظ، لأن ولي الفقيه، أو المرشد لم يلجأ للدعوة إلى الاستفتاء في مسائل وقضايا أكثر مصيرية، وأكثر إلحاحا في السابق، فمن المستبعد أن يقبل بذلك في هذه المرحلة.

من الحري بالحكومة الإيرانية أن تستعرض التنصل الأمريكي ليس فقط من الاتفاق النووي، بل من كل المعاهدات الدولية

ويتخوف التيار المحافظ ومراكز النظام من أن تتحول مسألة القبول بالاستفتاء الشعبي إلى سابقة قد تفتح الطريق على استفتاءات أخرى، تخرج عن دائرة القضايا التي تتعلق بالعلاقة مع المجتمع الدولي، من بوابة المشاركة الشعبية في القرار، إلى مسائل تتعلق بطبيعة النظام وماهيته وحتى شكله وصولا إلى العودة للدعوة التي طرحت مطلع العقد الأول من هذه الالفية المطالبة بالاستفتاء على صلاحيات مرشد النظام ورئيس الجمهورية. في المقابل، فإن التيار المحافظ المتشدد الذي يفضل أن يطلق على نفسه اسم التيار المعارض للحكومة، خاصة في الاتفاق النووي والانضمام إلى المعاهدات المالية الدولية، فيأملون أن يساهم فشل القمة الامريكية الكورية الشمالية إلى عدم موافقة مجمع تشخيص مصلحة النظام على إقرار الاتفاقيات المالية. وبالتالي فإن الامر اذا حدث فإنه سيشكل دعما لموقفهم السلبي من الاتفاق النووي، ويعزز توجهاتهم التي تتهم الحكومة بتقديم تنازلات نووية، وفشلها في الحصول على عائدات هذا الاتفاق، التي تتمثل بالدرجة الأولى برفع العقوبات الاقتصادية والمالية، وما يرافقها من انفتاح اقتصادي وإنمائي واستثمارات دولية وداخلية.
ويرى المتشددون أن على إدارة الرئيس روحاني التعامل بواقعية مع نظيرتها الامريكية، في ما يتعلق بالاتفاق النووي والتعهدات التي جاءت فيه، فهي لم تلتزم بالاتفاق، وأعلنت الخروج منه، وبالتالي انسحبت من كل الزاماته، وان هذا التصرف الامريكي كان نتيجة التسرع من قبل الطرف الإيراني المفاوض للتوصل إلى اتفاق، في حين أن استمرار التفاوض ما كان ليصل إلى هذا الفشل. ويدعو المتشددون حكومة روحاني لأخذ العبرة من الزعيم الكوري الذي رفض الاتفاق مع ترامب، الذي طالبه بتدمير برنامجه النووي بالكامل، مقابل رفع جزء للعقوبات، وقد استفاد جونغ أون من التجربة الايرانية في رفض المطالب الامريكية، وانسحاب ترامب من الاتفاق، على الرغم من تنفيذ طهران لكل تعهداتها في الاتفاق. ومن الحري بالحكومة الإيرانية أن تستعرض التنصل الامريكي ليس فقط من الاتفاق النووي، بل من كل المعاهدات الدولية، مثل اتفاقيات المناخ والشراكة التجارية عبر الاطلسي (TPP) والصواريخ 1987 مع روسيا والتجارة الحرة لامريكا الشمالية (نفتا)، وأن لا تتسرع في الدفع لاقرار اتفاقيات FATF، وان لا تعمد إلى تدمير الاستقلال المالي لإيران كما فعلت في تدمير اجراء اساسية في البرنامج النووي، من دون الحصول على أي عائدات.
وعلى الرغم من أن أزمة استقالة وزير الخارجية، ارتبطت بشكل مباشر بالاخطاء الدبلوماسية والبروتوكولية والإدارية التي رافقت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، سهوا أو عمدا، إلا أن الضغوط التي مارسها التيار المتشدد على سياسات ظريف، وادارته الدبلوماسية وفريقه المفاوض في موقفه الداعم والمؤيد لإقرار الاتفاقيات المالية شكلت العقدة الاساس التي وضعت ظريف على حافة الاستقالة من منصبه لاكثر من مرة، أو على الاقل إقالته على هذه الخلفية، من خلال طرح استجوابه والثقة به امام البرلمان، الذي لم يتوقف من دون تدخل من مرشد النظام الذي وجه بسحب الاستجواب.
دفع القوى الاصلاحية والمعتدلة لإحراج النظام بالدعوة إلى الاستفتاء الشعبي، واصرار التيار المحافظ على اتهام الحكومة بالتفريض بمصالح إيران في الاتفاق النووي والقوانين المالية الدولية، وما يترتب على ذلك من تدخل لمرشد النظام الذي سيكون رفضا للاستفتاء من جهة، وتقديم الدعم والدفاع عن حكومة روحاني وفريقه الدبلوماسي، كما حصل مع ظريف، كل ذلك يعني أن طرفي القوى السياسية الإيراني، بدأت تستخدم الرصيد المباشر لمرشد النظام ووضع صلاحياته في مواجهة مع إرادات هذه القوى للحفاظ على التوازنات واخراج إيران من عنق الازمات التي تواجهها.
كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيسير خرما:

    حل مشاكل إيران يتم بإعلان مرشد أعلى عدمية نظريات سلفه وتسليم سلطاته لرئيس الجمهورية لإلغاء دولة فوق الدولة تعادي شعوب إيران والعرب والمسلمين والعالم وإلغاء ما خلقته في 4 عقود بتبديل دستور مدني بدستور وقوانين شريرة وتفكيك أجهزة أمن تضطهد شعوب إيران وتفكيك مصانع أسلحة دمار شامل وصواريخ بالستية هدفها العدوان وإلغاء حرس ثوري وميليشيات مسلحة وخلايا إرهاب ومؤسسات جمع وغسيل أموال بدول عربية وإسلامية وبالعالم، وخفض موازنة حكومة وجيش للربع لإنقاذ اقتصادها وقصر إنفاق ثروات إيران على تحسين معيشة مواطنيها.

إشترك في قائمتنا البريدية